الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بينظير بوتو... كيف أرادت باكستان؟

14 مايو 2011 21:54
تعرفت إلى بينظير بوتو في ثمانينيات القرن الماضي، لتتحول بعدها إلى صديقة عندما كنت أعمل في لجنة السياسة الخارجية بمجلس النواب. ومع توالي زياراتها المختلفة إلى واشنطن، توطدت علاقتنا وكانت تسعى وقتها إلى الانفتاح على السياسيين الذين يقاسمونها رؤيتها حول باكستان والقائمة على تقدير الديمقراطية وحقوق الإنسان، لاسيما بالنسبة للنساء اللائي يعانين الأمرين في بلد لا يضمن لهن حقوقهن، وعلى مدار السنوات الخمس والعشرين التالية، استمر الاتصال بيننا من خلال تبادل بطاقات المعايدة والرسائل الودية، ثم تبادل التعليقات حول قضايا المنطقة والعالم عبر البريد الإلكتروني. وعندما كانت تقوم بزيارات دورية إلى واشنطن كنا أحياناً نتناول الغداء، أو العشاء معاً ونناقش أمور السياسة والعلاقات الأميركية الباكستانية. وكان آخر لقاء لي مع بينظير بوتو خلال مأدبة غداء في واشنطن مع زوجها آصف علي زرداري الذي أصبح فيما بعد رئيساً لباكستان، وقد أبلغتني وقتها عن نيتها في العودة إلى باكستان من المنفى وطلبت مني مصاحبتها، وأذكر أني اعتذرت عن الطلب؛ أولاً بسبب تضارب المواعيد وثانياً بسبب خوفي من خطورة الخطوة التي تنوي بينظير الإقدام عليها. وعندما حذرتها من إمكانية بل احتمال استهداف حياتها وسط الأجواء غير المستقرة في باكستان، أكدت أنها ستتخذ كل الإجراءات الأمنية المناسبة لضمان حمايتها، وأن الدولة الباكستانية لن تقصر في ذلك. وقد أصرت بينظير على العودة إلى باكستان، رغم كل المخاطر المحدقة بها واحتمالات تعرضها للأذى، من أجل مباشرة الإصلاحات اللازمة وربما لتولي السلطة من خلال "حزب الشعب الباكستاني" الذي يعتبر الأوسع شعبية في البلاد. وفي العديد من المناسبات كانت بينظير تسهب في الحديث عن التأثير القوي الذي تمارسه الاستخبارات الباكستانية على الحياة السياسية في البلاد، وقدمت شهادتها الخاصة عندما انتخبت رئيسة للوزراء حول هذا التدخل، مشيرة إلى أنها كانت قليلة الحيلة في مراقبة الجيش وأجهزة الاستخبارات التي ظلت بمنأى عن المراقبة الحكومية. وباعتبارها إحدى المطالبات بضرورة محاصرة الأصولية والإرهاب، فقد كانت دائماً تستنكر العلاقة المتداخلة بين "طالبان" و"القاعدة" والاستخبارات الباكستانية، لأنها شعرت بتواطؤ الجميع في أفغانستان، وبتدخلهم المتنامي في الساحة السياسية الأفغانية، للعمل ضد المصالح الأميركية والغربية هناك. واعترفت لي أن حياتها ربما تكون في خطر لسعيها معالجة الاختلالات في أجهزة الاستخبارات الباكستانية. وللأسف فقد بات العالم يدرك اليوم إلى أي مدى كانت بينظير محقة في مخاوفها، فبعد شهرين على عودتها المظفرة إلى بلادها في أكتوبر 2007 قُتلت عقب إلقائها خطاباً أمام حشد من مؤيديها، ورأى العديد من أصدقائها والمراقبين أن الحكومة العسكرية التي كانت تدير البلاد في تلك الفترة، فشلت في توفير الحماية الضرورية لها. وسواء أكان هذا الفشل المأساوي في حماية بينظير بوتو وإنقاذ حياتها، بسبب الإهمال أم كان مقصوداً لغاية معينة، تبقى النتيجة أننا خسرنا سياسية باكستانية فريدة من نوعها، كانت قد تعهدت ببلد تقدمي وعلماني في منطقة تحتاج إلى هذه القيم والمفاهيم. والأكثر من ذلك، كانت "بوتو" محقة في موضوع آخر تبين صوابه في الفترة الأخيرة، فكثيراً ما قالت لي إنها تتوقع أن يكون أسامة بن لادن في إحدى المدن الباكستانية يعيش حياة مريحة، وليس كما يعتقد الأميركيون أنه مختبئ في كهف من كهوف أفغانستان، وأن من يحميه هي الاستخبارات الباكستانية، وهي الفرضية التي إن أثبتت التحقيقات صحتها، فلا شك أنها ستؤثر على العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد. والمشكلة أن العديد من الباكستانيين الذين لا ينظرون بعين الرضا إلى الولايات المتحدة، لأسباب عديدة منها ما هو متعلق بمعارضتهم لسياستها الخارجية، ومنها ما هو مرتبط بالتعصب الديني، سيرحبون بقطع بلادهم علاقتها مع أميركا، فيما الأميركيون من جانبهم ينظرون إلى باكستان على أنها حليف غير موثوق في الحرب على الإرهاب، ما يبرر إدارة الظهر للمنطقة والخروج منها نهائياً. لكن بينظير بوتو كانت أول من سيعارض هذه الخلاصة والتخلي عن باكستان، بل كانت ستدافع عن استمرار العلاقة بين البلدين رغم كل المشاكل القائمة والشكوك المحيطة بالطرفين، فهي تعرف كما يعرف العديد من المحللين أن باكستان بأسلحتها النووية وموقعها الاستراتيجي في المنطقة، تكتسي أهمية قصوى ويمثل استقرارها أمراً حيوياً ليس فقط لمواطنيها، بل لأميركا والعالم أجمع. ولا أدل على ذلك من الصعوبات التي تواجه أفغانستان وحاجة أميركا لمساعدة إسلام آباد لتأمين سحب قواتها من هناك. هذا بينما يحتاج الجيش الباكستاني لمساعدة الولايات المتحدة في دعم قدرته التسليحية من جهة، والوقوف مع البلاد في معركتها التنموية ضد الفقر والبطالة والفكر الأصولي المتطرف، من جهة أخرى. مايكل بارنز باحث في مركز السياسة الدولية بواشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©