الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زيف الإسلاموفوبيا

زيف الإسلاموفوبيا
28 يوليو 2010 20:38
“هذا العالم لمن؟/ زيف الإسلاموفوبيا” هو عنوان دراسة جديدة للكاتبة البريطانية (الصومالية الأصل) شمس اسماعيل حسين، في خمسة فصول ومئتين وأربع عشرة صفحة من القطع الصغير. يتناول الكتاب الحملة التي تعرّض لها المسلمون بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 وكيف جرى التحامل على الاسلام في الغرب، بإثارة موجة من الكراهية والقهر والتشويه في سبيل السيطرة على ثروات البلدان الاسلامية، والإمساك بمواردها الطبيعية، والتحكم بمواقعها الاستراتيجية، على أن تكون الأساليب التدخل لاحداث الفوضى وإشعال النزاعات، والخداع الاعلاميّ، واتهام المسلمين بالارهاب. تتوجّه الكاتبة كما قالت الى القارئ العام قبل المفكّرين المتخصّصين، فتصوّر الواقع من خلال منظور تاريخيّ، دون أن تعتني بالتحليل، ثمّ تستعين بوجهات نظر لأشخاص ينتمون الى قارّات وجنسيّات مختلفة. تفنّد الحجج، تبرز الوثائق لتبطل ما كان عدائيّا أو مختلقا، دون أن تفرّط في فرص احترام الرأي الآخر. أسباب استعمارية يتناول الفصل الأول قضيّة النزاع في الصومال والقرن الافريقي في خمس وأربعين صفحة، موردة حقائق من شأنها تعديل الصورة التي رسمها الاعلام الغربيّ للمشكلة الصومالية، فنحن أمام شعب يملك ثقافة تسوية النزاعات، مبتدعا أعرافا انسانيّة عادلة، تشبه ما توصّلت اليه القوانين الوضعية، وتتفوّق عليها أحيانا من حيث عدالة الأحكام، فالمجتمع الصومالي عشائر لها قادة، ولكلّ قائد لقب سلطان أو ملاك، وعليه أن يكون خطيبا منذ ميلاده متمكنا من مهارات الجدل مع الحكمة والحصافة ومعرفة الأعراف، والالمام بسلوكيات المجتمع وقوانينه العرفية. في هذا الفصل تكثر الوقائع من التاريخ، أو من أحداث الأمس القريب، وكيف أنّ بريطانيا منذ القدم، عملت على اشعال النزاعات القبلية لتقويض الوحدة الصومالية والاستيلاء على ثروات البلاد. ثمّ جاءت أميركا في النصف الثاني من القرن العشرين تذكي الصراع بين القبائل والجماعات الاثنية الصومالية: تدعم طرفا معيّنا كي يسيطر، ثمّ تنقلب عليه وتناصر جماعة مناوئة له لتجديد النزاع الدمويّ، وقد تشارك عسكريا، مثلما فعلت عندما قصفت مقاديشو لاسقاط المحاكم الاسلاميّة، ومن جهة أخرى تدخّلت في النزاع بين الصومال واثيوبيا وأعطته بعدا دينيا لتعميقه. وتتناول المؤلّفة في الفصل الثاني غزو العراق سنة 2003، والمبرّرات الكاذبة التي ساقها نظام جورج بوش بالتعاون مع بيلر بعنوان أسلحة الدمار الشامل، بعدها أعيد صياغة هدف الحرب ليصبح: تغيير النظام وتحرير العراق وتحقيق الديمقراطية، وانتهى الأمر الى احتلال عسكريّ، واقتتال طائفيّ، وتدمير للبيئة، وسلب للتراث الحضاريّ العراقي... وقد أدارت قوات الولايات المتحدة وجهها حينما كان المتحف العراقي ينهب ويهرّب خارج العراق.... ولم يقل بوش وبلير أبدا ان العراق يشكل تهديدا للغرب بسبب القدر الكبير الذي يمتلكه من البترول والموارد الطبيعية والانسانية كما اعترف المسؤولون الأميركيون والبريطانيون فيما بعد... تؤكد الكاتبة فرضية الخداع والتدخل بشهادات حديثة، وسرد تاريخي للوضع العراقي بعد الحرب العالمية الأولى، بما يؤكد الغاية الحقيقية للمستعمرين وهي افساد العلاقة بين المجموعات المحلية: شيعة، سنة، أكراد، ومسيحيون، علمانيون، وبث الاضطراب والفوضى، لانضاج العوامل التي تمكن اميركا وبريطانيا من وضع اليد على مواقع السلطة في بغداد، وأماكن الثروات الهائلة في المحافظات العراقية. تستهل