الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فاطمة حسين على خط التماس ما بين الحداثة والتقاليد

فاطمة حسين على خط التماس ما بين الحداثة والتقاليد
10 أغسطس 2017 21:08
الإعلامية الكويتية والكاتبة القديرة فاطمة حسين عيسى القناعي «أم حسام» الشهيرة بـ «فاطمة حسين»، صاحبة تجربة تمتد لنحو نصف قرن، قدمت خلالها عطاءات لا حدود لها في قيادة الحركة الطلابية والحركة النسائية وفي الصحافة والإذاعة والتلفزيون والكتابة والإدارة والعمل التطوعي، الأمر الذي جعل الصحافة الكويتية تطلق عليها لقب «صاحبة العالم المتسع الأبعاد»، فيما أسبغ عليها البعض لقب «وزيرة بلا حقيبة»، وقال عنها فريق ثالث إنها «رمز نسائي مستقل وصاحبة تجربة فريدة ومتميزة تصلح نبراساً للأجيال الجديدة»، ووصفها فريق رابع بـ «الناطق الرسمي باسم المرأة من المطبخ إلى عالم السياسية» كناية عما قامت به في حياتها من إنجازات لتغيير مجتمعها نحو الأفضل وترسيخ قيم الحداثة والتنوير فيه وكسر التابوهات الاجتماعية المعيقة. الإعلامية الكويتية والكاتبة القديرة فاطمة حسين عيسى القناعي «أم حسام» الشهيرة بـ «فاطمة حسين»، صاحبة تجربة تمتد لنحو نصف قرن، قدمت خلالها عطاءات لا حدود لها في قيادة الحركة الطلابية والحركة النسائية وفي الصحافة والإذاعة والتلفزيون والكتابة والإدارة والعمل التطوعي، الأمر الذي جعل الصحافة الكويتية تطلق عليها لقب «صاحبة العالم المتسع الأبعاد»، فيما أسبغ عليها البعض لقب «وزيرة بلا حقيبة»، وقال عنها فريق ثالث إنها «رمز نسائي مستقل وصاحبة تجربة فريدة ومتميزة تصلح نبراساً للأجيال الجديدة»، ووصفها فريق رابع بـ «الناطق الرسمي باسم المرأة من المطبخ إلى عالم السياسية» كناية عما قامت به في حياتها من إنجازات لتغيير مجتمعها نحو الأفضل وترسيخ قيم الحداثة والتنوير فيه وكسر التابوهات الاجتماعية المعيقة. معلمة مختلفة قالت فاطمة ذات مرة لصحيفة الأنباء الكويتية «12-5-2013»: «كنت أول من رفض مسمى برامج نسائية أو برامج للمرأة وقدمتُ برامج للأسرة لأنني أوصل رسائلي التوعوية والمعلومات للاثنين للرجل والمرأة كونهما يشكلان نواة المجتمع»، مضيفة: «كنتُ أول مذيعة تقدم باللهجة الكويتية، وحرصتُ على أنْ تكون لهجة مبسطة، لا لهجة امرأة مثقفة تحاول تقديم المعلومات للمستمعين، فنجحتُ أيما نجاح». وهذا النجاح، الذي لم تكن تتوقعه يوما، عائد لكونها عملتْ دائماً بشكل تطوعي بحسب قولها. حينما كانت في المرحلة الثانوية، كانت من المتفوقات في مادتي الرياضيات واللغة العربية، لكن لم يكن في خططها أي توجه معين حول مستقبلها أو ما تريد أن تصبح بعد إنهاء المرحلة الثانوية، خصوصاً وأنه لم تكن هناك جامعات في بلدها وقتذاك. وفي هذا السياق تتذكر أن أول مرة سُألت فيها عما ستفعل بعد التخرج كان السؤال صادماً ومحيراً لها ولم تجد إجابة ترد بها على من سألتها وهي مدرسة اللغة العربية، سوى أنها لا تريد أن تعمل في التدريس، وهو ما جعل مدرستها تنظر لها نظرة عتاب لأنها من دون قصد قللتْ من مهنة التدريس. والمفارقة أنها امتهنت التعليم بمفهومه الواسع طوال حياتها عبر مد مستمعيها وقرائها وصديقاتها بالمعلومات والارتقاء بحصيلتهم الثقافية من خلال نشاطاتها في المجالات التي عملتْ بها. دخول متأخر لم تدخل فاطمة سوق العمل مبكراً مثل نظيراتها، بسبب ابتعاثها مباشرة بعد التخرج من الثانوية ضمن أول