الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مئة ألف عنوان والعرب والمتغيرات الثقافية في معرض الشارقة

مئة ألف عنوان والعرب والمتغيرات الثقافية في معرض الشارقة
13 نوفمبر 2008 03:02
في تظاهرة ثقافية ونوعية تضاف إلى أعراس القراءة المتجددة في المكان، والمتوفرة على قدر من المباهاة بقيمة الكتاب، والمداومة على طقسه الروحي والجمالي والمعرفي، أقيمت في الفترة من التاسع والعشرين من شهر أكتوبر الماضي وحتى السابع من شهر نوفمبر الجاري بأرض المعارض الكبرى في مركز أكسبو الشارقة فعاليات الدورة السابعة والعشرين لمعرض الشارقة الدولي للكتاب والذي تنظمه سنويا دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة· افتتح فعاليات الدورة الجديدة للمعرض صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، بحضور عدد من الفعاليات الرسمية والثقافية وضيوف المعرض، وأعلن سموه خلال مؤتمر صحفي أقيم على هامش الافتتاح عن مبادرة ثقافية تكاد تكون الأولى من نوعها على مستوى الوطن العربي، وهي تخصيص مكتبة لكل بيت، وذلك من خلال إستراتيجية عمل تنطلق من المعرض الحالي وتمتد إلى السنوات والمواسم القادمة، وتهدف المبادرة إلى تحويل المعرض إلى بيئة تفاعلية وتبادلية لا تكتفي بعرض الكتب وبيعها، بل تحويل الكتاب إلى منتج ثقافي وحضاري يذهب إلى القارئ حتى وهو في منزله، لينافس الكتاب بذلك المنظومة الاستهلاكية التي بدأت تنهش وتعادي الحس التخيلي والابتكاري لدى الإنسان العربي، وتسعى المبادرة أيضا إلى إعادة الاعتبار للمكتبة المنزلية وإنقاذها من النمط الشكلي والديكوري المرتبط بالذهنية العربية، وتحويلها إلى خزان هائل ومتدفق من المعارف والأفكار والثقافات التي يستقيها الصغار قبل الكبار، وبالتالي فإن التعامل مع المكتبة المنزلية سيتحول تدريجيا إلى طقس عائلي ولازمة حضارية لمن يستشرفون المستقبل ولا يتباكون على انتكاسات الحاضر وأطلال الماضي· ونوه سمو حاكم الشارقة خلال افتتاح المعرض إلى ضرورة تخصيص مساحات من معارض الكتب لتنمية ثقافة الطفل الذي تشكل مرحلته العمرية وسيطا خصبا لتنمية الخيال الإبداعي، وتطوير الملكات والمواهب القابلة للاستثمار الثقافي والحضاري في المستقبل، وقال سموه في هذا السياق ''إذا عودنا الطفل منذ الآن على القراءة، فسوف نجني شعبا قارئا في المستقبل، ذلك أن العالم العربي قد ابتلي بالكثير من المعوقات التي عطلت وصول الكتاب للطفل، مما أفقد الجيل الحالي متعة القراءة والتعرف على ثقافته وتراثه''· شارك في المعرض 491 دار نشر عربية و272 دار نشر أجنبية من 32 دولة، ووصل عدد عناوين الكتب في المعرض إلى أكثر من مائة ألف عنوان، احتضنها ما يزيد على 400 جناح ضمن أربع قاعات رئيسية في المعرض، وتوزعت هذه العناوين على الكتب التخصصية والعامة وكتب الأطفال والوسائل التعليمية والتراجم وغيرها· وتضمن حفل الافتتاح تكريم حاكم سمو الشارقة لأفضل ناشر محلي وفاز بالجائزة وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، أما جائزة دار النشر العربية، ففاز بها مناصفة كل من: مكتبة زهراء الشرق من مصر، ودار كنعان من سوريا، وفاز بجائزة شخصية العام الثقافية الملحق الثقافي الأسبوعي لجريدة ''الخليج'' الإماراتية، كما فاز بجائزة أفضل كتاب محلي في مجال الدراسات كل من الدكتورة لطيفة النجار عن كتابها ''جدل اللغة والمعرفة'' وفاطمة البريكي عن كتابها ''فضاءات الإبداع الأدبي في عصر التكنولوجيا الرقمية''· البرامج الثقافية المصاحبة وشهد معرض الشارقة للكتاب في دورته السابعة والعشرين برنامجا ثقافيا وفكريا مكثفا تضمن ملتقى فكريا حول (العرب والمتغيرات الثقافية) شارك فيه كوكبة من المثقفين والمفكرين العرب ناقشوا من خلاله مخاطر التحولات الجديدة في العالم وأثرها على المنظومة الثقافية