الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جابر عصفور: خطابي لعبدالناصر أنقذ مستقبلي

جابر عصفور: خطابي لعبدالناصر أنقذ مستقبلي
5 فبراير 2009 02:23
اختار المفكر والناقد المصري د· جابر عصفور ان تكون سيرته الثقافية والادبية موضوع شهادته في محور الشهادات بمعرض القاهرة الدولي للكتاب والمخصص لاصحاب الجوائز، وهو نال عام 2008 جائزة منظمة ''اليونسكو'' للثقافة العربية، وقدمه للجمهور د· عماد ابو غازي· بدأ د· عصفور بأبيات شعرية لصلاح عبدالصبور عن الحلاج تبدأ بالقول: ''وانا رجل من غمار الموالي'' فهو نشأ فقيراً بمدينة المحلة الكبرى بدلتا النيل، ودخل مدرسة الاقباط بالمحلة وكانت تتبع الجمعية الخيرية المسيحية، وكان بها طلاب وطالبات مسلمون ومسيحيون وكان معظم المدرسين من المسيحيين وكانوا يخرجون من المدرسة مبكراً يوم الجمعة، بعد الحصة الثالثة لأداء الصلاة ويذهب الطلاب المسيحيون إلى الكنيسة، وكان بعض الطلاب المسيحيين يتسللون مع زملائهم المسلمين إلى الجامع ليروهم وهم يصلون وكذلك الحال بالنسبة للكنيسة وبعض الطلاب المسلمين· ويقول د· عصفور انه لم يشعر بأي تمييز في المدرسة ضد اي طالب بسبب الدين، وظل في المدرسة حتى نال ''الثانوية العامة''، وكان في المحلة ''عم كامل''، وهو رجل عجوز معه عربة يد يبيع عليها الكتب القديمة او يعيرها نظير ايجار محدود ليوم او يومين لمن يريد القراءة، وكانت قيمة الاعارة نصف قرش· مع الكتاب ولد د· عصفور عام ،1944 وحين صار في المدرسة الاعدادية كان يتردد على الاسكندرية في اجازة الصيف، فكان يذهب إلى مكتبة البلدية للقراءة، ويذكر اول مرة دخل المكتبة ان ذهب إلى اضخم كتاب واخرجه ليقرأ فيه، وقد قصد بذلك ان يلفت انتباه من في المكتبة اليه، انه الصبي الصغير يمسك هذا المجلد الضخم، وكان المجلد ترجمة البستاني لالياذة هوميروس وكان البستاني قد وضع مقدمة مطولة للترجمة ـ حوالي 200 صفحة ـ فانهمك فيه واستوعب كثيراً مما جاء بالمقدمة، وما ان بدأ قراءة النص، حتى شعر بأن رأسه يدور ولا يفهم شيئاً لان البستاني ترجمها بلغة اقرب إلى لغة الشعر الجاهلي، فضلاً عن انها حول شخصيات واساطير يونانية، لذا تركها ثم قرأ عملاً لهيمنجواي حتى وقع في يده كتاب جميل كانت على غلافه لوجه للفنان بيكار، وكان الكتاب هو الأيام لطه حسين· ويقول: ايام طه حسين غيرت حياتي، وصار طه حسين مثلي الأعلى ولذا دخلت كلية الآداب لأكون مثله وأتتلمذ على يديه وفوجئت بأن د· طه لم يعد يدرس الا طلاب الدراسات العليا ويذهب إلى الكلية يوماً واحداً في الاسبوع، فقلت: اتفوق وادرس على يديه في الدراسات العليا، وما ان بدأ عصفور الدراسات حتى كانت صحة طه حسين قد تدهورت، ولم يعد يأتي إلى الكلية؛ لذا قام بتسجيل درجة الماجستير مع د· سهير القلماوي تلميذة د·طه حسين وطلب منها ان تأخذه لزيارة العميد، واصطحبته معها إلى منزل د· طه حسين وسأله طه عن بعض الامور ولا يذكر ماذا سأله ولا كيف اجابه وفي نهاية المقابلة، قال العميد للدكتورة سهير ''ابنك هذا سيكون له شأن في النقد الأدبي''· بداية الخجول رغم ان جابر عصفور كان متفوقاً حين تخرج وكان الاول على طلاب اقسام اللغة العربية بكل الجامعات المصرية عام ،1965 فإنه لم يتم تكليفه بالعمل معيداً بالجامعة لخلاف بين الاساتذة والثاني انه كان خجولاً الى اقصى حد، فلم يذهب إلى إدارة الجامعة ليطالب بالتعيين وحاول ان يتظلم بعد ذلك فذهب إلى مكتب مدير الجامعة د· جابر جاد عبدالرحمن لكن مدير المكتب منعه من مقابلة مدير الجامعة، فتقدم إلى مسابقة ليعين مدرساً للغة العربية وتصور انه سيعين بالقاهرة قريباً من الجامعة، خاصة ان ترتيبه كان الثالث بين مئات المتسابقين لكن تم تعيينه بالفيوم· وكان موجه اول اللغة العربية هناك من الدراعمة، فعين خريجي دار العلوم بمدينة الفيوم وخريجي الازهر بالمناطق القريبة منها ودفع خريجي الاداب إلى اطراف المحافظة، لكراهية قديمة بين خريجي الاداب ودار العلوم، وكان نصيبه أن يذهب إلى مدرسة تسمى ''طبهار الاعدادية'' وكانت المدرسة في دوار العمدة وكان المنزل مهدماً، واعطوه فصلاً كان شرفة الدوار أي في الهواء الطلق بجوار الحقول مباشرة، حتى ان