الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين... طفرة استثمارية في البرازيل

27 يوليو 2010 21:54
في ميناء "بورتو دي آكو" الممتد على طول الرمال الذهبية للساحل البرازيلي المطل على المحيط الأطلسي، والذي يبعد عن مدينة "ريو دي جانيرو" بحوالي 175 ميلًا إلى الشمال، تحاول الصين خلق واقع اقتصادي جديد. فعلى مقربة من الميناء يطالعك العمال منهمكين في بناء رصيف لاستقبال سفن صينية عملاقة تمد صناعة الفولاذ الصينية بالحديد، كما يمكن رؤية سفن الشحن التي ستتولى نقل النفط إلى بكين ليبدو الأمر وكأن مدينة جديدة من المصانع يتم تدشينها في الجزيرة التي تصل مساحتها إلى ضعف مساحة مانهاتن. وبالطبع تعتمد الكثير من الإنشاءات على الاستثمارات الصينية مثل مصهر الفولاذ وورشة بناء السفن، فضلا عن مصنع للسيارات، وآخر لصناعة معدات النفط والغاز الطبيعي. ولئن كان الميناء الضخم والمتكامل الذي تسعى الصين إلى بنائه على سواحل البرازيل الأطلسية يعكس طموحاتها خلال العقد الأخير والمتمثل في الوصول إلى البلدان الغنية بالموارد الطبيعية واستخراجها لتغذية قطاعها الصناعي، إلا أن المدينة الصناعية تبرز وجهاً جديداً بالنسبة للصين يتمثل في محاولاتها الدؤوبة للاستثمار في صناعات خارج حدودها. فالاستثمارات الكبيرة في البرازيل تعكس استراتيجية الصين الرامية إلى توسيع علاقاتها الخارجية، وتأمين الموارد الطبيعية لضمان النمو الاقتصادي، لذا تعتمد الصين على احتياطاتها المالية الهائلة، والتي تبلغ تريليونين دولار من العملات الأجنبية لتوجيه شركاتها إلى الخارج بحثاً عن الفرص الاستثمارية. هذا التواجد الكاسح للشركات الصينية التي تستفيد من الدعم الحكومي الرسمي دفعت البرازيل وباقي البلدان النامية إلى تغيير نظرتها إلى الصين، بل يرى بعض المحللين أن الولايات المتحدة تأخرت في إدراك دور الاستثمارات الصينية في إكسابها ثقلا سياسياً. ففي النصف الأول من السنة الجارية وصلت الاستثمارات الصينية في البرازيل إلى عشرين مليار دولار متجاوزة بعشر مرات استثماراتها السابقة، وهو ما يجعل الصين المستثمر الأول في البرازيل خلال العام 2010 مقارنة مع رتبتها 29 في العام 2009، ولم تقتصر الاستثمارات الصينية على السوق البرازيلية بل امتدت إلى باقي دول أميركا اللاتينية مثل البيرو، حيث ثلث الموارد الطبيعية تتحكم فيه أيد صينية، وفي اليابان تضاعفت عمليات الاستحواذ وشراء شركات محلية من قبل أخرى صينية بأربع مرات بين 2008 و2009. وفي هذا الصدد يقول "إيك باتيستا"، الملياردير البرازيلي الذي يقف وراء مشروع الميناء وأحد أغنى الرجال في العالم، "لا يريد الصينيون أن يُنظر إليه على أنهم يبحثون فقط عن الموارد الطبيعية، فبالنسبة إليهم يبقى الاستثمار أمراً طبيعياً". وقد امتدت الشركات الصينية إلى العديد من القطاعات الحيوية في البرازيل مثل شرائها لأسهم في شبكات تزويد الكهرباء، وقامت ببناء مصاهر للفولاذ ومصانع للسيارات وتطوير بنى تحتية، بل إن شركات الحبوب الصينية تفاوض حالياً لشركاء مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية تفوق 600 ألف هكتار لزراعة حبوب الصويا، بالإضافة إلى مد سكك حديدية متطورة للقطارات فائقة السرعة، ومساعدة البرازيل على تنفيذ خططها الطموحة لاستغلال احتياطاتها الكبيرة من النفط قبالة سواحلها والتي تقدر كلفتها بأكثر من 250 مليار دولار. وتعتمد الصين في دفع استثماراتها الخارجية وكسب موطئ قدم لها في العديد من الأسواق ومن ضمنها السوق البرازيلية على مجموعة من الوسائل والآليات يأتي في مقدمتها حسب الخبراء والمراقبين الطريقة التي تُبرم بها الصين الصفقات في أميركا اللاتينية وباقي البلدان والمتمثلة في استخدام التمويل، بحيث تقوم بكين بتوفير مليارات الدولارات من القروض بمعدلات فائدة منخفضة وعلى مدى زمني قد يصل إلى عشرين عاماً، فالتمويل والذي عادة ما يكون معقداً وغير واضح يمثل في الكثير من الأحيان 40 في المئة من تكلفة المشروعات، وهو ما يزعج المنافسين الغربيين، لا سيما أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي اتفقت منذ فترة طويلة على عدم استخدام التمويل كوسيلة للتنافس. وعلى سبيل المثال اشترت شركة "وهان" الصينية المتخصصة في صناعة الفولاذ 21 في المئة من شركات "باتيستا" بحوالي 400 مليون دولار وذلك من خلال قروض بسعر فائدة أقل من سعر السوق، وعن هذا الموضوع يقول "أوكتافيو لوزاكو"، مدير إحدى الشركات البرازيلية "بالنظر إلى حجم البنوك الصينية فإنها قادرة على دعم توسع الشركات الصينية في الخارج"، وبالرغم من التفوق التكنولوجي للشركات الأميركية العاملة في مجال النفط والغاز الطبيعي، إلا أنها لا تستطيع منافسة الصين في السوق البرازيلية عندما يتعلق الأمر بالتمويل، ففي بعض الحالات منحت الصين قروضاً تصل إلى مليارات الدولارات بنسبة فائدة أقل من واحد في المئة، وهو ما لا تستطيع الولايات المتحدة القيام به بموجب القواعد التي تفرضها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. على صعيد آخر لجأت البرازيل إلى الولايات المتحدة لمساعدتها على إنشاء بنكها الخاص في مجال التصدير والاستيراد، كما أن الحكومة باتت توافق بوتيرة أسرع على عقد صفقات الدمج لمنافسة الشركات الصينية، بالإضافة إلى استثمارها مليارات الدولارات لإحياء صناعة السفن، وقد كان لافتاً انضمام البرازيل قبيل انعقاد قمة دول العشرين خلال الشهر الماضي بكندا إلى كل من الولايات المتحدة والهند لمطالبة الصين بالسماح لعملتها اليوان بالصعود، وهو ما أغضب الصينيين حسب "مارسيل فورتينا بياتو"، مساعد الرئيس البرازيلي للشؤون الخارجية. جون بومفريت - البرازيل ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©