العربية المنقسمة بين الأصالة والحداثة، وتضمن النشاط أيضا برنامجا ثقافيا للأطفال بطابع فكري وترفيهي في ذات الوقت، كما أقيمت مؤتمرات تخصصية للاتحاد العربي للنشر الإلكتروني، وملتقى لناشري ثقافة الطفل، اللذين يتخذان من الشارقة مقرا لهما، وقامت اللجنة المنظمة للمعرض وهيئة البيئة والمحميات الطبيعية بتنفيذ فعاليات تتخذ من البيئة محورا مركزيا للمعرض يهدف إلى نشر الوعي البيئي بين الزوار والحضور· وواكب المعرض حفلات توقيع يومية ساهمت في خلق نوع من التواصل والحميمية بين القراء وأصحاب الإصدارات الجديدة الذين أثروا الحدث بآخر نتاجاتهم الشعرية والقصصية والروائية والنقدية على المستويين المحلي والعربي· وكان ملتقى الرواية العربية أحد النشاطات المهمة التي أقيمت على هامش المعرض، حيث أضفى الملتقى نوعا من الحيوية والتواصل مع المنتج الروائي ـ أو ديوان العرب الجديد ـ في سبع دول عربية هي الإمارات والسعودية ولبنان والسودان وفلسطين والأردن، وحظيت الرواية السعودية في الملتقى باهتمام خاص من جمهور المعرض؛ نظرا للفورة الإنتاجية في المشهد الروائي السعودي، أو الطوفان الروائي كما أطلق عليه البعض، على خلفية الكم الهائل من الروايات التي صدرت خلال العامين الماضيين والاحتفاء الإعلامي والنقدي المحيط بها، حيث وصف الروائي السعودي عبده خال المشارك في الندوة هذه الفورة بالانفجار بعد فترة طويلة من الصمت والركود المحيطان بالتركيبة الاجتماعية وخصوصية الواقع السعودي، كما أشار الناقد السعودي سعيد السريحي خلال الندوة الى الدور الكبير الذي لعبته روايات غازي القصيبي وتركي الحمد في إحداث هذه الثورة الروائية في السعودية، والتي يخشى أن يؤثر الكم فيها على النوع، فالموجة الروائية الجديدة في السعودية باتت تعتمد كثيرا على تحطيم التابوهات من خلال الجرأة والاعترافات الذاتية وكشف المستور، وقد أثرت هذه العناصر الشكلية على القيمة الفنية والجمالية لتقنيات الكتابة الروائية، مما حدا بالروائي المميز والمتمكن إلى الاختفاء والانزواء قليلا عن المشهد الروائي السعودي في انتظار أن تخفت الأصوات الضاجة والمتداخلة في هذا المشهد· وشهدت ندوة الرواية اللبنانية جدلا من نوع خاص حول أهمية المنتج الروائي المكتوب في زمن الحرب مقارنة بروايات فترة السلم، والتي جاءت أشبه بالمراجعات ونقذ الذات والمجتمع على أخطاء وخطايا الماضي، حيث أشار الناقد والشاعر عبده وازن خلال الندوة إلى أن كتابات نهاية الحرب اعتمدت بشكل أساسي على استرجاع ذاكرة الحروب وقراءتها من منبعها السياسي والتاريخي والاجتماعي، وكذلك آثارها النفسية على الأجيال الجديدة، أما الروائية اللبنانية علوية صبح مؤلفة الرواية الشهيرة ''مريم الحكايا''، فقالت إن كتابتها ارتبطت دائما بالحرب اللبنانية التي تركت آثارها على معظم الروائيين اللبنانيين، رغم إدراكها استحالة الكتابة خارج مدارات الذاكرة والحياة وتجربة الكاتب الذاتية والمجتمعية· ثقافة الطفل وفي تصريح لـ ''الاتحاد الثقافي'' أشار الدكتور يوسف عايدابي المنسق العام للمعرض إلى أن الدورة الحالية لمعرض الشارقة الدولي للكتاب تميز بحضور مكثف من قبل الأطفال والطلبة المنتمين للمناطق التعليمية ووزارة التربية، وهو ما شكل لدينا حالة من البهجة والفرح نظرا لما تمثله هذه الشريحة الواسعة من أهمية كبرى في المنظومة الثقافية والحضارية التي نسعى أن تتوفر على قدر ملحوظ من السوية المعرفية لمجابهة أسئلة وتحديات المستقبل· وفي سؤال حول تنفيذ آليات المبادرة التي أطلقها صاحب السمو حاكم الشارقة بتخصيص مكتبة لكل بيت، قال الدكتور عايدابي ''بدأنا منذ إطلاق هذه المبادرة الثقافية الكبيرة بتكوين لجان تخصصية لانتقاء الكتب وإجراء الدراسات ووضع الخطط والآليات لتنفيذ أهداف المبادرة وترجمتها على أرض الواقع، وتشمل هذه