الآباء كانوا ينادون على اولادهم وهم في الحقول· وذات يوم جلس د· عصفور يعد درس اليوم التالي، فسمع في الاذاعة خطاباً للرئيس عبدالناصر يتحدث فيه عن العدل والحرية في مجتمعنا وبدلاً من ان يعد الدرس كتب خطاباً إلى الرئيس جمال عبدالناصر يشكو حاله وعدم تحقق العدل الذي يتحدث عنه في خطابه، وارسل الخطاب ونسيه ثم عاد في اجازة بالقاهرة، فقالوا له ان د· سهير القلماوي كانت ترسل اليه الساعي يومياً لمدة اسبوع تسأل عنه بإلحاح فذهب إليها بالكلية فقالت له: اذهب إلى مدير الجامعة؛ لأن امرك قد قضي فذهب متصوراً ان استاذته انهت الموضوع، وكانت المفاجأة ان مدير مكتب مدير الجامعة استقبله بود واندفع إليه مدير الجامعة مرحباً ومحتضناً اياه، منادياً اياه ''سميي جابر''· وقال: انخرطت في البكاء وانا في حضنه، وقال لي كلاماً طيباً للغاية كيف يا بني لم تأت إليّ من البداية·· كيف يا بني تصمت على هذا الظلم الذي وقع عليك؟ وطلب مني ان اذهب إلى امين عام الجامعة لانهاء اجراءات التعيين· كل هذا ود· عصفور يتصور ان استاذته تدخلت مع مدير الجامعة ووجد امين عام الجامعة يخرج من مكتبه خطابه الذي بعث به الى الرئيس عبدالناصر وعليه توقيع الرئيس مسبوقاً بالكلمات التالية ''إلى وزير التعليم للتعيين والتحقيق'' ثم وقع الوزير الى مدير الجامعة ''للتعيين اولاً ثم التحقيق'' وتم تعيينه معيداً بالجامعة، وقالت له استاذته د· سهير القلماوي ''اعتز يا جابر'' وقصدها ان يكون معتزاً بنفسه، ولو اعتز بنفسه وبعلمه فلن يقع في الخطأ ولا في الفساد الجامعي· وانطلق في الجامعة يستمع لمحاضرات اساتذته بقسم اللغة العربية مثل د· زكي نجيب محمود ود· زكريا ابراهيم في الفلسفة ونال جابر الدكتوراة ثم وقع الرئيس السادات اتفاقية كامب ديفيد وكان هو من الذين اعترضوا عليها ''دفعت الثمن· لا بأس واي موقف يتخذه الانسان لابد ان يتحمل مسؤوليته ويدفع الثمن''·· وهنا كان الثمن ان أُبعدت عن الجامعة مع عدد من الاساتذة وتم نقلي إلى مكتب رئيس هيئة المعاشات بوزارة الشؤون الاجتماعية· في استوكهولم وسط هذا كله، دعي د· عصفور إلى جامعة استوكهولم استاذاً زائراً للآدب العربي في السويد· ويقول: ''قيمتي كأستاذ تعلو عندي أي شيء، لولا ذلك ما دعيت هناك ولما دعيت بعد ذلك الى جامعة هارفارد'' وكان عصفور قد قرر هو والاساتذة ان يرفعوا دعوى ضد قرار الرئيس السادات وترافع عنهم مجاناً د· نعمان جمعة بعد ان خذلهم استاذ قانون كبير، حيث طلب من كل منهم مبلغاً مالياً ضخماً وحجزت المحكمة القضية للحكم فأصدر الرئيس حسني مبارك قراراً بعودة الاساتذة وقررت الجامعة عودة نصف الاساتذة وبعد ثلاثة أشهر يعود الباقون، فاحتج الاساتذة ورفضوا تلك الصيغة، فاعادتهم الجامعة جميعاً وكان هو من بينهم· ويقول د· جابر: بعد ان حصلت على الاستاذية، قررت ان اكتب مقالات للصحف، لأنني بعد ان حصلت على الدكتوراة كنت اعتبر نفسي لا أزال تلميذاً، وإلى اليوم ارى نفسي تلميذاً يجب ان اتعلم وان اقرأ كل يوم، والاستاذ الحق هو الذي يدرك انه ما زال يتعلم، فالمعرفة لا تكتمل ابداً وقد تكتمل لديه ادوات البحث العلمي· ويقول د· عصفور: أعتنق في حياتي العلمية ثلاث قيم وهي ان احترم الحق ولا اخاف الحق أياً كان وان أحترم حرية الرأي واحترم الحرية الفكرية، مهما كان الرأي يخالف فكري ورأيي ولذا اعتبر ما حدث لنصر حامد ابوزيد وصمة عار في الثقافة المصرية ولن يبرأ المثقفون ولن تبرأ الجامعة الا بإزالة شوائب التكفير التي علقت بها· ويقول د· عصفور: خطأ الرئيس السادات الاكبر انه دفع بالتيارات المتطرفة الى الصدارة ليحارب بها الافكار اليسارية والناصرية، وقد دفع حياته ثمناً لذلك التصرف، وما زلنا ندفع الثمن، حيث يقف نواب من البرلمان ليتهموا الكتاب في عقائدهم ولم يعف جابر المثقفين من المسؤولية فهم في حالة تشردم ولم يصبحوا قوة ضغط في مواجهة التكفيريين· ويقول عصفور: لقد ضعفت الجامعة وذهب الاساتذة الكبار وبقي الاساتذة الذين يمارسون الدروس الخصوصية ويبيعون المذكرات للطلبة ولن ينصلح حال الجامعة ما لم تعد القيم العلمية والاكاديمية التي ارساها الاساتذة الكبار·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©