الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حب الله ورسوله

حب الله ورسوله
29 يوليو 2010 21:13
الحب في الإسلام مفهوم متعدد الأبعاد، والإسلام بمعناه العام مبنيّ على حبّ الله والرسول- صلى الله عليه وسلّم، والحب كلمة واسعة الدلالة، فلو فكر العاقل في معنى المحبة لعلم أنه مهما أوتي من البيان فإنه لا يستطيع أن يحصي لما لهذه الكلمة من آثار، ولا يمكنه أن يجلو للناس بهاءها أو جمالها. فبالمحبة قامت السموات والأرض، إذ لولا حب الله تعالى لعباده ورحمته بهم، لما خلق أرضاً ولا سماء ولا أجرى شموساً ولا أقمارا، ولا فجر بحاراً ولا أنهاراً ولا أنبت نباتاً ولا أزهاراً ، حيث بالمحبة انتظمت حياة الأمة، وتوطد نظام الكون. وقد أرسل الله جميع رسله الكرام وخاتمهم نبينا محمد- عليه أفضل الصلاة والسلام-، يدعون الناس إلى المحبة والوئام، وينهون عن الحقد والكراهية والخصام ، ذلك لأن المحبة أساس السعادة والطمأنينة والسلام، فلو سرت في أفراد المجتمع لعاش الناس في رخاء وسعادة وأمان . ومحبة الله ورسوله غاية قصوى، يتوخاها المسلم في أمره كله، ويسعى لنيلها صباح مساء، ويضحي لأجلها بكل أمر من أمور الدنيا، إذ هي حجر الزاوية التي يقيم المسلم عليها بنيانه الإيماني، وهي المعيار والمقياس التي يعرف من خلالها المؤمن مدى علاقته بالله ورسوله، قربًا وبعدًا، وقوة وضعفًا ، فقد ورد في صحيح البخاري في ترجمة الباب الأول من كتاب الإيمان (والحب في الله والبغض في الله من الإيمان) وفي الحديث الذي أخرجه أبو داود “أفضل الأعمال الحب في الله ، والبغض في الله) وفي رواية أبي أمامه (ومن أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنح لله فقد استكمل الإيمان ) وفي رواية بلفظ (لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله ) وفي رواية البزار (أوثق عرى الإيمان الحب في الله ، والبغض لله” (فتح الباري لابن حجر كتاب الإيمان) . فالمسلم يحب الله تعالى : “وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ” (سورة البقرة الآية 165)، ثم هو يحب ما يحبه الله جل وعلا من المخلوقات والأعمال ، وهو يبغض ما يبغضه الله جل وعلا من المخلوقات والأفعال، أما محبة المؤمن لربه ، فلأن الذي يستحق الحب لذاته هو الله صاحب صفات الجلال والكمال الحي القيوم ، ولأنه جل جلاله صاحب النعمة والإحسان “وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا” (سورة النحل الآية 18)، والإنسان عبد الإحسان كما يقولون، والنفس مجبولة على حب من أحسن إليها. قواعد الإيمان من قواعد الإيمان الأساسية أن تحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حباً بينه نبي الله في قوله الكريم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ماله وولده والناس أجمعين” (أخرجه الشيخان ) . ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- جدير بهذا الحب ، أليس هو الذي قرن الله محبته باتباع هديه والسير وراءه فقال “قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ* قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ” (سورة آل عمران الآية 31-32)، كما قرن الله طاعته بطاعته فقال “مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا” (سورة النساء الآية 80) وهو الذي سيندم العصاة على مخالفته “يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا” (سورة الأحزاب الآية 66). وقد ضرب الصحابة الكرام- رضوان الله عليهم أجمعين- أروع الأمثلة في حب الرسول- صلى الله عليه وسلم- فقد سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- كيف كان حبكم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: “والله إن رسول الله كان أحب إلينا من آبائنا وأمهاتنا وفلذات أكبادنا، وكان أحب إلينا من الماء البارد على الظمأ”. وانتشر هذا الحب بين صفوف المؤمنين وأصبح ديدنهم والعلامة الدالة عليهم، والصفة البارزة فيهم حتى شهد بذلك الحب زعيم مكة حينذاك أبو سفيان بن حرب- والفضل ما شهدت به الأعداء- وقال كلمته المشهورة “والله ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد لمحمد” متى قالها ومتى نطق بها- حينما جيء بزيد بن الدثنة أسيراً ليقتل فقال له أبو سفيان- أناشدك الله يا زيد أتحب أن تعود معافى لأهلك وولدك، وأن يؤتى بمحمد هنا في مكانك ليقتل، فغضب زيد أشد الغضب وقال “والله ما أحب أن أرجع سالماً لأهلي وأن يشاك محمد بشوكة في أصبعه”. لقد جاءت النصوص