الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شذرات من لغة المعاجم

شذرات من لغة المعاجم
28 يوليو 2010 20:40
يطلق تعبير “المُعجم” بمعناه العام على كلّ قائمة تحتوي مجموعة من الكلمات من أية لغة مع مراعاة ترتيبها بصورة معينة، ذات فهم، وتفسيرها بذكر معناها الحقيقي أو المجازي، أو بذكر معناها واستعمالاتها المختلفة، ويدخل في هذا التعريف المعاجم بمفهومها المعروف لدينا، وكذلك كتب النوادر والغريب، ورسائل الألفاظ التي تتناول ألفاظاً مُستقاة من النصوص يصعب فهمها أو جمعت على نحوّ خاص. إنّ الحاجة إلى استخدام المُعجم اللغوي حاجة ماسّة ودائمة بالنسبة لدارسي اللغة والثقافة، فضلاً عن أهميتها بالنسبة إلى كلّ مَن يتكلم اللغة. وقد ضمت خزانة المكتبة العربية على الكثير من المعاجم منها: مُعجم العين للخليل بن أحمد الفراهيدي البصري، والجمهرة لابن دريد، وتهذيب اللغة للأزهري، والمحيط للصاحب بن عباد، والصِحَاح للجوهري، ولسان العرب لابن منظور، والقاموس المحيط للفيروز آبادي، وأساس البلاغة للزمخشري، فضلاً عن المعاجم الأدبية والثقافية التي ألفت في العصر الحديث. من الألف إلى الياء يأتي مُعجم مُصطلحات الثقافة بين الجاحظ والتوحيدي لمؤلفته الكويتية الدكتورة طيبة صالح الشذر، وبإشراف الدكتور محمود فهمي حجازي، والصادر عن دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني، ليكون واحداً من المعاجم الحديثة الكبيرة التي ضم بين دفتيه كل المصطلحات الثقافية والحضارية التي كتبهما الأديبان العربيان الناثران أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ البصري (ت 255هـ)، والأديب أبي حيان التوحيدي (ت 414هـ)، وتركا مصنفات وافرة في الأدب والثقافة الموسوعية. وقد عقدت المؤلفة معجمها لهذين العَلَمين وأفردت أبوابه ورتبت ألفاظه ابتداءً بالألف وانتهاءً بالياء على الحرف الأول لا كما رتبتها المعاجم العربية. وقد بدأت الشذر حروف الهجاء تأخذ سبيلها في الترتيب من غير التفات إلى أصل مادة المصطلح أو الارتباط بالمُعجم القديم، لأنّ في ذلك شيئاً من العُسْر لا يخدم الهدف ولا يُحقق الغاية عند المراجعة السريعة. ويضم المُعجم مائتان وست وثمانون وألف مُصطلح ورد بعضها في كتابات الجاحِظ وورد بعضها الآخر في كتابات التوحيدي. وقد اتضح في “معجم مُصطلحات الثقافة بين الجاحظ والتوحيدي” أنّ المصطلح الثقافي قد يكون اسماً أو مصدراً أو فعلاً، وقد يكون كلمة واحدة أو أكثر، وأنّه يُطلق على عدّة فنون، وأنّه قد يتعدد وتكون دلالته واحدة. ويشتمل كل حرف ضمن هذا المُعجم على عشرات الألفاظ، ولكننا اخترنا لفظة واحدة للتمثيل من كل واحد، وهذه مختارات من المصطلحات الثقافية عند الجاحِظ والتوحيدي. آب وباب ابتدأت المؤلفة معجمها بحرف الألف، وبمصطلح “آب” الذي استقته من كتاب البخلاء وقالت عنه، قال الجاحِظ: آب آست: نبيذ آست، أما أدي شير فيقول عن آب: الأباب هو الماء والسراب، مُعرّب آب وهو الماء. ونجد أوراق من وسائل العمل الثقافي ذكرها التوحيدي بمعنى الكُتُب فقال في إحدى مقابساته: “وسيتصل بهذه المُقابسة في الكِتاب ما يكون بياناً له، وشاهداً بصحته، ولو أنّ هذه الأوراق اشتملت على نُكتة مما فيها فقط، لكان ذلك مما لا ينكر أنّه كافٍ في معناه...”