اللجان شريحة مختارة من المثقفين والتربويين والأكاديميين والإداريين العاملين في المؤسسات الثقافية والخدمية المختلفة''· وعن نوعية الكتب التي تضمها هذه المكتبة، يقول عايدابي ''هي كتب ستركز في جانبها الأكبر على تنمية ثقافة الطفل من خلال الكتب الثقافية الميسرة والمتاحة في القصص والروايات والشعر وكتب الخيال العلمي، ومن ثم تنمية ثقافة الأسرة من خلال كتب تهتم بالجانب الأدبي والمطالعة الإبداعية الحرة في الفنون المختلفة كالمسرح والتشكيل، بالإضافة إلى الكتب الإسلامية والتاريخية والمعارف الرصينة التي تبتعد عن الإسفاف والابتذال''· وعن جديد هذه الدورة مقارنة بالدورات السابقة، قال عايدابي ''تميزت هذه الدورة بكم ملحوظ من دور النشر الجديدة، بالإضافة إلى الإصدارات الجديدة التي تعتبر صيدا ثمينا لمعارض الكتب، كما شهد المعرض نشاطا ثقافيا ملحوظا توزع على اللقاءات والندوات والمحاضرات التخصصية والعامة، وهي تقاليد تنظيمية نحاول الحفاظ عليها في معرض الشارقة وتطويرها في كل موسم، وتميز المعرض أيضا بجناح الأطفال الذي جمع بين الترفيه والتثقيف، وتميزت كتب الأطفال في هذه الدورة بالتجويد والتطوير فيما يتعلق بالشكل الإخراجي والمضمون الفكري والتعليمي، وهي كتب سعينا مع الناشرين من خلالها إلى احترام عقلية الطفل وعدم التعامل معه ككائن صغير وهامشي لا يستوعب ولا يتفاعل مع ما يحدث في محيطه الشخصي والعام''· مشاركة هيئة أبوظبي للثقافة والتراث جاءت مشاركة هيئة أبوظبي للثقافة والتراث في فعاليات المعرض من خلال جناح مميز ضم عدة أقسام ساهمت في إلقاء الضوء على جهود الهيئة والمتمثلة في دعم ورعاية المواهب الإبداعية المحلية من خلال مشروع ''قلم''، وكذلك الترويج للنتاجات الأدبية العالمية من خلال ترجمة الكتب الرصينة والمهمة في سياق التواصل والحوار مع الحضارات الأخرى من خلال مشروع ''كلمة''، ومنح الجوائز العالية في قيمتيها المادية والمعنوية من خلال جائزة الشيخ زايد للكتاب، وكذلك توفير النتاج الثقافي المميز من خلال كتب تمنحها دار الكتب الوطنية للجمهور وبأسعار رمزية، وفي هذا السياق يقول واصف خليل المشرف على جناح الهيئة ''إن إصدارات الهيئة تسعى إلى رفد القارئ العربي بآخر النتاجات المحلية والإقليمية والعالمية من خلال مشاريعها التي ولدت وهي تحمل طموحات كبيرة وسباقة، مثل مشروع ''قلم'' الطامح لتذليل العقبات المتمثلة في تكاليف الطباعة والنشر أمام المبدع المحلي، والذي غالبا ما تمنعه هذه العقبات من إيصال صوته الشعري أو القصصي أو المسرحي أو الروائي إلى المهتمين، وتسعى الهيئة أيضا ضمن خططها العامة إلى خلق نوع من التوازن بين الإصدارات الثقافية والأخرى العلمية، وذلك لسد النقص الملحوظ في الجانب العلمي لدى القارئ العربي، والكتب العلمية هنا لا تركز على الجانب الأكاديمي والتخصصي البحت، ولكنها تسعى لإلقاء الضوء على الأساسيات والمداخل وإزالة غبار الجهل عن المصطلحات والمفاهيم العامة والقياسية''· وعن الحضور الجديد لجناح الهيئة في المعرض مقارنة بالدورات السابقة يقول خليل ''تميز جناح الهيئة هذا العام باستحداث قسم جديد يسعى للترويج لآخر مشاريع الهيئة وهو مشروع ''كلمة'' المعنى أساسا بترجمة الكتب العالمية في الغرب والشرق والتي لم يسبق لها أن ترجمت إلى اللغة العربية، أو أنها ترجمت ولكن بشكل ناقص وغير مستوف لشروط الترجمة العلمية الدقيقة، حيث أصدر المشروع وهو مازال في طور تشكله ثمانية عناوين لقيت إقبالا مميزا من الجمهور، ويضيف خليل ''أما جائزة الشيخ زايد للكتاب فقد دخلت عامها الرابع، وتسعى الجائزة خلال المعرض إلى إيصال أهدافها الإنسانية والثقافية العالية لأكبر شريحة من الكتاب وأصحاب دور النشر المتواجدين والزائرين للمعرض''·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©