الشرعية تحث المؤمنين على التحابب لأنهم إخوة لقوله تعالى: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ” (سورة الحجرات الآية 10)، ولقوله- صلى الله عليه وسلم- “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه”. (أخرجه الشيخان) ويقول أيضاً “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى” ( أخرجه الشيخان ). كما يرشدنا- صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة محبة الوالدين والأبناء في أحاديث كثيرة ، كما ويرشد- عليه الصلاة والسلام- الأزواج إلى محبة أزواجهم فيقول- عليه الصلاة والسلام-” لا يَفْرَكْ مؤمن مؤمنة (لا يبغض) إن كره منها خلقاً رضي منها آخر”. (أخرجه مسلم) وعند دراستنا للسيرة النبوية الشريفة نتعرف على مدى حب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لزوجاته ، حيث إننا نجد رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم - يجاهر بحبه لزوجاته أمام الجميع. فعن عمرو بن العاص أنه سأل النبي- صلى الله عليه وسلم- “أي الناس أحب إليك. قال: عائشة، فقلت من الرجال؟ قال: أبوها” (أخرجه الشيخان). وقد جعل معيار الخير في الرجل بمقدار حبّه ورفقه بأهل بيته فقال- صلى الله عليه وسلم- “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” (أخرجه أصحاب السنن). ورغم هذا الحب لعائشة- رضي الله عنها-، فإنه لم ينس حبه الأول- حبه لخديجة- رضي الله عنها- وظل وفيا لهذا الحب يرويه من ينابيع الوفاء . فعن عائشة- رضي الله عنها- قالت “ما غرت على أحد من نساء النبي- صلى الله عليه وسلم - ما غرت على خديجة - رضي الله عنها- وما رأيتها قط لكن كان يكثر من ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة فربما قلت له : كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة ، فيقول : إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد ) (متفق عليه). كما أوصى- عليه الصلاة والسلام- الجار بجيرانه فيقول- عليه الصلاة والسلام- : “ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره” (أخرجه الشيخان). فضائل الحب في الله ما أعظم الحب في الله ، عندما تجتمع القلوب المؤمنة على محبة الله ومحبة رسوله- صلى الله عليه وسلم- لم يجمعها هدف دنيوي إنما كانت المحبة لله، وفي الله، لذلك استحق هؤلاء المتحابين الجزاء العظيم . إنهم في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله، لقوله- صلوات الله وسلامه عليه- “إن الله تعالى يقول يوم القيامة : اين المتحابون بجلالي ، اليوم أظلهم في ظل يوم لا ظل إلا ظلي “ (أخرجه مسلم) ومن ?جملة هؤلاء السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله- كما روي الشيخان- : “ ورجلان ?تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه”. إنهم من المتذوقين لحلاوة الإيمان ، وذلك لقوله- صلى الله عليه وسلم - : “ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار” (أخرجه الشيخان). وإن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور ، لقوله - صلى الله عليه وسلم- : “إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى ، قالوا : يا رسول الله? تخبرنا من هم ، قال : هم قوم تحابوا بروح الله بينهم على غير أرحام بينهم ، ولا أموال يتعاطونها ،?والله إن وجوههم لنور ، وإنهم لعلى نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا ?حزن الناس” (أخرجه أبو داود). كما أنهم في كنف المحبة الإلهية، وذلك لما روي عنه- صلى الله عليه وسلم- “أن رجلا زار أخاً له في قرية أخرى، فأرصد الله تعالى على مدرجته ( أي طريقة ملكاً فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد ?أخاً لي في هذه القرية ، قال : هل لك عليه من نعمة ترّبها عليه “أي تقوم بها وتسعى في صلاحها” ?قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى ، قال الملك : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك ?كما أحببته فيه” ( أخرجه مالك). إنهم في مغفرة الله ورحمته، وذلك لقوله - عليه الصلاة والسلام- “إن المسلم إذا لقي أخاه المسلم، فأخذ بيده تحاتت عنهما ذنوبهما “تساقطت“ كما تتحاتّ الورق عن الشجرة اليابسة في يوم ?ريح عاصف” (أخرجه الطبراني). نسأل الله أن يوفقنا لمحبته وطاعته، ومحبة عباده، حتى نظفر بالفوز بجنته، ?يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك www.yousefsalama.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©