السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الديمقراطية... وأزمة الديون الأوروبية

12 مايو 2012
منذ أكثر من سنتين، أملى الجميع إرادتهم على أزمة الديون الأوروبية المستعرة: الزعماء الألمان، الحكومات المذعورة، الأسواق المالية المتوترة، الوكالات الدولية المتسلطة. أما الشعوب، فقد أُهملت ولم يتم الاستماع إلى رأيها. فعبر مختلف أرجاء القارة، فرض المسؤولون تخفيضات مؤلمة في الميزانيات رغم احتجاجات حاشدة من باريس إلى براغ. وفي اليونان وإيطاليا، مثلاً، تم تنصيب رئيسي وزراء تكنوقراطيين بدون ذهاب أي مواطن إلى مكاتب الاقتراع. كما أنه من أصل الدول الأوروبية الخمسة والعشرين التي وافقت على اتفاقية جديدة تحد من الإنفاق العام، فإن إيرلندا هي الوحيدة التي تكلف نفسها عناء السماح للناخبين بالحكم عليها. غير أنه في يوم الأحد الماضي، قال الشعبان الفرنسي واليوناني كلمتهما في انتخابات يمكن أن تعيد فتح النقاش حول كيفية حل أزمة اقتصادية لا تبدي مؤشرات على قرب حلها. وفي هذا السياق، يقول "هوجو برادي" من مكتب "مركز الإصلاح الأوروبي" في بروكسل: "إن الديمقراطية تشق طريقها إلى أزمة اليورو"، مضيفاً "ولئن كنا لا نعرف ما يعنيه ذلك، فإنه يعني نهاية الجواب التكنوقراطي فقط عليها". انتخابات الأحد الماضي عرفت وصول زعماء جدد إلى السلطة تعهدوا بإعادة النظر في تقيد بلدانهم الصارم بالتقشف والانضباط المالي الذي تدعو إليه ألمانيا باعتباره الحل لمشاكل أوروبا. ولكن أن يأتي التحدي من هذين البلدين، فهو أمر له دلالات عميقة: ذلك أن فرنسا تعتبر أهم حليف لألمانيا، في حين أن اليونان تقع في مركز مشاكل الديون الأوروبية. غير أن إدخال أي تغييرات على مخطط اللعب الحالي قد يثير قلق المستثمرين الذين لديهم حساسية تجاه أبسط شعور بحالة عدم اليقين، ذلك أن الأسواق قد تستقبل تحولاً ممكناً في الاستراتيجية كاعتراف مرحب به بالحاجة إلى أفكار جديدة من أجل انتشال أوروبا من دوامة الهبوط المالي والاقتصادي. أو قد تنظر إليه كتعطيل مقلق للتدابير التقشفية وتدفع كلفة الاقتراض بالنسبة لدول مثل إسبانيا وإيطاليا إلى الارتفاع، متسببة في تصعيد آخر للأزمة. غير أن الحكومات المنتخَبة شعبياً ينبغي ألا تسمح للأسواق بأن تكون هي الآمر والناهي، هكذا يقول "خوان سومافيا"، مدير عام منظمة العمل الدولية الذي كتب مؤخراً في مقال رأي يقول: "في بلد ديمقراطي، يعتبر الحفاظ على الثقة طويلة المدى للشعب -لاسيما المجموعات الأكثر هشاشة- أهم من كسب الثقة قصيرة المدى للأسواق المالية". والواقع أن رد الفعل الشعبي على التركيز الألماني على التقشف أخذ يحشد زخماً منذ أشهر في دول تقول الطبقات الوسطى المتضررة فيها إن التخفيضات لم تعمل إلا على زيادة البؤس. فقد بلغت البطالة في بلدان منطقة "اليورو" السبعة عشر مستوى قياسياً هو 10?9 في المئة، وهو معدل يخفي وراءه حجم المحنة الحقيقي في بلدان مثل إسبانيا حيث يعاني واحد من كل أربعة عمال من البطالة. كما أن نحو ستة بلدان من منطقة اليورو، مثل إيطاليا وإيرلندا وهولندا، دخلت ركوداً مزدوجاً. وعلاوة على ذلك، فإن عدداً متزايداً من الاقتصاديين والمحليين يحذرون من أن التركيز على التقشف يعيق النمو، والحال أنه من دون نمو، لا سبيل للخروج من مشكلة أوروبا المالية. وقد تبنى العديد من السياسيين هذه الرؤية التي صارت مكرورة في تصريحاتهم، معتنقين رأياً يصيح به ناخبوهم المنهَكون ويخوضون مسيرات من أجله منذ أشهر. وفي هذا الإطار، تقول أستاذة الأدب" ماجدة كريستيدو"، 48 عاماً، التي انضمت إلى مظاهرة نظمت في يوم العمل بأثينا: "هذا التقشف يجب أن ينتهي"، مضيفة "لأن الناس يعانون: إنهم يقفزون من الشرفات، ويشنقون أنفسهم لأنهم لم يعودوا يستطيعون تحمل الوضع". اليونانيون رأوا مستوى معيشتهم يتهاوى بعد جولات متعددة من تقليص الميزانية التي يطالب بها المقرِضون كشرط لحزمتي الإنقاذ الدوليتين اللتين منحتا لأثينا (يذكر هنا أن حزمة تقشف أخرى ينتظر أن تُعرض على المشرعين الشهر المقبل). غير أن "أنتونيس ساماراس" من حزب "الديمقراطية الجديدة" المحافظ، الذي حل في المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية التي جرت الأحد، أرعب بعض المسؤولين الأوربيين بسبب تعهده بإعادة التفاوض حول عناصر من اتفاق الإنقاذ الذي يقول عنه إنه يقتل الاقتصاد اليوناني، بدلاً من أن ينقذه. كما عززت مشاعرُ الغضب من الظروف القاسية حظوظَ عدد من الأحزاب الهامشية التي فازت بعدد من المقاعد في البرلمان اليوناني، ومن بينها "الفجر الذهبي"، وهو حزب يميني متطرف مناوئ للتقشف. وتعرف أحزاب مماثلة صعوداً عبر المنطقة، ومن ذلك فرنسا حيث سجل حزب "الجبهة الوطنية" المناوئ لأوروبا بشدة معدلاً قياسياً هو 18 في المئة من الأصوات خلال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية. غير أن حتى السياسيين من التيار الرئيسي بدأوا يتحدَّون القرارات التي تتخذ في بروكسل بدلاً من العواصم الوطنية، أو من قبل زعماء أقوياء مثل المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل. وفي هذا السياق، كان فرانسوا هولاند، الرئيس الفرنسي المنتخَب، قد قال خلال حملته الانتخابية : "لا يجوز لألمانيا أن تقرر نيابة عن بقية أوروبا". وبالنسبة لـ"برادي" من "مركز الإصلاح الأوروبي"، فإن الوقت بالغ الأهمية. فالاتفاقات المالية الجديدة والنقاشات الفلسفية من قبل الزعماء والسياسيين الأوروبيين شيء جيد، ولكن الواقع الحالي يقتضي تحركاً عاجلاً إذ يقول: "في مرحلة ما، سيضطر الناخبون إلى التدخل والقول: "ركزوا على معالجة المشاكل الآن"، مضيفاً "يمكن أن يؤدي ذلك إلى اضطرابات أيضاً، ولكن لدي إيمان بأن الديمقراطية تقوم بالشيء الصائب في نهاية المطاف!". هنري تشو لندن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©