الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

جمعان الكرت: القرية وثيقة حية للموروث الثقافي

جمعان الكرت: القرية وثيقة حية للموروث الثقافي
28 يوليو 2010 20:36
من جنوب السعودية حيث ولد ونشأ بدأت كتاباته الأولى في القصة والقراءات الإبداعية التي كانت تصله بين فترة وأخرى، فكتب القصة من أعماق القرية المسكون بها.. القرية بحياتها المختلفة وحياتها الهادئة التي أتاحت له قدرا من التأمل والكتابة عن كثب عن واقع القرية وإنسانها. قرأ جمعان الكرت نائب رئيس نادي الباحة الأدبي في بداياته حينما كان طالباً في جامعة الملك عبدالعزيز نجيب محفوظ، طه حسين، فيكتور هوجو، أغاثا كريستي، برنار دان من خلال ترجمة مصطفى لطفي المنفلوطي، إبراهيم الناصر، عبدالعزيز المشري وغيرهم. ومن هناك تكون لديه حب الكتابة والقصة خصوصا. جمعان الكرت القاص السعودي أصدر مؤخرا مجموعته القصصية “سطور قروية” وحولها الكثير مما يمكن أن يقال: ? أصدرت مؤخراً مجموعتك القصصية “سطور قروية” وكانت تحتفي كثيراً بالقرية وعوالمها وحكاياتها وأسرارها، هل يرى جمعان الكرت في القرية مناخا رحبا للإبداع؟ وأي فرق بينه وبين مناخ المدينة؟ ?? قلت في إهدائي لمجموعتي القصصية “سطور قروية” إلى قريتي السروية التي تهجيت في وجهها أحرفي وكلماتي ودسست في مخابئها أسراري واستللت من عيدان عرعرها مراسمي لأكتب في سطور دفتري عن صوت محالتّها وأزهار لوزها وترانيم نايها وشدو شاعرها وشفيف جداولها وبريق ثغرها لأنسج الذكريات أقماراً وأشجاراً وأفراحاً وأحزاناً، والمجموعة تضم 26 نصاً مابين القصة القصيرة، والقصة القصيرة جداً، والشخصيات انتزعتها من ذاتي، فهي تفرح، وتحزن، وتضحك وتبكي، ويوجد روابط مكانية، ووجدانية، واجتماعية، ونفسية بيني وبين القرية الجنوبية وبما أن القرية تمتلك مخزوناً ثقافياً وتراثياً، واجتماعياً فإنها تمنح القاص فضاءً رحباً للإبداع، لتشكل الشخصيات بما تتناسب والموقف مترجماً الأحاسيس والمشاعر على شريطة الصدق الفني، ومحاولة تفجير الأسئلة، وفي تصوري أن النجاح يتحقق بمدى التغلغل في وجدان الناس والغوص في أعماقهم لتقديم مادة سردية تحقق الإمتاع والفائدة. أما الخطاب الثقافي في مجوعتي القصصية فيتمثل في إبراز الفضائل والقيم والشيم في مجتمع القرية إلى جانب الانتقاد لبعض السلبيات باعتبار مجتمع القرية ليس مجتمعا ملائكياً فهو مثله مثل غيره مليء بالخير والقليل من الشر. أما المدينة فهي أيضا مجال خصب لكاتب الرواية اذ يعتبر البعض أن الرواية هي بنت المدينة وهذا صحيح. استحلاب الحكايات ? في بعض عناوين المجموعة وفي بعض القصص توظف بعض الأساطير الشعبية التي عرف بها الجنوب خصوصاً هل توظف ذلك عوضا عن فقد ما لتلك العوالم والأجواء أم كانت لعبة السرد مع الزمن هي مدارك.. حدثني عن ذلك. ?? القرية هي الوثيقة الحية للموروث الثقافي، والأسطورة إحدى مكونات الثقافة، واستحلاب الحكايات