السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإمام البقاعي حارب الخرافات فاتهموه بالفسق

11 مايو 2012
(القاهرة) - كان الإمام البقاعي أحد أوعية العلم الكبار، ومن الأئمة المتقين المتبحرين في جميع المعارف في القرن التاسع الهجري، ولنبوغه لقبوه بالإمام الكبير برهان الدين، وسبق بمصنفاته عصره وتسبب رفضه للتقليد والتعصب والجمود في اتهامه بالكفر، وحاكموه واضطهدوه واضطر إلى الترحال. طالب للعلم ويقول الدكتور منتصر مجاهد - أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس- ولد إبراهيم بن عمر بن حسن بن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي، في سنة 809 هـ، بقرية من قرى البقاع في لبنان، ونشأ وترعرع بها، وطلب العلم منذ الصغر بحفظ القرآن وتلقى دروسه الأولى في علوم العربية والفقه والأصول والحديث والتفسير، وارتحل إلى دمشق طلبا للعلم والعلماء وسماع الحديث وعلوم الشريعة ودراسة الفقه من شيوخه وأعلامه، ودخل بيت المقدس وأخذ عن علمائها الثقات، وسافر الى القاهرة وقرأ على التاج بن بهادر في الفقه والنحو، وعلى الجزري في القراآت، وأخذ عن التقي الحصني، والتاج الغرابيلي، والعماد بن شرف، والسبكي، والعلاء القلقشندي، والقاياني، وأبي الفضل المغربي، ولازم الشيخ ابن حجر وتعلم على يديه، ولنبوغه نال إعجاب شيخه ابن حجر ورقاه وهو طالب وجعله قارئا للبخاري في حضور السلطان جقمق. وبرع في جميع العلوم وفاق الأقران، وبلغ مكانة كبيرة ومنزلة عالية في علوم القرآن والتفسير وعلم الحديث والجرح والتعديل، وكان ممن يشد إليه الرحال لسماع كتبه وأسانيده، وقد اعترف له معاصروه ومن جاء بعده بالعلم والفضل والتقدم، قال الشوكاني: “إنه من الأئمة المتقين المتبحرين في جميع المعارف، وبرع في جميع العلوم وفاق الأقران وتصانيفه شاهدة”، ووصفه السيوطي بانه: “العلامة المحدث الحافظ، مهر وبرع في الفنون ودأب في الحديث ورحل، وله تصانيف حسنة”، وقال فيه داود الأنطاكي: “وحيد زمانه ورئيس أقرانه وواحد عصره ونادرة دهره”، ويقول عنه ابن العماد الحنبلي: “المحدث المفسر الإمام العلامة المؤرخ، برع وتميز وناظر، وصنف تصانيف عديدة من أجلها المناسبات القرآنية، وبالجملة فقد كان من أعاجيب الدهر وحسناته”. سبق علماء عصره ويضيف مجاهد: خلف الإمام البقاعي مصنفات كثيرة في شتى العلوم يغلب عليها التصنيف في التفسير والتاريخ والحديث والقراءات والأدب، منها “إظهار العصر لأسرار أهل المصر”، و”عنوان الزمان في تراجم الشيوخ والأعيان”، و”مختصر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وثلاثة من الخلفاء الراشدين”، و”النكت الوفية بما في شرح الألفية”، و”مصاعد النظر للاشراف على مقاصد السور”، و”ضوابط الإشارة إلى أجزاء علم القراءة”، و”القول المفيد في أصول التجويد لكتاب ربنا المجيد”، و”الإعلام بسن الهجرة إلى الشام”، و”تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي”، و”تحذير العباد من أهل العناد”، و”نظم الدرر في تناسب الآيات والسور” ويعرف بمناسبات البقاعي أو تفسير البقاعي، واعتبره العلماء من أعظم ما كتب، حيث أنشأ علما جديدا