الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

شيلي .. قصة نجاح في مواجهة الخطر

24 مايو 2014 23:31
أندريس أوبنهايمر كاتب أرجنتيني متخصص في شؤون أميركا اللاتينية من بين الأسئلة الكبيرة التي تشغل بال مراقبي شؤون أميركا اللاتينية هذه الأيام هو ما إنْ كانت رئيسة شيلي ميشيل باشليه قد أخذت -مثلما يقول المنتقدون– تجنح ببلادها نحو «اليسار» بشكل راديكالي، الأمر الذي قد يعرِّض للخطر سمعة البلد باعتبارها تمتلك اقتصاداً متطوراً في المنطقة. إنه سؤال أخذ يطرحه العديد من الشيليين على أنفسهم. كما أن قطاع المال والأعمال، الذي كانت تربطه علاقة جيدة بحكومات «يسار الوسط» خلال العقدين الماضيين، وتعايش بسلام مع «باشليه» خلال ولايتها الأولى من 2006 إلى 2010، مستاء جداً من إصلاح «باشليه» الضريبي الكبير. «باشليه»، التي عادت إلى السلطة قبل شهرين بعد فوزها الكبير في الانتخابات بائتلاف جديد يضم الحزب الشيوعي، ترغب في زيادة ضرائب الشركات من 20 في المئة إلى 25 في المئة – وحسب بعض المقاييس، إلى 35 في المئة. ولكن أحزاب المعارضة، والمنتمين لقطاع المال والأعمال، وعدداً متزايداً من الأكاديميين يقولون إن الرئيسة ستقتل الدجاجة التي تضع بيضا من ذهب. ففي سعيها إلى جمع 8?2 مليار دولار من أجل تمويل التعليم العالي – وهو أحد الوعود الرئيسية التي قدمتها خلال حملتها الانتخابية – يقول المنتقدون إن باشليه تهدد بتقسيم البلاد أكثر من أي وقت مضى منذ نهاية الحكم العسكري الديكتاتوري في 1990 ووقف الاستثمارات الداخلية والخارجية. كما يقول المنتقدون إن الإصلاح الضريبي الحكومي لن يؤثر على الأغنياء جداً، فحسب وإنما على نحو 900 ألف شركة شيلية أيضاً. وفي هذا السياق، يقول «باتريسيو نافيا»، الأستاذ بجامعة نيويورك: «إن باشليه تلعب بالنار»، مضيفاً «في شيلي، كانت الإصلاحات دائماً تدريجية، وهو ما ساعد البلاد على النمو وخفض الفقر. أما اليوم، فيبدو أنها (باشليه) ترغب في تطبيق تغييرات جذرية، الأمر الذي يمكن أن يهدد الاستقرار والنمو». ويُظهر تقرير شهري للبنك المركزي الشيلي حول التوقعات الاقتصادية أُفرج عنه هذا الأسبوع أن معظم الخبراء يعتقدون أن البلاد ستحقق نمواً بـ3?2 في المئة هذا العام، مقارنة مع 3?4 في المئة التي كانوا يتوقعونها الشهر الماضي، و4?8 في المئة قبل 12 شهرا. كما خفض صندوق النقد الدولي مؤخرا توقعاته بخصوص نمو شيلي هذا العام، من 3?6 في المئة إلى 3?3 في المئة. ومن جانبها، استهلت مجموعة «أوراسيا جروب»، وهي مؤسسة استشارية أميركية لتقييم الأخطار السياسية، تقريراً جديداً لها حول شيلي كالتالي: «المسار على المدى القصير: سلبي»، «المسار على المدى الطويل: سلبي». والواقع أنه لأكثر من عقدين من الزمن، مثلت شيلي قصة نجاح أميركا اللاتينية من دون منازع. ذلك أنه منذ 1990، انخفض معدل الفقر فيها من 40 في المئة من السكان إلى 13 في المئة؛ وتضاعف نصيب الفرد من الدخل أربع مرات إلى قرابة 20 ألف دولار في السنة. كما أن معظم الترتيبات الدولية للتعليم والتكنولوجيا والتنمية الاقتصادية تضع الشيلي على رأس الترتيب في أميركا اللاتينية. وعندما سألتُ وزير الخارجية «هيرالدو مونوز» حول المخاوف بشأن مستقبل النموذج الاقتصادي الناجح لشيلي، رد قائلا: «هذا البلد سيحافظ على استقراره السياسي، وسيحافظ على استقراره الاقتصادي، وسيواصل احترام قواعد اللعبة، ولكنه يحتاج في الوقت نفسه لتغييرات مهمة حتى يتسنى له الحفاظ على استقراره مع مرور الوقت. ولهذا، فإننا في حاجة للإصلاح الضريبي من أجل تمويل إصلاح التعليم، وتمويل إصلاحات اجتماعية أخرى بهدف تقليص التفاوت». وأضاف قائلا: «إن الشيلي واحدة من بين البلدان الـ15 في العالم التي لديها أكبر معدلات تفاوت من حيث الدخل»، مشيرا إلى أن الاحتجاجات الطلابية الضخمة التي اندلعت العام الماضي كانت مدعومة في معظمها من قبل آباء وأولياء المتظاهرين، الذين يدفعون واحدة من أغلى فواتير التعليم العالي في العالم. وجادل «مونوز» بأن الإصلاح الضريبي إنما يسعى للحفاظ على النموذج الاقتصادي الناجح للشيلي – وليس قتله. وإذا لم يتم القيام بأي شيء، فإن مشاعر الإحباط الاجتماعي يمكن أن تتحول إلى «شيء أكثر خطورة» وتهدد استقرار الشيلي، كما يقول. وشخصيا، أعتقدُ أن حكومة باشليه مُنحت تفويضاً لتقليص التفاوت. وانطلاقاً مما حدث في فنزويلا وبلدان أخرى، فإنها على حق في اعتقادها بأن التغييرات الاحترازية أفضل من التغييرات «الثورية»، التي تنتهي في أغلب الأحيان بكوارث اقتصادية. ولكن «باشليه» نسيت ربما أن العالم تغير منذ أن غادرت الرئاسة في 2010. ذلك أن الأسواق الناشئة لم تعد الوجهة المفضلة للمستثمرين الأجانب، والشيلي لم تعد البلد الوحيد المثير للاهتمام (المستثمرين) في أميركا اللاتينية. فالأسبوع الماضي، أخبرني الرئيس الكولومبي خوان مانويل سانتوس في حوار معه بأن بلده هو «أقوى اقتصاد في أميركا اللاتينية». والمسؤولون البيروفيون أخذوا يسوّقون لبلدهم مؤخرا باعتباره «الشيلي الجديدة». ثم إن إسبانيا وبلدانا أوروبية أخرى أخذت تتعافى وبدأت تجتذب الاستثمارات. وخلاصة القول إنه إذا لم تول باشليه انتباها أكبر لصورة بلدها أثناء انكبابها على معالجة الإصلاحات الاجتماعية الضرورية، فإن شيلي ستخسر الاستثمارات التي تحتاجها لمواصلة النمو. والحال أن باشليه تستطيع تحقيق كلا الهدفين، ولكن فقط إن هي حافظت على تقاليد الحوار والتغيير التدريجي. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©