الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«طابعات البنادق» و«الحظر الاستباقي» في أميركا

24 سبتمبر 2016 22:58
هل يمكن للحكومة الأميركية أن تحجب ملفات البرمجيات الشائعة على الإنترنت التي قد تسمح لأي إنسان بأن يصنع بندقية هجومية باستخدام طابعة إلكترونية ثلاثية الأبعاد؟ لقد كان جواب محكمة الاستئناف عن هذا السؤال: نعم. وهو الجواب الذي يرى البعض أنه يمثل انتكاسة جديدة لمبدأ حرية الرأي، وانتصاراً لدعاة مراقبة وتقييد حمل الأسلحة. وقد رفضت المحكمة تعليق العمل بإجراء سابق تبنّته وزارة الخارجية يقضي بالتعامل مع أي نشاط لتناقل هذه الملفات على شبكة الإنترنت باعتباره يمثل تصديراً للأدوات والذخائر الحربية. وعلى رغم إمكان قبول الدافع الكامن وراء حجب هذه الطريقة لامتلاك السلاح، والتي لا يمكن تتبعها ومراقبتها، فإن المحكمة عالجت الموضوع بطريقة خاطئة. ولا يمكن للتوصية الأولى التي أصدرتها في هذا الشأن أن تصمد أمام النتائج المتوقعة من الإقدام على حظر نشر أي نوع من المعلومات على الإنترنت حتى لو كانت تنطوي على خطر كامن. ومن المعروف أن هناك منظمةً تملك موقعاً مفتوحاً على الإنترنت يشجع عامة الناس على الإبحار فيه من أجل التعرف إلى خصائص الأسلحة التي يسمح دستور الولايات المتحدة باقتنائها واستخدامها. وقد رأى القيّمون عليه ضرورة نشر برمجيات التصميم بمساعدة الكمبيوتر CAD مجاناً مع النصوص المكتوبة التي تسمح لأي إنسان بصنع قطع ومكونات البندقية AR-15، وهي النسخة نصف الأوتوماتيكية لبندقية M16 الحربية. وهذه القضية ليست من نسج الخيال. فقد سبق لتلك المنظمة أن نشرت على موقعها ملفات تسمح للمستخدم «بطباعة» مسدس وحيد الطلقة من طراز «ليبريتور» أو (المحرّر)، إضافة إلى الهيكل الأساسي للبندقية AR-15 الذي يحمل رقمها التسلسلي. ويمكن تركيب وصنع نسخة عملية من هذه البندقية باستخدام البلاستيك. وبهذا يمكن القول إنه بات في وسع أي إنسان أن يستخدم ملفات برنامج التصميم بمساعدة الكمبيوتر ويمتلك طابعة ثلاثية الأبعاد أن يصنع بندقية AR-15. والآن، لا يمكن لأحد أن يتنكّر للحق القانوني لكل أميركي في امتلاك طابعة الأسلحة ثلاثية الأبعاد بما في ذلك استخدامها في طباعة البندقية AR-15. كما أن من حق تلك المنظمة أن تنشر ملفّاتها حتى يطلع عليها الأميركيون داخل الولايات المتحدة. إلا أن المنظمة أرادت أن تضع ملفاتها على الإنترنت من أجل توسيع مدى انتشارها حتى على المستوى العالمي. وأثارت هذه المساعي انتباه وزارة الخارجية التي تتكفّل بتنظيم مبيعات الأسلحة الأميركية للدول المختلفة استناداً إلى النصوص المعمول بها في «قانون تصدير الأسلحة». وتعقيباً على هذا التطور الجديد، قالت مصادر الوزارة، إن الملفات المذكورة تنطوي على بيانات تقنية تندرج ضمن قائمة الأسلحة والذخائر الأميركية التي لا يجوز «تصديرها» للخارج على شكل منشورات محمولة على شبكة الإنترنت من دون الحصول على تصريح مسبق منها. وكان رد المنظمة على ذلك أن سارعت إلى توجيه طلب للمحكمة الفيدرالية المتخصصة لإصدار إنذار قضائي موجّه إلى وزارة الخارجية يدعوها إلى الكفّ عن محاولة تنفيذ قوانينها ضد نشر ملفّات طباعة الأسلحة على الإنترنت. ويرى المدافعون عن حق المواطنين الأميركيين في امتلاك الأسلحة أن القوانين التي تتقيد بها وزارة الخارجية تندرج في إطار «الحظر الاستباقي» الذي يحاكي منع الناس عن الكلام قبل أن ينطقوا بحرف واحد. ومن المعلوم أن «الحظر الاستباقي» هو إجراء ممجوج وغير محبّذ وفقاً لـ«قانون التوصية الأولى» النافذ في الولايات المتحدة لأنه يمثل عائقاً أمام توالد الأفكار. وعلى رغم هذه الاعتبارات القانونية، رفضت المحكمة الفيدرالية إصدار الإنذار المذكور لوزارة الخارجية. ولا يحق للحكومة أن تمنع تداول الأحاديث وفقاً لمحتواها وفحواها إلا إذا كان هذا المنع يندرج ضمن إطار مصالحها الحساسة وعندما لا تسمح بنود القانون بالحفاظ على تلك المصالح. ويمكن القول من حيث المبدأ، إن هناك مصلحة عليا في منع نشر وتوزيع بعض المعلومات التقنية التي يمكن استخدامها في ابتكار وصناعة الأسلحة، ولعل من أخطرها «الوصفة» المفصلة التي تساعد على صنع القنابل الذرية. إلا أن الكثير جداً من المعلومات المتعلقة بأساليب صناعة الأسلحة الخطيرة أصبحت متوفرة وشائعة في العالم أجمع، ومن أمثلتها الأسلحة الفردية الخطيرة وغير المسجلة في الدوائر الأمنية كالبندقية AR-15. ويضاف إلى كل ذلك أن الكونجرس، لم يمنع الأميركيين من صناعة قطع ومكونات البندقية Ar-15. وبما أن هذا العمل مسموح من وجهة النظر القانونية، فلا يجوز بأي حال حظر نشر وتوزيع المعلومات المتعلقة به. أما في ما يتعلق بموقفي الشخصي من هذا الجدل، فإنني لا أحبذ المنطق الذي تتحدث به المنظمة التي أشرت إليها عندما تدافع عن توزيع «الوصفات» المناسبة لصناعة الأسلحة التي لا يمكن مراقبتها والتي يمكنها أن تشكل خطراً على العالم. * أستاذ القانون في جامعة هارفارد ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©