القديمة من ذاكرة القرويين واحدة من المهام الأساسية لأي روائي أو قاص لأن المدنية بمؤثراتها قادرة على مسح الذاكرة القروية وهنا تأتي ضرورة توثيق تلك الحكايات ورصدها بأسلوب يجمع مابين الواقع والخيال، وفي سطور سروية حاولت جمع بعض الأساطير الشفاهية لأعيدها بأسلوبي الخاص متكئاً على تقنيات القصة القصيرة مستفيداً من تلك الروافد الثقافية مراعياً النسيج القصصي (لغة، وصف، حوار، سرد) مع الحرص على صوغه في قالب أدبي ينضح بالحياة. ? تكتب القصة من زمن طويل عبر عدة مجموعات قصصية وهناك فترات متباعدة بين كل تجربة مطبوعة وأخرى كيف ترى مستقبل القصة القصيرة خصوصا والكثير من المتابعين يرون أنها بدأت تنحسر في ظل وجود أشكال فنية أخرى للقصة؟. ?? القصة القصيرة تعيش كالأسماك الصغيرة المبهرة الأشكال.. المتمايزة الألوان في داخل المحيط الثقافي. ولم تجد لها الحضور الثقافي المؤثر تبرز حينا وتخفت في وقت آخر. وأخيراً جاءت القصة القصيرة جدا وهي عبارة عن كبسولة مضغوطة ومكثفة من الكلمات القليلة التي تختزل مساحة زمنية واسعة وتعطي دلالات وتسمح بتشظي الأسئلة.. البعض يعتبرها الميسم الجديد الذي يواكب التنامي السريع والانفجار المعرفي والتقني. وربما مشاغل ومشاكل الإنسان في قادم الأيام تجعله يخضع لصيرورة الحياة فيقبل على الأعمال الإبداعية المختصرة والتي ينفر كاتبها من الإطناب ومن التفاصيل الحياتية الوصفية ليوجز. يتفق الكثيرون أن القصص القصيرة جدا فن أدبي مراوغ ومخاتل ويحتاج إلى مبضع أديب ماهر.. وأنامل قاص بارع.. يلتقط الكلمات المناسبة بأناة وحرفة أدبية فائقة.. ليشكلها في مضمومة قصصية قصيرة تكون أشبه بالومضة البارقة والمؤثرة. ومن مميزاتها الغموض فهي عبارة عن لغز ثقافي مدهش ومستعصي عن الفهم المباشر.. توقد الذهن ليحاول القارئ أن يتهجاها ويفك رموزها ويفسر دلالاتها.. ورغم هذا وذاك مازالت القصة القصيرة تعيش كنباتات خضراء صغيرة وغضة.. تخشى أن تهشمها الأقدام القوية للرواية. ? في قصة “يقظة الموت” تقول “وهل يمكن لجسدي أن ينبت في الصقيع؟” هل ترى أن الحياة هي قصة المبدع الوحيدة أم عليه أن يبتكر ويخلق عوالمه وهل كان خلود الكاتب وبقاؤه هاجساً لك؟ ?? طرحت في قصة “يقظة الموت” أسئلة فلسفية عن الحياة والموت، الحرية والسجن، التفاؤل والتشاؤم، الضياء والظلام، الصمت والحديث، الوحدة والاجتماع، النهار والليل، الصمت والثرثرة، الواقع والهذيان، الصراع بين الداخل والخارج تسطي الجسد وتنصل مكوناته، العلاقة المتوترة بين الإنسان والموجودات التي حوله، الوقت وذوبانه، لأصل إلى عدة تساؤلات منها (النهار الكسول كعربة خشبية تجرها خيول هرمه نحو القمة) لأختم القصة بسؤال ثابت من صميم المعاناة هل الحياة أغلى من الموت ياسادة؟! لأترك للقارئ تفتيت السؤال إلى جزئيات بحسب قراءته والنافذة التي يشاهد من خلالها القصة والتي تتناسب وذوقه وفلسفته في الحياة، ومعين ثقافته. أرتال الحزن ? يغلب على نصوصك طابع الحزن أكثر من أي وجدانيات أخرى، ذلك الحزن الذي سيتسرب من الحنين والذكريات وملامح الشخوص، هل لهذا ظلال أخرى لم تنكتب داخلك أم أنها تتسرب إلى النص في لاوعي الكاتب؟ ?? كما يقال القصة تزدهر مع حياة المعاناة لأنها تتخذ شكل الومضة السريعة المؤثرة والحارقة، ويمكن أيضا أن ينبت الفرح من داخل غلاته الحزن، وحاولت أن أقدح وميض التفاؤل من بين أرتال الحزن ومن بينها قصة بعنوان “أرق الورد على الجليد” فرغم خسارة الجليد وعدم تواؤمه فيزيائياً وميكانيكاً مع نمو النبات إلا أن روح التفاؤل تجعل من الممكن أن تورق الورد على المساحة الجليدية لتصبح نضرة.. والقصة هي التي تسوق في بعض الأحايين وتدفعه لأن يسير تلقائياً وفق ما تريد هي وتحدد نهايتها بنفسها لذا لا أبرئ نفسي من الحزن إلا أن هذا لا يعني أبداً أنني لا أتوق إلى الضياء، الشمس، الفرح، السعادة. ? هل تعتقد أن القصة الحديثة وكتاب الحداثة في القصة في السعودية حققوا نجاحات ومنعطفات مهمة ونحن نرى نجاحاً في مجالات الشعر والنقد وهل سيكون الزمن القصصي هو الزمن القادم؟ ?? نعم تسير القصة القصيرة، والرواية، والشعر في خطوات متوازية من النجاح على المستوى الداخلي أو الخارجي والقصة القصيرة في تصوري أكثر نضجاً رغم ما تحققه الرواية من نجاح وهناك من الكتاب البارزين الذين جمعوا بين الجنسين الأدبيين مثل الراحل الروائي عبدالعزيز المشري والروائي عبده خال والروائي إبراهيم الناصر وغيرهم. أما في مجال القصة القصيرة فقد احتوت انطولوجيا الأستاذ خالد اليوسف أسماء مضيئة تؤكد أن السعودية حققت مدى واسعاً في هذا الجنس الأدبي الجميل. ? إلى أي مدى هي علاقتك مع اللغة التي يبدو أنك تعمل عليها لتكون الصورة والمخيلة التي تخصك؟ ?? أذكر أن ناقداً متخصصاً هو د. محمود أبو الفتوح العفيفي كتب قراءة نقدية وعنونها “فضة مجموعة قصصية لجمعان الكرت الغامدي بطلتها اللغة”، وقراءة نقدية للدكتور معجب العدواني بعنوان: “حين يتحول النص الى فضة” قال في سياق القراءة “وتشكل هذه اللغة الجزء الأكبر وهي تحمل الجانب النصي المؤنث القمري المنفعل، أي أن هذا الجزء يتسق مع الفضة في كونها منفعلة لا فاعلة، ليلية لا نهارية. أما اللغة الأخرى فهي اللغة التي اختار فيها الكاتب أن يتحول سارده إلى شاعر في القسم الثاني من النص (الفقرة الأخيرة تحديداً) إذ يقول السارد الشاعر الذي رمى لبوس الفضة وارتدى الذهب، ومضى الليل كسكينة ثلمة تقطع تلابيب الوقت، واستمر الليل بعباءته الطويلة وتراخت عقارب الساعة كأن من يدفعها إلى الوراء.. ومضى ليل كليل امرئ القيس بأمواجه وأهوال وأحزانه، شعرت وكأن على رأسها صخرة ضخمة، طوحت برأسها الصغير المثقل بالأوجاع والهموم والأحزان، على المخدة وفي نحرها نشب سؤال حاد وجارح.. من ينقذني؟ من ينقذني؟. لقد آثر هنا أن يخرج من مأزق السرد عبر لجوئه إلى تلك اللغة الشعرية المكثفة، وذلك انطلاقاً من تلك العلاقة الضاربة في العتاقة بين الشعر والذهب، يعود الكاتب هنا إلى الأمل بأن يطرح حلاً لغوياً بعد أن توقف السرد عن إنقاذ (فضة) من مصيرها المحتوم”. وبطبيعة الحال فاللغة هي المقوم الأساس لنجاح أي قصة لأنها الوسيلة التي تربط القاص بالمتلقي على سائر أنحاء الوطن العربي، وكلما كانت اللغة تنضح بالجماليات، كان ذلك مؤشرا لنجاح القصة مع ضرورة التواؤم مع أحداث القصة. ? هل تمارس أحيانا دور الناقد على نصوصك أم أن هذا يسجن إبداعك ويحيطه بسياج؟ ?? لا أخفيك أنني لم أعتد على ممارسة دور الناقد على نصوصي القصصية، إذ أن تضخيم الرقيب الذاتي يقلل من مساحة الإبداع فالقصة هي التي تراقب ذاتها. ? لديك موقع شخصي على شبكة الإنترنت من خلاله نقرأ جديدك ومقالات نقدية كتبت عن تجربتك.. ماذا أضاف الإنترنت للمبدع برأيك؟ وهل أضاف للمبدع السعودي على وجه التحديد؟ ?? هي تجربة جيدة بالنسبة لي ويضم الموقع الخاص إصداراتي القصصية ومقالاتي الأدبية والاجتماعية، فضلاً عن القراءات النقدية التي كتبت عن نتاجي القصصي كما أتلقى العديد من الرسائل الإلكترونية والتي تتفاوت مابين المدح والقدح وجميعها أتلقاها بكل الود والمحبة والسرور من الجميع. ? وماذا أضافت تجربة النادي الأدبي في الباحة لك كإداري ونائب للنادي لمدة طويلة؟ وكيف ترى مجتمع القرية في الباحة ومدى استيعابه للإبداع وتفاعله مع النص الحديث ومع ماتكتب؟ ?? انتخبني أعضاء مجلس الإدارة نائباً لرئيس النادي الأدبي بالباحة وهي مهمة جسيمة جداً، خصوصاً وأن من أبرز مهام النادي نشر الأدب والثقافة وتشجيع ودعم المبدعين، وبرامج ونشاطات النادي تمتد على مدار العام بإقامة المناشط الثقافية المتنوعة إرضاء لجميع الأذواق والمشارب والأطياف، ونجح النادي في تنظيم ملتقاه الأدبي الثقافي عن الرواية إذ أخذ بعداً كبيراً على مستوى المملكة والوطن العربي والنادي بصدد الاستعداد لتنظيم ملتقى الرواية الرابع تحت عنوان “تمثيلات الآخر في الرواية العربية” وقد وجهت الدعوة لعدد من البارزين في مجالي الرواية والنقد على مستوى الوطن العربي. ورغم ما يقوم به النادي من برامج متنوعة إلا أننا نتوق للأفضل لتشمل كافة محافظات الباحة في السعودية. ? هل كانت هناك فجوة ما؟ وهل حقق النادي برأيك تواصلا ملموساً مع المجتمع بكافة شرائحه؟ ألا يعيق العمل الإداري ويسلب الكثير من وقت المبدع وجهده؟ ?? لا يمكن أن يحقق النادي رضا جميع الأطياف الثقافية إلا أننا سائرون فيما تتحقق أهداف النادي ومن بينها نشر الأدب والثقافة وتوثيق أواصر الصلات بين الأدباء والتعاون مع الجهات ذات العلاقة فيما يخدم الثقافة والمثقفين، فضلا عن تشيع المواهب الأدبية الشابة ورصد الجوائز للأعمال الإبداعية. وبكل تأكيد أن العمل الإداري يعيق المبدع، لأنه يصرف ذهنه وطاقاته إلى مايخدم المؤسسة الثقافية التي يعمل بها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©