مجموعة صغيرة من الفتيات أرسلتها الحكومة الكويتية في عام 1956 إلى الخارج للدراسة الجامعية. كانت وجهة البعثة هي جامعة القاهرة، وكانت تضم كلاً من: نورة الفلاح، وشيخة العنجري، ونورية الحميضي، وليلى حسين، ونجيبة جمعة، وفضة الخالد. وهذه المجموعة من الفتيات هي التي فتحت الأبواب واسعة أمام الكويتيات للدراسة الجامعية فيما بعد في مختلف الأقطار. ومن حسن حظ فاطمة، كما صرحت أن والدها لم يقف عقبة في طريقها لأن «آباء ذلك الزمن كانوا أكثر تجاوباً مع سفر بناتهم إلى الخارج للتحصيل العلمي من بعض آباء اليوم». والسبب الثاني الذي أخر انخراط فاطمة في العمل هو أنها تزوجت مباشرة بعد عودتها من القاهرة عام 1960 من سليمان عبدالرزاق المطوع الذي كان أول كويتي يعين مديراً في شركة نفط الكويت، ثم شغل منصب وزير التخطيط ما بين عامي 1990 و1991، وتولى عام 1995 قيادة المعهد العربي للتخطيط. مكانة القاهرة في القاهرة، التي لم تكن فاطمة تعرف عنها سوى ما قرأته في الروايات الرومانسية لإحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي وقصائد صالح جودت، كان خيارها الأول هو دراسة الرياضيات بسبب تفوقها في هذه المادة. ولهذا السبب التحقت بكلية التجارة لدراسة المحاسبة، لكنها سرعان ما شعرت بصعوبة المواد المقررة فهجرت كلية التجارة وسجلت في كلية الآداب لدراسة الصحافة. وفي حوار أجرته معها الأنباء الكويتية «8-11-2007» أفصحتْ فاطمة عن مدى حبها للقاهرة، المدينة التي شهدت ذكرياتها الجامعية، كما عبرت عن مدى تألمها لما وصل إليه حالها، فقالت «بتصرف» «أنا منزعجة.. القاهرة حبيبة لقلبي وقريبة مني كثيرا، لكني امتنع عن الذهاب إليها إلا لسبب طارئ، لأني أحزن حزناً عميقاً عندما أراها. فالقاهرة التي أعرفها كانت أجمل من باريس ولندن.. كانت مدينة الجمال والنيل الأزرق الذي يسلب العقل، ولم يكن بها ازدحام أو غبار أو أوساخ أو مبان مهترئة أو فوضى الإعلانات». وفي مقابلة أخرى أجرتها معها الأنباء «12-5-2013» ردت بتواضع جم على سؤال حول ما حققته من نجاحات فقالت «بتصرف»: «الناس تراني ناجحة في عدة أشياء، لكن أعتقد أن أهم ما كان يميزني تمتعي بقدر من الشجاعة، فمثلاً حينما التحقت بإذاعة الكويت قلتُ لهم نحن لدينا عدد هائل من إخواننا وأخواتنا العرب، وهناك عدد من الكويتيين فلماذا تكون الإذاعة كلها باللغة العربية؟ وقلتُ لهم بما أنني سأستلم برنامجاً خاصاً بالمرأة فإني أريد أنْ أتكلم مع المستمعات كما لو أنني أتكلم معهن في شاي الضحى، وقد تم لي ذلك». وعليه قدمت الإذاعة الكويتية لأول مرة مذيعة تتحدث باللهجة الدارجة، لكنها لم تكن لهجة غارقة في شعبيتها وإنما لغة امرأة متعلمة ومثقفة تقدم المعلومة بصورة سهلة وقابلة للهضم». خير بديل استمرتْ فاطمة تعمل في المجال الإذاعي لبعض الوقت محققة صيتاً وشهرة بسبب انكبابها على تقديم كل ما هو جديد وملبي لحاجات الأسرة «المرأة والرجل معاً» بفضل قراءاتها المتعددة، وشغفها بالبحث والتنقيب وتفاعلها وصراحتها مع المستمعين والمستمعات، لكنها آثرتْ أن تهجر العمل الإذاعي حينما تبين لها أن الإذاعة الكويتية تريد منها حصر برنامجها في مواضيع تربية الأطفال والطبخ. بعدها انتقلتْ إلى التلفزيون ظناً منها أن الأخير سيكون خير بديل للإذاعة لجهة تقديم برنامج راق للأسرة كلها بمعنى عدم حصر مواضيعه في النسائيات، فحوربتْ هناك أيضا، لتهجر الإعلام المسموع