الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العجز عن التواصل البنَّاء

14 مايو 2011 22:13
يتجلى انتشار التعبير السلبي والعنيف في العلاقات الفردية والاجتماعية بمظاهر شاذة تستدعي التأمل بالشعارات البراقة النابعة من حق حرية التعبير كجزء من الحقوق الإنسانية. فأن «يتهاوش» المصلون في مكان العبادة تعصباً أو رفضاً لفتوى ما، وأن تتلقى أكثر من مديرة مدرسة تهديدات «جماعية» من بعض مدرساتها، وأن تتحول بعض صفحات «التواصل الاجتماعي» إلى التجريح (بالاسم) وتعجز عن النقد رغم النوايا الحسنة، فذلك كله امتداد لخطاب ساد منذ زمن في الكثير من وسائل الإعلام العربية. تنغّص هذه الظاهرة عملية التحول نحو مجتمع التسامح وقبول الآخر. وانتشارها على هذا النطاق الواسع يؤشر عِلمياً إلى أنها أبعد من مجرد ممارسات قابلة للعلاج فقط بمحاضرات أو حملات توعية، خاصة وأن انتشارها يشمل مستويات مختلفة قد تشمل المنزل والمدرسة ومراكز القرار على حد سواء. الحوار البنّاء يعني أن نصل في نهاية كل محادثة وكل نقاش، في أي شكل كان، شخصي أو اجتماعي، مباشر أو عبر الوسائط، إلى نتيجة جديدة: معلومة أو رأي أو اتفاق على فعل. العجز عن الحوار لا يعني بالضرورة أن نوايانا كانت سيئة مسبقاً. فقد نملك من العاطفة ومن الغرائز ما يمكن أن يجعل كلمة واحدة (الكلمة الطيبة) تقلب نوايانا الشريرة رأساً على عقب. وفي المقابل قد نفتقد من الأساليب ما يجعل كلمة واحدة تخفي أو تقلب كل نوايا الخير. لكن ظاهرة العنف في التعبير واستمرار انتشارها على هذا النطاق الواسع يتطلب منهجياً العودة بالأمور إلى أبعد من الظاهر. نحن نختلف في التعبير لأننا لا يمكن أن نكون شخصاً واحداً. هذه مسلّم بها، والعجز عن الاتفاق يمكن أن يكون امتدادا لاختلاف الرأي والتعبير. هذا حق طبيعي. قد ينقطع التواصل، هذا أيضا حق. لكن عندما يتكاثر انتقال التواصل إلى مستوى العنف، لفظياً كان أم جسدياً، بين الأفراد أم بين الجماعات، فذلك يعني أن الأمر يتعلق ببنيان ثقافي وتربوي ولا يعود الإعلام إلا أحد وسائل تمثيل وإخراج ما يعتمل في الداخل. الغالب في تفسير خلفيات هذه الظاهرة هو أن الأزمة تتعلق بالثقافة أو التراث والتربية على الإكثار من الحقائق المطلقة والثابتة. لكن هذا التفسير ليس سوى فرضية من ضمن فرضيات أخرى. فحتى الذين تحرروا من تربية «الحقائق المطلقة» مثل بعض ما بات يسمى بالليبراليين، يعجزون بدورهم عن التواصل البناء مع غيرهم، فهم أو كثيرون منهم، يحطّون من قدر وقيمة خصومهم في الرأي لدرجة التسفيه وعدم التردد في إلغائهم أحياناً. هذا لا يعني أن التفسير المذكور خاطئ ولكنه لا يكفي. ما الفرضية الثانية إذن؟ الأرجح أننا نمر بمخاض طويل، وخلال هذا المخاض إما أن نعتبر حرية التعبير مثل جنين يجب رعايته وتغذيته بالعاطفة والود والحنان والتوجيه، من علماء دين ومن حكومات ومن «موجهي» الرأي العام وصنّاع السياسات الإعلامية والثقافية. وأما يصار إلى تقييد هذا التعبير كما كان عليه تاريخياً (في الغرب والشرق). لكن عندها قد يعوّض عن نفسه بأشكال أخرى قد تكون أكثر عنفاً. فما يجري الآن من تخبط في التواصل والتعبير ناتج على الأرجح عن مرحلة تاريخية سابقاً. د.الياس البراج | barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©