الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

النّقد الشامل

النّقد الشامل
13 نوفمبر 2008 02:55
هل يجوز أن يعتقدَ معتقدٌ أنّه يوجد شيءٌ اسمه ''النقد الشامل''؟ وإن وُجد حقّاً فبِمَ يتميز عمّا يسمَّى ''المنهج التوفيقي'' الذي يطلق عليه النّقاد الجدُد، سخريّة: ''المنهج التلفيقي''؟ وهل يستطيع أحد من محلّلي النصوص الأدبيّة، شعريِّها وسرديّها، أن يبلغ غايته من تحليل الظاهرة الأدبيّة بمجرّد اتّباع منهج واحدٍ كأن يكونَ المنهج الاجتماعيّ، أو المنهج النفسيّ، أو حتى أحد المناهج الجديدة كالبِنَوِيّة التي لم يكن يراها رولان بارط ترقى إلى أن تكون منهجا نقديّاً حقيقيّاً، فكأنّه كان يراها مجرّد إجراء؟ إنّ المشكلة المركزيّة في النقد الأدبيّ أنّه لا يصطنع أدواتِه انطلاقاً من طبيعة نفسه، ولا من خصوصيّة ذاته؛ ولكنّه يستجلب أدواتٍ يسخّرها في تحليل الظاهرة الأدبيّة من مذاهبَ وابِسْتيمولوجيات أخرى، فيُخضع النّصّ الأدبيّ الذي مصدرُه الخيال الخالص، إلى أدوات مصدرها العقل الخالص· وشتّان بين الخيالِ الذي لا تحدُّه حدود، وبين العقل الذي يخضع لمبدإ التوقّف لدى حدود معيّنة لا يجاوزها· وإنّما تنوّعت المذاهب النقديّة انطلاقاً من طبائع النصوص الأدبيّة نفسِها، وتبَعاً لرُؤىً إِدْيولوجيّة معيّنة، فمنها ما لا يتّخذ من مقياس الامتاع الجماليّ مبدأً له فيركّز كلّ عنايته على المضمون، ومن المضمون على تحليل العلاقات الاجتماعيّة وافتراض اتّسام هذه العلاقات بالصراع الطبقيّ بين المتساكنين، وهي افتراضيّة النزعة الماركسيّة· ولْيُقَسْ ما لم يُقَلْ، كما يقول ابن مالك· من أجل ذلك لم نألُ، نحن، جهداً في محاولة سَلّ الظاهرة الأدبيّة من ارتباطها الإديولوجيّ الذي لم يزل يُثقلها، ولم يزل يسعَى إلى إبعاد الأدَبِيِّ عن أدبيّته وإلحاقه بالفلسفيّ، والإِدْيولوجيّ···، وتحليلها بأدوات من جنس طبيعتها، أي بالْفَزَعِ إلى معالجتها داخل النظام اللغويّ الذي يحكمها، وهو ما زلنا نطلق عليه ''التحليل المستوياتي'' بحيث نَضع النص الأدبيّ في بوتقة افتراضيّة، ثمّ نسلّط عليه الضياء من جوانبَ متعددةٍ رغبةً في أن يتعرّى للقراءة تعرِّياً كاملاً· وهذا الإجراء المستوياتي هو ما يمكن أن نطلق عليه اليوم، بتغيير المصطلح: ''التحليل الشامل''، بحيث تعالَج الظاهرةُ الأدبيّة من حيث لغتُها بكلّ الافتراضات التي تتماثل في الذهن (اللّغة المعجميّة: البنية الإفرادية، مستوى الانزياح اللغويّ، والبنية التركيبيّة، طبيعة النسج)، ثم التزحزح نحو المستوى الإيقاعيّ إن كان النص المحلَّلُ شعريّاً، ليتمَّ في مستواه تحليلُ المكوِّنات الإيقاعيّةِ الخارجيّة والداخليّة، والصغرى والكبرى، والجزئيّة والكليّة· ولدى بلوغ هذه المرحلة من التحليل قد يتبيّن أنّ ما قيل لم يأتِ بكلّ شيء بعدُ ابتغاءَ فهم النّصّ المطروح للقراءة التحليليّة؛ ذلك بأنّ هذه المستويات لم تستطع تعريَةَ اللّغة بِسِماتها الذكيّة وتوظيف أصواتها، وألوانها، ومن ثَمَّ ملاحقة ظِلالها الإيحائيّة والتقريريّة· ومثل العناية بهذا المستوى من المتابعة للسمات اللغويّة الذكيّة يكشف عن طاقات جماليّة هائلة تُحيل النّصّ المطروح للقراءة إلى فِعْل فنّيّ شاملٍ·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©