والمرئي وتنتقل للعمل في الإدارة السياسية بوزارة الخارجية كمدير لمكتب أمير الكويت الأسبق الشيخ صباح السالم الصباح. وفي الخارجية لم تبق طويلاً أيضاً وقدمتْ استقالتها لمّا شعرتْ بوجود تمييز ضد بنات جنسها في التعيينات والرواتب والانتدابات، وقد حاول الكثيرون ومن ضمنهم وكيل وزارة الخارجية وقتذاك عبدالرحمن سالم العتيقي ثنيها عن الاستقالة، لكنها أصرتْ عليها لأنها كما صرحتْ وكانت وقتها حاملاً بابنتها الدكتورة ندى المطوع «أخاف أن أنجب بنتا تعايرني يوماً أنني جلستُ أعمل في مكان يفرق بين الرجل والمرأة». وبتركها للخارجية عادت مجدداً للعمل بالتلفزيون في عام 1963 لتقديم برنامج «دنيا الأسرة»، فتم تعيينها رئيسة قسم، وبهذا كانت أول امرأة كويتية تعين في منصب قيادي إعلامي. وهكذا يتبين لنا أنّ فاطمة صاحبة تاريخ حافل بترك الوظائف والانتقال إلى أخرى رغم النجاحات التي حققتها في كل واحدة. وحينما سُألت عن هذا الأمر ردتْ أن التغيير مهم وضروري، وأنه كلما غيرتَ مهنتك كلما أعطاك ذلك دماً جديداً، مضيفة أنها لم تترك العمل وإنما توقفتْ عن عمل لتؤدي عملاً آخر أكثر جودة وتأثيراً تجاه بيتها ومجتمعها ووطنها. فضيلة الاعتراف تعترف فاطمة اليوم وقد تجاوزتْ سن الخامسة والسبعين أنها أخطأتْ كثيرا بالانسحاب بدلا من الصمود والمواجهة أثناء المنعطفات الصعبة في مسيرتها العملية، لذا نراها تقول: «أتمنى على كل امرأة ألا تنسحب، وتحارب لتصل لأن وصولها يعني وصول كل امرأة، وهناك من يفرح بانسحابنا فلا تعطيهم الفرصة، لأنك برأيهم مصدر ألم». وفي هذا السياق تتذكر فاطمة قصة ترشيحها لتسلم إدارة القناة الثانية الانجليزية، فتقول «بتصرف»: طلبوا مني أن أتسلم القناة الثانية الانجليزية وكنتُ المرشحة الوحيدة لإدارة القناة فاشترطتُ عليهم أنْ يمنحوني درجة وكيل مساعد وكان تفكيري يومها أن أنصف المرأة وأخرجها من الكادر لكنهم رفضوا، وبالتالي أنا رفضتُ تسلم إدارة القناة، لأنّ القصة ليست منصباً فحسب أنما أريد أنْ أكون في مكان أعطي المرأة الكويتية حقها وأفتح باباً لها، وأنا كنتُ أحارب حرباً واضحة ومع ذلك عندما ادخل في أي موضوع يشعرون بأنهم على خطأ». وقبل الانتقال إلى سرد جوانب أخرى من سيرة هذه المرأة الخليجية المكافحة، لابد من الإشارة إلى أنها أثناء عملها في وزارة الإعلام سواء في الإذاعة أو التلفزيون لم تكن تتقاضى أجراً، وإنما كانت متطوعة تنال مجرد مكافأة بدأت بعشرة دنانير وانتهت بخمسين ديناراً. كما أنها في فترة عملها في تلفزيون الكويت في الستينيات قامت بتدريب بعض الفتيات من أجل خلق جيل واع بكيفية تقديم البرامج التلفزيونية دون رهبة من الكاميرا والأضواء. أما أثناء عملها في الإذاعة في الخمسينيات أي قبل استقلال الكويت فقد سافرتْ إلى نيويورك مع زوجها لمدة سنتين حينما كان زوجها يعد أطروحة الماجستير في جامعة كولومبيا، فقدمتْ من تلك المدينة، التي أبهرتها ووجدتْ فيها إجابة لكل سؤال، وأحبتْ مسارحها ومتاحفها وفنونها الموسيقية، 13 حلقة إذاعية تروي فيها يومياتها ومشاهداتها. أوراق فاطمة لفاطمة كتاب بعنوان «أوراق فاطمة حسين»، وتسرد فيه قصه حياتها منذ ولادتها في بيت العائلة الكبير في عام 1937 لأب ثري كان يقضي معظم أوقاته في الهند من أجل التجارة، ثم حكاية ارتباطها، بعد قصة حب، بزوجها سليمان المطوع الذي تحدثت عنه بفخر قائلة إنه «شخصية متميزة ومعروفة في