الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زمام المبادرة فلسطينياً

16 مايو 2011 22:07
كثير من التشكيك لا يزال يخيم على المصالحة الفلسطينية، نظراً إلى أن أعوام الانقسام صنعت أوهامها وأساطيرها، كذلك وقائعها وحقائقها، ويصعب على الطرفين تجاوزها، أو اعتبارها كأن لم تكن. لكنهما ليسا طرفين في الواقع، وإنما هي أطراف عدة توزعت في اتجاهين، أولهما اعتبر أن المصلحة في المصالحة كانت دائماً موجودة إلا أنها انتظرت اللحظة التي تحوّلها إلى إرادة سياسية وخيار لا بدّ منه. وثانيهما كان يعرف منذ اللحظة الأولى أن لا مصلحة في الانقسام، لكن أصحابه والمستفيدين منه، من عرب وإسرائيليين وإيرانيين وأميركيين وأوروبيين، وجدوا فيه مصالح شتى تستحق بذل العناء للمحافظة عليه. غداة انقلاب "حماس" في غزة عام 2007، وقد رافقه عنف دموي لا يُنسى، اعتبرت واشنطن بوش وإسرائيل أولمرت ومصر مبارك، أن الرد المجدي عليه يكون بتفعيل المفاوضات كسبيل وحيد يحقق إنجازات ويحول دون انهيار السلطة الفلسطينية. كان بإمكان هذه الأطراف أن تتوصل إلى الخلاصة ذاتها غداة فوز "حماس" في انتخابات 2006 حين أطلق الناخبون إنذاراً مدوياً يفيد بأن عملية السلام تعطلت ويتوجب البحث عن خيارات أخرى للشعب الفلسطيني. لكن الأطراف الخارجية، وخاصة الإسرائيليين والأميركيين، فضلت وقتذاك توبيخ الناخبين الفلسطينيين والوعيد بمعاقبتهم، وبدل مساعدة السلطة وتمكينها من استيعاب التغيير الحاصل عبر صناديق الاقتراع عمدت تلك الأطراف إلى اتخاذ مواقف عبر "الرباعية" سيئة الذكر للشروع في عزل "حماس" ثم البدء بحصار غزة ثم تعطيل "حكومة الوحدة الوطنية" المنبثقة من "اتفاق مكة"، ممهدة بذلك للحصار الكامل فالانقلاب الحمساوي ثم حرب غزة أواخر 2008 - أوائل 2009 التي كشفت عن انقسام عربي حاد وليس فلسطينياً فحسب. من الواضح أن مناخ التحولات العربية بدد ذلك الانقسام، مقترحاً إرهاصات علاقات عربية جديدة، مما سهَّل عملياً دخول جناحي الشعب الفلسطيني في مصالحة. ولم يعن ذلك أن الخلافات حلّت بسحر ساحر، بل إنها ستحلّ بفعل الحوار والتعاون وتغليب المصلحة، ولا نقول "المصلحة الوطنية" لأن هذه تحتاج إلى إعادة تعريف بعدما أنهكها الطرفان بانحرافاتهما. والأكيد أن الشعب الفلسطيني يحتاج إلى براغماتية "فتح" و"حماس" لتحقيق مصالحه، فكلاهما حاول جني مكاسب من الانقسام وانتهتا متساويتين في الخسارة لأن إسرائيل لم تعرف التعامل مع "المعتدلين" ولا مع "المتطرفين"، وأخفقت في التمييز بين من "يعترف" ومن "لا يعترف" بها. بل إنها في الحالين اعتمدت السياسة نفسها التي باتت مكشوفة بأنها غير معنية بالسلام وإنما بمواصلة الهيمنة على المناطق الفلسطينية من دون تحمل أي مسؤولية تجاه المجتمع الدولي. مع مضي الوقت برزت ظاهرتان: الأولى أن صمود السلطة الفلسطينية أمام الضغوط وإصرارها على وقف الاستيطان شرطاً للتفاوض وتحضيرها لمستلزمات إعلان الدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل، توصلت إلى فرض شبه عزلة على إسرائيل وجعلت الجانب الفلسطيني للمرة الأولى في موقع من يملك زمام المبادرة. أما الظاهرة الأخرى فتمثلت بحصار غزة الذي شكل طبعاً معاناة بالغة القسوة للفلسطينيين إلا أنه تسبب أيضاً بمتاعب كثيرة للإسرائيليين ولم يحقق لهم أي مكاسب مقارنة بالخسائر المعنوية التي بلغت حد تداول إسرائيل كدولة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. في ضوء ذلك يُفهم رد الفعل الإسرائيلي الموتور على المصالحة الفلسطينية. وأمكن لنتنياهو خلال جولة أوروبية، أن يلمس التغيير الحاصل في مقاربة المجتمع الدولي للمسألة الفلسطينية، إذ أن المشكلة لا تكمن في عدم اعتراف "حماس" بإسرائيل وإنما في عجز إسرائيل بحكومتها الراهنة على تأمين ظروف طبيعية لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. لم يبق لنتنياهو وزمرة المتطرفين في حكومته سوى إعادة الإدارة والكونجرس الأميركيين إلى جادة الانحياز الكامل لإسرائيل لإحباط مشروع إعلان الدولة الفلسطينية ومعاقبة طرفي المصالحة على عدم استئذانهما إسرائيل قبل أن يعودا فيتصافحا وبرعاية مصرية. عبدالوهاب بدرخان كاتب ومحلل سياسي - لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©