الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

صناعة المال وقدرة فذwة على استمرار تحقيق الربح

صناعة المال وقدرة فذwة على استمرار تحقيق الربح
19 يونيو 2018 20:46
كان العقد المنصرم سيئاً للقطاع المالي، حيث اتسم بركود كبير وبصعود صناديق المؤشرات وحفته المطالبات بشفافية أكبر. الشيء الوحيد الذي لم يتغير كان كم الأموال الذي تتقاضاه الصناعة من عملائها. ولا يجب أن يأتي نجاح العاملين في هذا القطاع في الحفاظ على ثبات دخلهم كمفاجأة. وببساطة، تمكن المصارف والوسطاء والمديرون الماليون من الحفاظ على دخلهم عند مستوى ثابت إجمالاً طيلة 130 عاماً وهو الأمر المبهر بكل المقاييس. ومصدر هذا القول هو توماس فيليبون الاقتصادي الفرنسي، الذي تلقى تعليمه في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا والذي يعمل الآن كأستاذ للدراسات المالية في جامعة نيويورك وكمستشار في السياسات النقدية للبنك المركزي في نيويورك. وجمع فيليبون كل مكونات صناعة المال من مصارف تقليدية ووسطاء البورصة ومديري صناديق النقد والمصارف الاستثمارية وغيرها، ثم قام بقياس حصة الصناعة المالية من إجمالي الناتج المحلي وضاهى النتيجة بمقدار الأصول التي تشملها الصناعة ككل. وتمثلت النتيجة التي خلص إليها فيليبون فيما يلي: منذ عهد السكك الحديد العتيقة وبرقيات التلغراف وحتى عهد الإنترنت والهواتف الذكية ظل ما تتقاضاه صناعة المال مقابل تحويل دولار من المدخرات إلى دولار من الاستثمارات يتراوح بين سنت ونصف إلى سنتين لكل دولار يمر في دورة صناعة المال. وقد اتخذت الصناعة إجراءات متنوعة وعديدة من أجل الحفاظ على تدفق المال من جيوب عملائها، لكن بمرور الزمن أصبحت المنتجات المالية أكثر بساطة وشفافية وأبخس ثمناً، ما حدا بصناعة المال لأن تبتكر منتجات جديدة أكثر تعقيداً وأغلى ثمناً وتنطوي على قدر أكبر من المجازفة. فعلى سبيل المثال تلقت صناعة إدارة الأصول ضربة تمثلت في الارتفاع اللافت لصناديق المؤشرات والتي لا تكلف العميل سوى مصاريف زهيدة. لكن العملاء الذين استفادوا من هكذا خيار بخس لم يتوانوا عن الاستثمار في صناديق التحوط والأسهم الخاصة والمنتجات المهيكلة غالية الثمن. ماذا كانت نتيجة هذا؟ تلقت صناعة المال في عام 2003 حوالي 36 سنتاً لكل 100 دولار قامت بإدارتها وفقاً لمجموعة بوسطن الاستشارية. ويختلف الحال في معظم الصناعات الأخرى التي تقدم اليوم منتجات أرخص بكثير أو أعلى جودة مما كانت تنتج قبل 130 عاماً. وفي ورقة بحثية بعنوان «مقارنة بين صناعة المال وبين وول مارت» يقول توماس فيليبون، إن الاستثمارات في مجال التكنولوجيا التي قام بها تجار التجزئة والجملة على مدى الخمسين عاماً الماضية جعلت قطاع التجارة أعلى إنتاجية وفي نفس الوقت قلصت حصة القطاع التجاري من إجمالي الناتج المحلي. أما ما حدث للقطاع المالي فكان مختلفاً: لقد تضخم هذا القطاع وصار أكثر تعقيداً. ولعل ثمة فوائد اجتماعية انطوى عليها ذلك التغيير. فعندما بات الإقراض الآمن أكثر كفاءة وبالتالي أقل ربحاً للمُقرض بحث رجال المال عن الربح لدى العملاء غير المضمونين ممن تلف أوضاعهم المادية المخاطر وكبدوهم مصاريف أعلى وحملوا قروضهم نسب فوائد أعلى من غيرهم، كل هذا وسّع من نطاق من يمكن شمولهم في دائرة الإقراض سواء من الأفراد أو الشركات. هذا النوع من تعميق وصول الخدمات المالية في المجتمعات مفيد للاقتصاد لكنه لا يخلو من مجازفات. وشهد العالم انهيارات مالية كبرى من جراء النمو السريع في حجم وانتشار القروض. وكان من شأن أدوات كإلزامات الدين الجانبية أن تعيد تغليف نفس القرض أكثر من مرة بينما تضيف إليه في كل مرة مصاريف جديدة وتخفي ما ينطوي عليه القرض من مخاطر بدلاً من كشفها. وهناك أدوات أخرى كالاتجار فائق السرعة مثلاً والذي لا يحقق شيئاً سوى نقل الربح من تاجر لآخر، هذه الأدوات لا تلحق ضرراً بالاقتصاد بيد أنها لا تضيف أي قيمة فعلية. وأحدث الجهود الرامية لتعزيز دخل القائمين على صناعة المال تتمثل في الأسهم الخاصة والإقراض الخاص والذي ينتقل بالصفقات من مجالات معروفة وشفافة كأسواق الأسهم والسندات والمصارف المراقَبة جيداً إلى مناطق أخرى أقل شفافية وكفاءة تتم فيها صفقات مباشرة. وعندما تكون الأصول أقل سيولة والمعلومات غير متاحة يسهل تحقيق ربح أكبر. وقد تضاعفت الأصول في أسواق رأس المال الخاصة ثلاث مرات منذ عام 2006 حتى وصلت إلى 4.8 تريليون دولار. وبإمكان الصناديق الخاصة أن تدر عوائد ضخمة على من يستثمر فيها لكن بالإمكان أيضاً أن يخسر المستثمر مقدارا هائلاً من المال من جرائها. وإجمالاً تنافس الصناديق الخاصة أسواق المال العامة. لكن الصناديق السلبية أدرّت 6% فقط من دخل صناعة المال في عام 2016 في حين حقق المديرون البدلاء 42% من إجمالي الدخل في تلك الصناعة رغم أنهم أداروا أصولاً أقل، وهذا حتى قبل حساب الرسوم التي تقاضوها على كفاءة أدائهم. وفي قطاع إدارة الثروات تمكن المصارف والوسطاء من تفادي الضغط على عمولتهم ومصاريف إدارة الصناديق التي يتلقونها من خلال انتشار الحسابات التي تدار مقابل رسوم. ويقول مايكل سبيلاسي الشريك الرئيسي في شركة أكسنتشر لإدارة الثروات العالمية إن الوسطاء الذين يديرون أصولا بقيمة تصل إلى 500 مليون دولار مقابل أتعاب سنوية تبلغ 1% سيحققون أرباحا أكبر من مصدر آخر هو فرض عمولة على بيع وشراء الأسهم. وتتسم الحياة المالية لبعض الأفراد بالتعقيد وهم لذلك يحتاجون فعلاً لهذا النوع من النصيحة. لكن في حالات كثيرة يدفع المستثمر مقابل نصائح ومنتجات لا يحتاجها فقط لأن أفراداً أذكياء جداً نجحوا في إقناعه بأنه في حاجة ماسة إلى خبرتهم. وتتميز صناعة المال بأمور عديدة، لكن من أهم مميزاتها وأشدها إبهاراً قدرتها الفذة على الحفاظ على بقائها. * الكاتب: بول ديفيز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©