الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«عائد إلى حيفا» يستفز ذاكرة الجمهور

«عائد إلى حيفا» يستفز ذاكرة الجمهور
28 يوليو 2010 20:47
استضافت مجموعة مسارح الشارقة، التي أُسست بموجب قرار إداري من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة العام 2007 بهدف تفعيل المسرح في الإمارة والدولة، العرض المسرحي المونودرامي الأردني “عائد إلى حيفا” على خشبة مسرح معهد الشارقة للفنون المسرحية. استند العرض بالأساس إلى رواية بالاسم نفسه للروائي الفلسطيني المعروف غسان كنفاني، الذي مرت ذكرى استشهاده الثامنة والثلاثين في الثامن من هذا الشهر، قام بإعداد نصه الممثل والكاتب غنام غنام الذي أدى دور “سعيد”، الشخصية الرئيسية للرواية، والمخرج الدكتور يحيى البشتاوي. بدءاً، فإن “عائد إلى حيفا”، المونودراما، قد بدت ذريعة “مسرحية” بالمعنى الإيجابي للكلمة، كي يقول الفريق العمل أنه لا مفرّ للفلسطيني من مقاومة تسلط محو هويته الإنسانية، بحسب الدلالة الواسعة والكبرى لهذا العمل الذي أوسع من دائرة نقده التي بدأت بنقد سلوك البرجوازية الفلسطينية إلى نقد الخلافات والفرقة وما يشتملان عليه من سلوك يومي على مستوى الساحة الفلسطينية سياسياً وثقافياً. وفقاً لهذا التأويل، استند العمل على عاملين أساسيين هما الممثل بأدواته وقدراته الفردية الشخصية على مستوى تكنيك الممثل وعلى مستوى إحداثه التأثير المطلوب في الجمهور الذي ملأ قاعة المسرح بالدرجة الأولى، ثم استند على عامل ما يمكن أن نقول إنه “فضاء الحكي” الذي لا يخاطب في المتفرج وعيه فقط بل لا وعيه أيضاً إذ يركز على الذكرى الجمعية الجارحة للجمهور إجمالاً ثم فردياً. هنا يمكن القول إن “عائد إلى حيفا” العرض المونودرامي كان ناجحاً إلى حدّ بعيد. اختار غنام غنام أن يستخدم في عمله لهجة مغرقة في محليتها ما جعلها أكثر بساطة ووضوحاً على طريقة أن ما يمكن قوله بالعامية يأتي أكثر فصاحة أحياناً، ولعل أبرز تأثير لهذه اللهجة قد اتضح في تلك المشاهد من الكوميديا السوداء التي استطاع غنام غنام فيها أن يجعل من الملفوظ، أي الكلام، مرتبطاً بحركة الجسد في رشاقتها على المسرح ومسنودة بمؤثرات صوتية وسينوغرافية مدروسة، هي على الرغم من بساطتها وظّفها المخرج البشتاوي وصانع السينوغرافيا الدكتور فراس الريموني بحيث تتكامل داخل “فضاء الحكي” الذي ملأ به الممثل المسرح، حتى بات هذا الفضاء هو التعبير الأسمى عن الرغبة العالية في البوح، بل وإحداث الصرخة أيضاً في وجه هذا الصمت ليس لدى فريق العمل بل امتد الأمر إلى الجمهور، إذ استثارت مشاعر الأفراد فيه تلك الأغنيات ذات الهوية الفلسطينية التي تردد صدى تجربة فردية لدى كل واحد منهم. والأرجح، أن الممثل غنام غنام، بوصفه ممثلاً ذا خبرة طويلة، كان على وعي بهذا الأمر أولاً، وكاتباً ومشاركاً في الإعداد، كان يدرك موقع غسان كنفاني، فكرة وحضوراً، لدى الجمهور، ربما لذلك بدا بتلك الخفة في الحركة والملفوظ معاً وقادراً على كسر الإيهام المسرحي و”اللعب” مع جمهوره الذي كان يخاطبه مباشرة أحياناً، من جهة، ومن جهة أخرى تقمصه الشخصيات الأخرى الثانوية الطالعة أحياناً من الرواية وأحياناً أخرى من الواقع الراهن. لا صانع السينوغرافيا، الريموني، ولا المخرج البشتاوي، أثقلا الخشبة بعناصر من خارج الحكاية أو داخلها، وكل ما ظهر على الخشبة هو قطعتان كان الممثل ينوع في استخدامها بحيث تعينه على إبقاء المتفرج مشدود النظر إليه مرفقة بإضاءة لم تتجاوز الثلاثة أو الأربعة ألوان وما يعرف بالكوفية الفلسطينية التي كانت على كتفي الممثل وعلى أكتاف كثيرة بين الجمهور، أيضاً تلك المؤثرات الموسيقية التي هي من صنيع مراد دمرجيان التي أعاد خلالها غناء بعض المقاطع من غناء السبعينات والثمانينات الفلسطيني. بهذا المعنى، فإن “عائد إلى حيفا” المونودراما هي عرض مسرحي ناجح إذا أخذنا بعين الاعتبار عدد الحضور الذي جلس العديد من أفراده على الخشبة برفقة الممثل، ومدى مقدرته على جذب انتباه المتفرج طيلة العرض الذي بلغ قرابة الساعة أو يزيد. لكن من إيجابيات العرض أيضاً أنه يثير عدداً من الأسئلة، من مثل: هل تتسع فكرة المونودراما للتعدد في الشخصيات فيتقمص الممثل أكثر من شخصية ليعود إلى شخصيته الرئيسية؟ وكيف سيعود في كل مرة؟ وهذا الأمر ليس مرتبطاً بالممثل وحده وشرطه الفني بل قبل ذلك بالنص وإعداده عن نص أصلي يعود إلى الستينات من القرن الماضي، فإلى أي مدى يمكن الاحتفاظ بروحه الأولى في ظروف ومعطيات مختلفة؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©