. وأوردت المؤلفة في حرف الباء أولاً مصطلح “باب” عند التوحيدي حيث أورده ضمن حديثه عن تقسيمات الكِتاب: الباب والجمع أبواب، وذكره في البصائر والذخائر بقوله: وقد يقال العائب؟ أطلت في هذا الفصل في الطب حتى كأنّ الكتاب نصب لهذا الغرض، وأريد به هذا الباب... في حين أوردت الشذر في حرف التاء “للتأديب”، في مؤلفات التوحيدي التي ذكرها بمعناها التربوي، وكما تستعمل أيضاً بمعنى التعليم، وجاءت بمعنى التأنيب والعقاب بقوله: “عرض رجل لسعيد بن العاص، وهو أمير الكوفة، فقال: حجبت عنك، قال: قد أمرنا لك بمائة ألف درهم، وما يملكه الحاجب، تأديباً له. بينما أوردت عن لفظة “تشرين الأول” من كتاب البخلاء للجاحظ قوله راصداً لنوعية المناخ: إنّه رآني مرّة في تشرين الأول وقد يكون البرد شيئاً. خَطْرَة وذبحَة ورافدان وفي حرف الخاء “خَطْرَة” وهي من أسماء الألعاب عند العرب كما وردت في الحيوان للجاحِظ: البُقَيري، وعُظِمُ وَضّاح، والخَطْرَة والدّارة، والشحمة. وعن حرف الدال أشارت المؤلفة إلى “دَوَاة” وهي من وسائل العمل الثقافي، أشار غليها التوحيدي في رسالة في علم الكتابة ومثالب الوزيرين والإمتاع والمُؤانسة: الدواة منهل، والقلم وارد، والكتاب عطن. ثم جاءت “ذَبْحَة” في حرف الخاء على لسن الجاحِظ في الحيوان: إنّ من أجود أدوية الّبحة والخانوق أن ينفخ في حلق من كان ذلك به. ثم أوضحت طيبة الشذر في حرف الراء للفظة “رافدان” في حيوان الجاحِظ في حديثه عن انهار العراق: قال أبو الحسن: الفرات ودجلة رائدان لأهل العراق لا يكذبان، وقال الأصمعي: فهما الرائدان وهما الرافدان. رّق وزَمانة وسلوَى وذكرت في حرف “الراء”، قولها عن “الرّقّ” وهو من أدوات الكتابة، فقال التوحيدي عنها في البصائر والذخائر: وأما الرّق فما يكتب فيه. ومن حرف الزاي نقف عند لفظة “زَمَانَة” ذكرها الجاحِظ في كتابه البغال، وهي من الأمراض التي تصيب الإنسان نتيجة الشيخوخة: وقد منع من ذلك ما حدث من الهمِّ الشاغل، وعرض من الزّمانَة، ومِن تخاذل الأعضاء. وأعقبت ذلك للحديث عن ألفاظ حرف السين ومنها “سَلْوى” التي أشار إليها الجاحِظ في الحيوان وهي من أنواع الحَلوى: ألذ من السلوى وأمتع من النسيم، فهي إذن حلوى من نوع فاخر، وهي تدعى المَنُّ والسَلوَى. شُطّار وصاحب المنطق ومن ألفاظ المُعجم أيضاً ما ورد في حرف “الشين” للفظة “شُطّار” في بخلاء الجاحِظ وهم فئة اتخذوا العبث والسلب والنهب في العصر العباسي، قال الجاحِظ في حديثه عن ذبح الحَمَام: على أنّها إنّما تُذبَح لرغبة مَن يتخذهُنّ، ويلعب بهُنّ من الفتيان والأحداث والشُّطّار. كما ذكر التوحيدي ضمن حرف الصاد في المُعجم: “لصاحب المنطق” في البصائر والذخائر: وصاحب المنطق يرى أنّ الطبيب والمُنجِّم والمهندس وكل مَن فاءَ بلفظ وأمَّ غرضاً فقراء إليه. ضِيزَى وطعام وعُرَاق. ومن حرف الضاد “لفظة” “ضِيزَى” في بخلاء الجاحِظ: أسمعتم القسمة الضِيزَى؟ هي ـ والله ـ ما تريدون شيخكم عليه، اشترى مني على أن يكون الخسران عليَّ والربح له. وأوردت المؤلفة في حرف “الطاء” مجموعة ألفاظ منها”طعام” عند الجاحِظ والتوحيدي، فقال الجاحِظ في الحيوان: وسئل بعضهم عن حظوظ البلدان في الطعام، وما قُسّم لكل قوم منه، فقال: ذهبت الروم بالحشوِّ والحَسوِّ، وذهبت فارس بالبارد والحلو،... ومما جاء في حرف “الظاء” لفظة “ظاهرة” بمقابسات التوحيدي بمعنى واضحة: وصفوت وعلوت، وأنفت وظهرت، ومجدت وشرفت، ولحظتك عن الجود غامرة، واكتنفتك بالخيرات ظاهرة. وإثر ذلك نصل في معجم مُصطلحات الثقافة بين الجاحظ والتوحيدي إلى حرف “العين” ففي البخلاء وردت لفظة “عُرَاق”: فأتوهُ يوماً بقصعة ضخمة فيها ثريدة كهيئة الصومعة، فكلله بإكليل من عُرَاق بأكثر ما يكون من العراق. غَمِق وفَالج وقَبَس وأما حرف “الغين” فأوردت المؤلفة للفظة “غَمِق” وهو النَدَى والرطوبة والوخامة في الحيوان للجاحِظ: ومررت به وهو جالس في يوم غَمِق حار، ومدٍّ، على باب داره في شروع نهر الجوبار. بينما نقرأ في حرف “الفاء” لفظة “فَالَج” في البرصان والعرجان: قالوا: الفَالَج في الرجلين شيء يكون بين الفَحْج والعَرَج، والفَالَج مكيال العَينة، والفَالج: البعير الذي انشق سنامه نصفين... ومن حرف “القاف”، نقرأ ما كتبه التوحيدي عن لفظة “قَبَس” بمعنى النور: ياهذا! إنّما يشع من هذه السَكِينة على قدر ما استودع صاحبها من نور العقل، وقَبَس النفس. كِلّة ولِيْط ومُؤدب وبعد ذلك أشارت المؤلفة إلى ألفاظ في حرف “الكاف” ومنها لفظة “كِلَّة” وهي عند الجاحِظ في الحيوان الستر الرقيق، فقال: وذلك أنهُنّ ربما تعودنَ المبيت على خوص فسيلة وأقلابها من فسائل الدور أو شجرة أو كِلّة. كما عرضت في حرف “اللام” للفظة “لِيْط” وهي أعواد القصب وصفه الجاحِظ ضمن أجزاء النبات في البخلاء: لأنّ البراغيث تزلق عن لِيْط القصب، لفرط لينهِ ومَلاسَتِه. وفي حرف “الميم” جاءت لفظة “مُؤدِّب” في البصائر والذخائر للتوحيدي، فيقول: كان عمران المُؤدّب يجالس أبا سعيد الكاتب مع ندمائه، ويرافق المُؤدّب الذي اختير لتأديبه. نادي وهاتِف ويأجوج ثم عرضت مؤلفة المُعجم في حرف “النون” لـ”نادي” في الإمتاع والمُؤانسة للتوحيدي، وهو من الأماكن التي يتداول فيها العلم: وبفضلك أتحدث في كل مقام ونادٍ. وأما في حرف “الهاء” فذكر الجاحظ في البخلاء للفظ “هاتِف” بقوله: وتزوجت السعلاة، وجاوبت الهاتِف. وفي حرف “الواو” نقرأ عن لفظة “وِرَاقَة” للتوحيدي في الإمتاع والمؤانسة: فقد بلغني أنّك تغشاه، وتجلس إليه، وتكثر عنده، وتُورّق له. وأما مِسك ختام هذا المُعجم فهو ألفاظ حرف “الياء” ذكرت فيها المؤلفة للفظة “ياجوج” كما وردت في الحيوان للجاحِظ في عرضه للأقوام، فيقول: فيفسد ماؤهم وتفسد تربيتهم، فيعمل ذلك في طباعهم على الأيام، كما عمل ذلك في طباع الزنج وطباع الصقالبة، وطباع بلاد يأجوج ومأجوج.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©