الصبار ملك «فاكهة الصيف» يحول أرصفة دمشق إلى مقاهٍ

مع قدوم فصل الصيف في أواخر يونيو، ورغم تعدد الفاكهة السورية وشهرتها، فإن فاكهة واحدة تحظى بالدلال، وتتبختر في شوارع دمشق ويقبل عليها الجميع بنهم. إنها (الصبّارة) بلهجة أهل دمشق والصبر بلهجة بقية المناطق السورية، فهي بلا منازع “ملكة فواكه الصيف”. مع بداية الصيف، وعلى الرغم من أن إشغال الأرصفة ممنوع قطعياً، إلا أن الزائر لدمشق يلاحظ أن هناك مساحات من الأرصفة في الأحياء الراقية كأبي رمانة والمالكي، قد تحولت إلى دوحات خضراء مزينة بالورود والنباتات، وتتوزع بينها كراسي فولكلورية منخفضة من القش والخشب وأحياناً من البلاستيك، لتشكل ما يشبه مقهى الرصيف الصغير، وفي هذه الدوحة تتصدر فاكهة الصبار وبائعها المكان، ويقبل العابرون على تناول هذه الثمرة المحببة بمتعة وتلذذ. ترخيص موسمي إشغال الأرصفة هنا ليس مخالفاً للقانون، فمحافظة دمشق تمنح ترخيصاً موسمياً لباعة الصبار ، لأن هذه الفاكهة تشكل جزءاً من فولكلور الشام وتراثها الشعبي، حيث يتفنن البائعون في تزيين المساحات التي يشغلونها بالنباتات والورود والأضواء الملونة، مما يجعل منهم لوحة فولكلورية تلون ليالي دمشق. ولا يقتصر وجود بائعي الصبارة على حي أبو رمانة والمالكي، بل هم يوجدون على أرصفة الساحات العامة، وفي الشوارع الرئيسية كشارع بغداد والمزة وغيرهما. ويلاحظ وجودهم بكثرة في المتحلق الجنوبي، حيث حولوا جزءاً منه إلى ما يشبه الكرنفال الصيفي الليلي الذي يستمر منذ المساء وحتى ساعات الصباح الأولى. ومن عند أبو محمد، بائع الصبار في حي الروضة، يشتري الدكتور ناجي، وهو أستاذ جامعي، يقول إن “الصبارة ثمرة محببة إلى الدمشقيين، كما أن تناولها وهي باردة في أمسيات الصيف، يعتبر ذا نكهة وطعم محببين، ونحن معتادون على تناولها منذ الصغر، وقد أحبها أطفالي وكذلك زوجتي، لذا أصطحبهم في بعض الأمسيات لتناولها، وأحياناً أشتري لهم طبقاً من الثمرات وأحضره إلى المنزل”. ويضيف “على الرغم من تنوع فواكه الشام من تين وعنب ومشمش وكرز وتفاح وإجاص ودراق وتوت وبطيخ وشمام، إلا أن الصبارة يظل لها مذاق خاص”. وعن الأسعار، يقول ناجي “على الرغم من ارتفاع ثمن الصبار كثيراً عما كانت عليه في الماضي، فإن الزبون لا يدقق في السعر المطلوب منه، لا سيما أن هؤلاء الباعة يعيشون بانتظار موسم الصيف، وهم يستحقون مهما دفعنا لهم، فالمسألة هنا لا تخضع للتسعيرة، وإنما لسماحة النفس”. فوائد صحية يجلس الشاب وسيم وخطيبته نجلاء، بين أصص الورود، يتناولان حبات الصبار من يد أبي محمد، يقول وسيم إنها متعة جميلة في أمسيات الصيف، وبالنسبة للأسعار، فإنها أقل من عادية، فكوز صبارة واحدة أفضل مائة مرة من أن تتناول البوظة، وإذا كان سعر علبة المثلجات لا يقل عن خمسين ليرة، فإن حبة الصبارة لا تزيد على عشر أو خمس عشرة ليرة، مع الفارق في الطعم والنكهة إلى جانب الفائدة الصحية. ويعتبر كثير من الأطباء أن (الصبر) هو من أغذية الرشاقة وإنقاص الوزن، لأن السعرات الحرارية التي تحتويها الثمرة الواحدة لا تزيد على ثلاثين سعرة حرارية، كما أن نسبة الملح فيه منخفضة جداً، ولذا فهو يساعد في خفض سكر الدم والكوليسترول، وفق خبيرة التغذية فاطمة محمد. وتؤكد محمد أن ثمرة الصبر تحتوي على فيتامينات ومعادن طبيعية ومتوازنة، مثل الكالسيوم والمجنزيوم والبوتاسيوم وفيتامين سي وأي، ولذا فهي ترفع مناعة الجسم وتخفف من أعراض الشيخوخة واضطرابات الكوليسترول والخلايا السرطانية والتهابات المفاصل، كما تسهم في هدوء الأعصاب وتحسين المزاج والتخفيف من الضغط لغناها بالمنجنيز. كما يعتبر أطباء الهضمية أن الصبر مفيد للمصابين بقرحة المعدة، وهو يحمي الأغشية المخاطية للجهاز الهضمي من التأثيرات الضارة لأية عقاقير. ونظراً لفوائد الصبر، فإنه دخل في صناعة مستحضرات التجميل والعقاقير الطبية في عدد من البلاد، لا سيما في المكسيك، حيث يحتل الصبر مكانة مهمة في الطب الشعبي التقليدي هناك. الصبار نبات شوكي ينمو «بعليا» الصبّار بلهجة أهل دمشق أو الصبر بلهجة أهل الساحل السوري ومناطق أخرى هو نوع من التين الشوكي، وهو ينتمي إلى الصبار الفقوعي لون شجرته أخضر، وثمرته حلوة المذاق، وهو ينمو في المرتفعات الجبلية. وأشهر مناطق زراعته هي منطقة المزة في دمشق، وإن كانت المساحات المزروعة قد قلت كثيراً مع تحول المزة إلى منطقة سكنية راقية، كما اشتهرت بزراعته مناطق الدروشة وخان الشيح والكسوة وكناكر والمرتفعات الساحلية جميعاً وكذلك سهول درعا عموماً، وبعد أن انحسرت مساحات زراعة الصبارة عادت إلى التوسع نظراً للعائد المادي الكبير الذي أصبحت تدره للمزارعين والبائعين على حد سواء، وبذلك فقد أصبحت تشكل نوعاً من الثروة لمزارعيها، وبطبيعة الحال، فإن زراعة الصبّارة تتم في الأراضي البعلية، دون أي سماد.