الكاتبة الفصل الثالث بعرض تاريخيّ للدور الاسلامي الحضاري والقيم المشتركة بين الديانات السماوية الثلاث، وكيف أنّ اليهود نعموا بالعصر الذهبيّ في ظلّ الحكم العربيّ للأندلس، لكنهم في العصور الحديثة تآمروا على العرب والمسلمين واعتدوا عليهم بالتحالف مع أميركا وبريطانيا، ثمّ شنوا حملة اعلامية على الاسلام والمسلمين بعد 11 سبتمبر، تحت شعار أنّ هؤلاء عدوانيين يهددون الديمقراطية والقيم الغربية. وهذا غير صحيح، فالمشكلة ليست كما ادّعى بوش وبلير: كراهية المسلمين للغرب، بل هي في الممارسات العدوانية منذ اغتصاب فلسطين ثم العدوان الثلاثي على مصر، فعدوان سنة 1967، والدعم المستمر الذي يقدمه الغرب للكيان الصهيوني. تتحدث الكاتبة في الفصل الرابع عن الخديعة التي دبرها بوش وبلير لاقناع دول العالم بغزو العراق، وقد أوجدا حالا من الكراهية للعرب والمسلمين في بريطانيا وأميركا، مع توجيه التهم للأشخاص والمؤسّسات دون تثبّت. فكانت استراتيجيات لحرب نفسية واعلامية وعسكرية مارستها الامبراطوريات القديمة (بيزنطة وروما) في القرون الوسطى، والحقيقة أنّهم يريدون نفط العراق وثرواته الطبيعية، ومن أجلهما يشعلون الحرب، ويسفكون الدماء ويحرضون على الفتنة بين مكونات المجتمع العراقي، ففي ظل الاحتلال الأميركي والبريطاني للعراق يتحدثون عن نزاع بين السنة والشيعة، وبين المسلمين والمسيحيين، وبين العرب والأكراد، ولاثبات هذه الفرضية تستعين الكاتبة بأقوال مسؤولين أميركيين وبريطانيين تؤكد الخديعة والتناقض والازدواجية السياسية في السياسة الدولية، مع حجب الحقائق والدوافع الخفية. في الفصل الخامس تذهب الكاتبة مذهب البحث الحضاري: مفهوم الحضارة وانتقالها بين الشعوب، بدءا من أقدم الحضارات في بلاد مابين النهرين وصولا الى الحضارة العربية الاسلامية، مؤكدة أنّ بلادنا مهد الحضارات، وأنّ الغرب استمدّ قدرا كبيرا من المعرفة من المسلمين، لطنه ينكر...أي أن تقول: “كلّما زادت دعاية الخطاب الاسلامي المعادي للاسلام، كلّما اتّضح ضعف القضية، وأصبح المعادون للاسلام أكثر افتضاحا، ومن ثمّ فانّ البحث عن عدوّ بهذه الطّريقة، ليس فحسب هدفا بعيد المنال، وانّما أيضا قضيّة خاسرة.” هل يقمع الاسلام النساء؟ وضمن الحملة على الاسلام بعد 11 سبتمبر، يأتي موضوع المرأة في الاسلام (الفصل السادس) حيث يدّعون أنّ هذا الدين يقمع المرأة وينكر حقوقها، وهنا تعمل الكاتبة على المقارنة بين حال المرأة قبل الاسلام وحالها بعده: فالمجتمعات القديمة والمعاصرة قبل القرن العشرين، احتقرت المرأة، وعاملتها معاملة غير إنسانية، بينما حصلت في ظلّ الاسلام، على حقوق متساوية مع الرجل، واستطاعت أن تبلغ قمة السلطة في كثير من البلدان الاسلامية، تقول المؤلفة: “عندما يطرح المرء أنّ الاسلام ديانة تقهر النساء، فقد يكون ذلك بفعل نقص معرفته بالاسلام، أو لدوافع شخصية، أو نزعة انتقائية منحازة ضد الاسلام... هناك ما يكفي من الدلائل كي نقول: إنّ الاسلام يعطي النساء حقوقا أكثر من تلك التي أعطتها أيّة ديانة توحيدية أخرى”. وفي الخاتمة ترى الكاتبة أنّ مأزق العالم العربي يعود الى الاحتلال الأجنبي (المباشر وغير المباشر) والخلاص لن يكون بغير التحرر من السيطرة الأجنبية، وتنتهي الى القول: هناك حاجة الى اجراء حوار بين الخبراء من مختلف العقائد والعلماء والمثقفين من ذوي العقول المتفتحة، والقادة من ذوي النوايا الحسنة، وصنّاع الرأي، ونشطاء حقوق الانسان، لتأتي حلول تتّسم بالتنوّع والمودّة والانسانية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©