السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«تضامن المصالح»: هل ينجح في البلقان؟

11 مايو 2013 22:18
ديفيد فيليبس مدير برنامج دراسات حقوق الإنسان بجامعة كولومبيا الأميركية بعد أشهر من المباحثات التي رعاها الاتحاد الأوروبي، وقّعت صربيا وكوسوفو في 19 أبريل المنصرم على اتفاق لحل النزاعات المستفحلة في المنطقة، والتي تعود إلى صراع التسعينيات عندما انفصلت كوسوفو، وهي إقليم سابق من يوغوسلافيا، عن صربيا، وحصلت على الاستقلال بعد تدخل عسكري غربي. لكن الاتفاق، على ما يبدو، ليس كافياً لتكريس مصالحة نهائية بين البلدين البلقانيين، ولا هو من المتوقع أن يسهل انضمامهما إلى الاتحاد الأوروبي، والأسوأ من ذلك إقرار البلدين خلال الأسبوع الجاري بأنها فشلا في التوافق على جدول زمني لإنفاذ الاتفاق. ومع أن هذه الانتكاسة لا تشبه في شيء سنوات المجازر التي عمّت البلقان في تسعينيات القرن الماضي، إلا أنها تمثل استمراراً لفشل المنطقة في طي صفحة الماضي المضطرب والتقدم نحو الاندماج مع بقية أوروبا. فأغلبية شعب كوسوفو المقدر عدده بنحو 1.7 مليون نسمة، هو من العرقية الألبانية المسلمة، مع وجود أقلية مهمة من الصرب المسيحيين تعيش في شمال الإقليم وتحظى بحماية حلف شمال الأطلسي، كما تتمتع فعلياً بشبه حكم ذاتي يفصلها عن الحكومة المركزية في بريشتينا. ويقبل الاتفاق بأن تلعب صربيا، والتي لا تعترف باستقلال كوسوفو المعلن في عام 2008، دوراً مستمراً في حماية مصالح الأقلية الصربية في شمال كوسوفو، وهو ما يقسم البلاد عملياً إلى جزء ألباني في عمق كوسوفو ومحلق صربي في الشمال. والحقيقة أن الاتفاق ينطوي على عدد من الاختلالات؛ إذ بدلاً من رص الصفوف وتوحيد كوسوفو، فإنه يزيد من تكريس الأجندة القومية العنيفة لـ«صربيا الكبرى» التي دافع عنها الرئيس الصربي السابق سلوبودان ميلوسوفتش الذي قضى في محبسه بلاهاي أثناء محاكمته بجرائم ضد الإنسانية في عام 2006، وفي الوقت نفسه، فإن الاتفاق يدعم تطلعات «ألبانيا الكبرى» التي تضم العرقية الألبانية في كل من ألبانيا وكوسوفو ومقدونيا وجمهورية الجبل الأسود. وترجع المظالم والإشكالات التي تحفل بها منطقة البلقان إلى فترة الحكم العثماني الذي بسط هيمنته على المنطقة لقرون مديدة، ثم جاء بعده الحكم الشيوعي الذي قمع التطلعات القومية للعرقيات المتخلفة وصهرها في أتون يوغوسلافيا التي ضمت جميع الإثنيات والديانات، لكنها عادت لتنفجر في وجه الجميع بعد انهيار يوغسلافيا في 1991 و1992. وبينما أسهم التدخل الغربي العسكري في وضع حد للمجازر التي ارتكبت ضد المسلمين في البوسنة عام 1995 وكوسوفو عام 1999، إلا أن التدخل في حد ذاته لم يحل الخلافات السياسية بين دول البلقان لتظل مستمرة حتى هذه اللحظة. وكان من المفترض أن يمارس إغراء الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعض التأثير، ويساعد على تجاوز العداوات السابقة وطي صفحة الماضي، وقد نجحت بالفعل دول من يوغوسلافيا السابقة في حجز مقاعد لها داخل الاتحاد الأوروبي، مثل سلوفينيا التي كانت أول من التحق بالاتحاد في عام 2004، فيما ستلتحق بها كرواتيا في الأول من يوليو المقبل، ليبقى الآخرون خارج الاتحاد لعدم التزامهم حتى اللحظة بشروط الانضمام، وإن كانت كل من مقدونيا والجبل الأسود وصربيا تحمل رسمياً صفة «المرشح» للانضمام، فيما تتمتع كوسوفو والبوسنة والهرسك بمكانة «المرشح المحتمل»، على غرار ألبانيا. لكن، وكما أدركت تركيا فإنه من الصعب على الدول الأوروبية قبول دول ذات أغلبية مسلمة في ناديهم، هذا بالإضافة إلى المؤاخذات الأخرى التي توجه لبلدان البلقان، باعتبارها معقلاً لعدم الاستقرار، وملاذاً لتجار المخدرات ورجال العصابات. والأكثر من ذلك، تجددت الادعاءات التي لم تثبت حتى الآن وتعود إلى عقد التسعينيات، والتي تفيد بتورط بعض قادة جيش تحرير كوسوفو خلال حربهم مع الصرب، في عمليات تهريب أعضاء بشرية. لذا، وفيما يحدو الاتحاد الأوروبي هدف قديم ما زال مستمراً وهو تأسيس «أوروبا موحدة تنعم بالسلام»، ما فتئت منطقة البلقان تستعصي على هذا الحلم، لاسيما في ظل الشكوك التي تنتاب الكوسوفيين والصرب من احتمال انضمامهم في يوم من الأيام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما يفسر المظاهرات التي نزلت إلى شوارع بلجراد وبريشتينا بعد التوقيع على اتفاق الشهر الماضي بين البلدين. لذا يحتاج الغرب اليوم إلى مقاربة جديدة للتعاطي مع مشكلات منطقة البلقان، تتوسط بين التقسيم الكامل للمنطقة على أسس إثنية وتحويلها إلى دول مجهرية، وبين تحقيق حلم الدولة الأوروبية الكبرى الممتدة على عموم القارة. هذا الطريق الوسط يمكن تسميته «التضامن على أساس المصالح»، والذي من شأنه الحفاظ على سيادة الدول وحرمة الحدود، وفي الوقت نفسه ضمان تعاون الأقليات في المنطقة مع بعضها بعضاً في مجالات التجارة والنقل والتعليم والإعلام والفنون. وقد سبق للمبعوث الأممي، مارتي أتيساري، أن ضمّن هذا المقترح في تقريره النهائي حول كوسوفو عام 2007 عندما نص على تمتيع الأقليات بحقوق مهمة تشمل التحكم في الاقتصاد المحلي وتدبير شؤونها الثقافية والبيئية وغيرها. ومع أن صربيا رفضت وقتها الخطة، إلا أنها ما زالت تمثل أساس الحل الدائم في البلقان. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©