يتحدث عن المناسبة بين الآية القرآنية وما قبلها وبعدها، والمناسبة بين السورة وما قبلها وما بعدها، وهو علم يعتمد على فهم كامل للنسق القرآني وتدبر عميق للآيات وسور القرآن الكريم، اذ سبق فيه علماء عصره، الذين انصرف جهدهم الى تفسير القرآن نحويا ولغويا وإيراد الأقاويل ونقل الروايات حتى المتعارض منها واجترار ما قاله السابقون. ونال بسبب مؤلفاته أذى شديدا، وتعرض لمحن قاسية، فقد أنكر عليه العلماء المقلدون النقل من التوراة والإنجيل، وأغروا به الرؤساء فتعرض للاضطهاد، ويقول ابن الصيرفي: “وصنف كتابا في مناسبات القرآن فقاموا عليه وأرادوا إحراق الكتاب وتعصب عليه جماعة وأغروا به الأمير تمربغا”، ورموه بالكفر وأقاموا عليه دعوى عند القاضي المالكي، فعكف على كتابة رسالة يجيب فيها على أباطيل خصومه، ويفند ادعاءاتهم ويثبت جواز النقل من الكتابين، فاقتنع بها القاضي الزيني بن مزهر، فعذره وحكم بإسلامه. تعرضه لمؤامرة كبرى ولم تكد تنتهي محنته حتى اشعلتها نار التعصب من جديد بسبب تأليفه كتابين هاجم فيهما ابن عربي وابن الفارض وأنكر أقوالهما في عقيدة الاتحاد الصوفية، وأخذ الخلاف منحى جديدا عندما أعلن دعوته في جامع الظاهر بيبرس الذي كان يلقي فيه دروسه، ولم يقبل أتباعهما من الصوفية والفقهاء الذين كان لهم سطوة ونفوذ لدى الحكام المماليك هجوم الامام البقاعي، فحدث ما يعرف بـ “كائنة البقاعي وابن الفارض”، وذكرت المصادر التاريخية انه في عام 874 هـ، كتب الامام البقاعي رسالة فند فيها أقوال عمر بن الفارض وتتضمن الحكم بفسقه وتكفيره بسبب ما قاله في قصيدة التائية الكبرى وسلمها الى كاتب سر السلطان قايتباي. كما ارسل منها نسخا لبعض أصدقائه ومنهم ابن الديري، ولما علم الصوفية بما حدث، احتالوا للاطلاع عليها وفشلوا، وعندما علم البقاعي بحيلتهم أذن لهم بنسخ الرسالة بشرط أن يردوا عليها ردا علميا، فعجزوا عن الرد ولجأوا للمكر والتآمر، وألبوا عليه العوام والحكام ومعظم الفقهاء والطلبة بالجامع الأزهر، وتزعم الحرب ضده الشيخ عبد الرحيم الفارضي شيخ الطريقة الفارضية المنسوبة لعمر بن الفارض. واشتعل الجو بالغضب على البقاعي وتزايدت الشائعات والمؤامرات وكادت تخرج مظاهرات العوام لتحاصر بيته وينبهوه، ولم تفلح محاولات الامام البقاعي في الاتصال بالداودار الكبير يشبك بن مهدي أو حتى بالداودار الثاني تنبك قرا ليبين موقفه، ولم يقبل خصومه المجادلة واستمروا في تخويف الناس المتأثرين بالتصوف وتقديس أوليائه وتهديد العلماء لعدم نصرته، حتى استفتوا قاضي الحنابلة المعز بن نصر الله الكناني فكتب لهم بتكفير ابن الفارض وكل من تمذهب بمذهبه وأيده عدد من الفقهاء منهم البرهان بن العبري، ويقول البقاعي: “ثم عدوا من معي ستة قاضي الحنفية المحب بن الشحنة وولده السري عبد البر والكمال ابن إمام الكاملية وقاضي الحنابلة والبرهان اللقاني، ولما رأى الناس تطاول القضية وهم دابرون، أي منهزمون، ولا يظهر لهم أثر مع أني جالس في مجلسي على أحسن حال لم اجتمع بأحد علموا أنه لا قوة لهم فأطلق الله ألسنتهم بالثناء علي”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©