الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أوليفيا لاينغ حارسة المدينة الوحيدة

أوليفيا لاينغ حارسة المدينة الوحيدة
19 يونيو 2018 22:03
محمد عريقات (عمّان) يقال إن تعريف الوحدة على أنها انعزال إنسان جسدياً عن الناس، بغض النظر إن كانت اختيارية أو قسرية هو تعريف بسيط وسطحي مقابل تعريفها على أنها حالة من انقطاع النسغ، وانعدام إيجاد آلية تواصل بين الإنسان ومحيطه حتى وإن كان هذا المحيط يضج بالأهل والأصدقاء فما الفائدة منه إذا غاب الانسجام وبرد وهج الألفة بينه وبينهم؟ هناك الكثير من النماذج التي ذهبت مع الوحدة إلى أقصى حدودها من أوساط الأدباء والفنانين، شخصيات عربية وتاريخية وأخرى معاصرة، مثلا الشعراء الصعاليك في العصر الجاهلي وهي جماعة انقطعت عن بيئتها ومجتمعها وشكلت خصوصيتها بممارسة الوحدة ،حيث إنهم يعيشونها على شكل عصبة أو جماعة. وهنالك في التاريخ العربي العديد من الفلاسفة والمفكرين آثروا الوحدة على المشاركة الاجتماعية، حيث تعمق لديهم شعور الغربة ليس فقط بعلاقاتهم مع الأشخاص بل أيضاً مع عصرهم وزمانهم مشتبكين مع الوحدة والعزلة المطلقة مما أنتج أدباً وفناً مختلفاً وغريباً بالضرورة عمّا أنتج في عصرهم وكان على مسافة شاسعة عنه ليس بالعسير على الدراسين تتبع هذه الظاهرة في الماضي والحاضر ظاهرة «أدب الوحدة». إن ما حفزني للكتابة عن الوحدة والتخطيط للبحث والاستقصاء عن عبقرييها من الفنانين والأدباء والمفكرين العرب قديماً وحديثاً هو كتاب أنهيت قراءته مؤخراً للكاتبة أوليفيا لاينغ تحت عنوان «المدينة الوحيدة.. مغامرات في فن اللقاء وحيداً» جمعت به، بالإضافة إلى تجربتها الخاصة مع الوحدة، سير غرائبية عن العديد من المشهورين في الأدب والفن في القرن العشرين مثل «جان ميشال باسكيا»، «ألفريد هيتشكوك»، «بيتر هوجار»، «بيلي هوليداي»، «نان جولدين»، «إدوارد هوبر»، «آندي وورهول»، «هنري دراجر»، و«دافيد فويناروفيتش» الذين جعلوا من وحدتهم مكاناً مأهولاً، وجعلوا من حجراتهم الضيقة مدنًا تضج بالأرواح ومن العزلة «مكاناً مميزاً جداً». تلفت المؤلفة في الفصل الأول من الكتاب الذي نقله إلى العربية المترجم محمد الضبع إلى أن هؤلاء المبدعين جعلوا من الوحدة ذات فائدة عظيمة جعلوها تمثل اللب داخل ما نقدره ومانحتاجه كبشر، كما أنها تروي حكايتها الشخصية مع الوحدة تلك الحكاية التي أقحم الأدباء والفنانون «الذين تم ذكرهم» حكايتهم فيها ليكونوا شخصياتها وليشاركوا المؤلفة وحدتها بإبداعاتهم من لوحات وروايات وقصائد وأغان، فـأوليفيا تروي قصتها منذ مغادرتها موطنها لندن وانتقالها إلى مدينة نيويورك، حيث عشيقها الذي قرر فجأة التخلي عنها لتجد نفسها وحيدة وغريبة لا رغبة لها بالعودة إلى موطنها ولا بالبقاء وكان كتابها هذا حصيلة هذه الرحلة التي دربتها على صنع مسافة شاسعة بينها وبين البشر. وترى المؤلفة أوليفيا أن الشعور بالوحدة أشبه بمكان مأهول، بل إنه مدينة بحد ذاتها، وترى بأن المرء حين يسكن مدينته الوحيدة يضل طريقه في البداية ولكنه مع مرور الوقت يتمكن من تطوير خريطة ذهنية خاصة به، مجموعة من الطرق المحبوبة، متاهة لا يمكن لأي شخص آخر أن يقلدها أو يعيد إنتاجها. وعن تجربتها الخاصة تقول: «ما كنت أبنيه لسنوات وما أشعر به الآن عبارة عن خريطة للوحدة بنيت بوساطة الحاجة والاهتمام إنها قطع من خبراتي وخبرات الآخرين. أردت أن أفهم ما معنى أن أكون وحيدة وكيف تعمل الوحدة في حياة الآخرين، وكنت أحاول أن أرسم حدود العلاقة المعقدة بين الوحدة والفن».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©