المجتمع، يقدمني بفخر واعتزاز على أنني شريكة حياته، وهذا شيء نادر جداً من الرجل العربي.. لم يكن يجبرني على شيء، وكانت لدينا قناعة تامة بأن نكون شركاء في كل شيء. ولله الحمد أنا أعيش مع رجل بكل معنى الكلمة.. لم يرفع يده ولم يتلفظ يوماً بألفاظ سيئة. هو إنسان متحضر ومثقف ومعه عرفتُ أنّ الحياة الزوجية من أجمل علاقات الكون. وإذا كانت فاطمة حسين محظوظة فإنها محظوظة بهذا الرجل الذي شكل زواجي منه نقطة تحول جذرية في حياتي». في الكتاب تروي فاطمة أيضاً قصة سفرها إلى مصر للدراسة حيث كانت تجربتها الأولى في الاختلاط والرحلات الجماعية ومواكبة الحياة الثقافية والعمل السياسي من خلال الانخراط في حركة القوميين العرب، ثم قصة سفرها لأميركا لتكمله دراستها العالية، ورحلتها إلى الهند، ونضالها السياسي في سبيل حقوق المرأة السياسية ببلدها، وحكايتها مع الإذاعة والتلفزيون وما شاب عملها فيهما من منغصات بسبب رغبتها في ترك بصمتها الخاصة على ما كانت تقوم به، ثم حكاية انضمامها إلى جريدة الوطن كمديرة للتحرير عام 1991 وما واجهته في هذا المنصب من مصاعب بسبب ترؤسها لأساتذة في الفن الصحفي من أبناء البلد «المعتد بنفسه إلى حد الغرور والممتعض من أن تترأسه امرأة»، ثم قصة تأسيسها لمجلة سمرة عام 1992 التي أرادتها حاضنة لكل خبراتها السابقة في الحقل الإعلامي والعمل النسوي التطوعي، لكنها اضطرت بعد خمسة أعوام من النجاح أن تهجر المجلة والعمل الصحفي بسبب فجيعتها في ابنها الشاب سامي قبل أن تعود إلى الصحافة عام 1997 من خلال عضويتها في مجلس إدارة جمعية الصحفيين الكويتية. وفي الكتاب أيضاً قصة نضالها السري مع خلايا المقاومة أيام الاحتلال العراقي وهروبها إلى السعودية بعد انكشاف دورها المقاوم، وأخيراً قصة دخولها المعترك التجاري عبر افتتاح محلات للذهب والفضة وورشة لتصميم المجوهرات «لأن العائد من العمل الإعلامي لا يكفي للوفاء بالتزاماتها المعيشية» بحسب قولها. وحين تمت مواجهتها بأنّ مفهوم الحرية ملتبس لديها وتبالغ فيه كان ردها «بتصرف»: «أنا إنسانة حرة.. علمتُ عيالي أن يكونوا أحراراً.. زوجي حر.. أعيش الحرية بالمفهوم الحضاري وليس البوهيمي.. الحرية تفترض شفافية في العلاقات واحترام الإنسان للآخر.. أنا أنظر للقيم الإسلامية كعمود فقري وليس كمظاهر. وأنا درست القرآن من زاوية بلاغة اللغة وتفسير المستنيرين من رجال الدين وعرفتُ أن المفروض في المرأة المسلمة أنْ تكون محتشمة، والحشمة تختلف من زمان إلى زمان. ولاية أميركية بعد حصول الكويت على استقلالها في مطلع الستينيات طُلب منها السفر مجددا إلى الولايات المتحدة لتمثيل بلدها في مؤتمر دولي للسلام والحرية بمدينة سان فرانسيسكو. وعن تجربتها في ذلك المحفل العالمي قالتْ فاطمة حسين: «العالم كله كان موجودا ولم يكن هناك من الدول العربية سوى لبنان ومصر فقط، واعتليتُ المنبر وأنا أمام آلاف الناس وكنتُ يومها أرتجف وقدمتُ نفسي وقلتُ لهم إنني من بلد عربي صغير جنوب الكويت شرق السعودية يُسمى الكويت لأن البعض وقتها لم يكن يعرفُ الكويت وكان يعتبرها ولاية ضمن الولايات المتحدة الأميركية، أما من كان يعرفها فكان يظنُ أنها مجرد صحراء ونفط لذا قلتُ لهم العبارة المتداولة حتى اليوم وهي: نحن لسنا مجرد برميل من النفط.. نحن شعب كشعوب العالم فتح بابه للتعليم ولديه طموحات».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©