السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الانتخابات الفرنسية والساحة الأفغانية

12 مايو 2012
في فرنسا طوى الناخبون صفحة أحد أوثق حلفاء أميركا الاستراتيجيين متمثلاً في نيكولا ساركوزي ونصبوا مكانه الاشتراكي فرانسوا هولاند، الذي تعهد خلال حملته الانتخابية بسحب ما تبقى من الجنود الفرنسيين البالغ عددهم 3500 جندي من مهمة حلف شمال الأطلسي بأفغانستان وذلك مع نهاية 2012. ورغم هذه الأخبار السيئة بالنسبة للمسؤولين الأفغان، حرص العديد منهم على التأكيد بأن القوات الأفغانية أصبحت جاهزة أصلاً لتحمل مسؤولياتها الأمنية، وفي جميع الأحوال أضاف هؤلاء المسؤولون أن هناك العديد من دول "الناتو" التي ما زالت تحتفظ بقواتها في أفغانستان، وأن الحلف لن يترك البلاد في أي وقت قريب، هذا الأمر عبر عنه المتحدث باسم وزارة الدفاع الأفغانية الجنرال محمد زاهر عزيمي قائلاً: "بالنسبة لنا يظل موقف الناتو أهم من مواقف الدول منفردة، كما أن أفغانستان جاهزة لتولي المسؤوليات الأمنية بحلول 2013". لكن رغم التطمينات، يشكل الإعلان الفرنسي عن سحب القوات بالتزامن مع بدء موسم القتال في أفغانستان وقلق الأفغان على مصير بلادهم واستعداد الناتو الانسحاب، إشارة لا تبعث على الارتياح. كما أن هذا الانسحاب الفرنسي من شأنه تحميل الولايات المتحدة وباقي الدول المشاركة في حلف شمال الأطلسي أعباء أمنية إضافية في أفغانستان. ومع أن فرنسا تعد إحدى البلدان الأوروبية الكبيرة، تبقى مشاركتها في أفغانستان ضمن قوات الناتو متواضعة بحيث لا تتجاوز 3300 جندي مقارنة بالولايات المتحدة التي تحتفظ بأكثر من 90 ألف جندي وبريطانيا التي تشارك بحوالي 9500 جندي. غير أن الانسحاب الفرنسي في حد ذاته قد لا يشكل تحدياً كبيراً إذا فهم الفرق بين الانسحاب المنظم والخروج المتسرع، فالأول يكون عندما يتم نقل المسؤوليات الأمنية إلى طرف آخر سواء كان البلد المضيف، أو إلى قوة لحفظ السلام، أما الخروج المتسرع من البلاد فيوحي بالفوضى والارتباك ومشاهد الطائرات المروحية فوق السفارات تنقل ما تبقى من الموظفين. والحقيقة أن مشاركة فرنسا بقواتها في أفغانستان يرجع في جزئه الأساسي إلى الدور الذي لعبه الرئيس المغادر نيكولا ساركوزي باعتباره أحد أوثق أصدقاء فرنسا للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، فقد اختار ساركوزي في عام 2009 إعادة دمج القوات الفرنسية في هياكل حلف شمال الأطلسي بعد عقود من الغياب، وهكذا أرسل جزءاً منهم إلى أفغانستان للمشاركة إلى جانب القوات الأميركية وغيرها من الحلفاء في تحمل المسؤوليات الأمنية. كما أعطى ساركوزي الضوء الأخضر لقواته العام الماضي بشحن حملة جوية على كتائب القذافي، مساهماً بذلك في إنهاء حكمه الذي استمر لأكثر من أربعين عاماً. ومع أن الرأي الفرنسي لم يتحمس أبداً للمشاركة في أفغانستان، إلا أنه في المقابل بدا متقبلاً لفكرة تدخل فرنسا العسكري في مستعمراتها السابقة ومناطق نفوذها القريبة مثل التدخل في 2010 بساحل العاج لإلقاء القبض على "لوران جباجبو" وتنصيب الرئيس الحسن وترا، فضلاً عن المشاركة في حملة إسقاط القذافي بليبيا. لكن صعود "هولاند" إلى الرئاسة في الانتخابات الأخيرة وخروج ساركوزي من الساحة السياسية ليس مرده السياسة الخارجية بقدر ما يُعزى إلى الطريقة التي تعامل بها ساركوزي مع الاقتصاد المتباطئ واستياء الفرنسيين من أسلوبه الاستعراضي في الحكم، وإن كان الانسحاب من أفغانستان الذي تعهد به "هولاند" أمراً يحظى بشعبية لدى الفرنسيين، بل سبق لساركوزي نفسه خلال زيارته لكابل في يناير 2012 أن لمح إلى تسليم "الناتو" المسؤولية الأمنية للأفغان مع نهاية 2013. فقد صرح ساركوزي وقتها "لقد قررنا في توافق مشترك مع الرئيس كرزاي دفع "الناتو" إلى تسليم المهام القتالية إلى الجيش الأفغاني على مدى 2013"، مضيفاً أن فرنسا نفسها ستسحب قواتها في نهاية السنة، لذا ورغم ما يبدو عليه الأمر من توافق بين هولاند وساركوزي حول ضرورة الانسحاب من أفغانستان، إلا أن تولي هولاند الرئاسة قد يسرع أكثر من الانسحاب ما قد يؤشر على خروج فرنسي أوسع من العمليات العسكرية المشتركة، الأمر الذي سيلقي بالمزيد من الأعباء على كاهل حلف شمال الأطلسي والدول المشاركة فيه. سكوت بالدوف محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©