الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

«حـرب صـادرات» سـياسية بين القاهـرة وموسكو ومطالب بهيئة وطنية تراقب الإنتاج والتصنيع

«حـرب صـادرات» سـياسية بين القاهـرة وموسكو ومطالب بهيئة وطنية تراقب الإنتاج والتصنيع
24 سبتمبر 2016 21:12
عبدالرحمن إسماعيل (القاهرة) تستدعي ما سمي مؤخراً بحرب «الإرجوت» بين القاهرة وموسكو بشأن استيراد القمح، وكذلك ما يشاع حالياً عن تشديد الرقابة أو حظر دخول «الفراولة» المصرية إلى أسواق غربية وعربية، تأسيس هيئة وطنية للرقابة على إنتاج وتصنيع الغذاء في مصر، حسب باحثين زراعيين وخبراء في صناعة الغذاء. وتراجعت القاهرة، أكبر مستورد للقمح في العالم (11 مليون طن سنوياً) منذ ثلاثة أيام عن قرار اتخذته السلطات الزراعية، يحظر استيراد أية شحنات من القمح مصابة بفطر الإرجوت الذي كانت تسمح بدخوله طيلة السنوات الماضية، ضمن النسبة المسموح بها عالمياً والمقدرة بنحو 0,05%، وذلك بعدما ردت موسكو أكبر مصدر للقمح إلى مصر، بحظر دخول الصادرات الزراعية المصرية التي تعتبر أكبر مستورد لها بنسبة 30%. وفطر الإرجوت ينمو على المحاصيل الزراعية مثل القمح والشعير، ويحتوى على مواد فعالة تختلف في تركيباتها وأثرها على الجسم، وقد يتسبب الفطر في الإصابة بالتسمم، خصوصاً لدى المرضى الذين يعانون أمراض الكبد والكلى، وينتشر الفطر في المناطق الزراعية الباردة، الأمر الذي دعا السلطات المصرية إلى إصدار قرارها بالحظر. خلط الاقتصاد بالسياسة وفسر اقتصاديون وسياسيون قرار الحظر المصري والتراجع عنه بعد أيام من صدوره، بأنه اتخذ طابعاً سياسياً في سياق حالة الشد والجذب بين القاهرة وموسكو، بسبب تلكؤ الأخيرة في استئناف الرحلات السياحية الروسية إلى مصر، منذ تعليقها قرابة العام عقب سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، خصوصاً أن القاهرة أوفت بكل الاشتراطات التي طلبها الروس بشأن تأمين المطارات المصرية. وتتكلف الموازنة المصرية سنوية ما يتراوح بين 16 - 20 مليار جنيه لاستيراد القمح، إذ لا يسد الإنتاج المحلي سوى 26% من حجم الاستهلاك البالغ 15 مليون طن، في وقت تعتمد غالبية المصريين في غذائهم على الخبز، مما يجعل مصر أكبر مستورد للقمح في العالم. وفي غضون يومين بين صدور قرار الحظر والتراجع عنه، فوجئت القاهرة بموجة من الأخبار المتداولة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بشأن حظر دول غربية منها واشنطن ودول من الاتحاد الأوروبي، ودول عربية منها السعودية والإمارات والكويت والأردن والسودان، دخول صادرات زراعية مصرية، في مقدمتها الفراولة إلى أسواقها، بعد ما تردد عن إصابة أميركيين عند تناولها، وإن كانت دول الخليج خصوصاً السعودية والإمارات نفت ذلك. وقال الخبير الاقتصادي د. أحمد أبو السعود، في أكاديمية السادات للعلوم الاقتصادية: «كان واضحاً منذ البداية أن قرار حظر استيراد القمح المصاب بفطر الإرجوت هدفه سياسي بالدرجة الأولى، يستهدف الضغط على موسكو للتعجيل باستئناف رحلاتها السياحية إلى مصر، حيث أدرك الجانب المصري أن الروس يماطلون في ذلك، رغم أن القاهرة نفذت كل الشروط التي طلبها الروس بشأن تأمين المطارات». وأضاف أن السلطات المصرية كانت تدرك تماماً عند اتخاذ قرارها بالحظر، أن لا سوق للقمح في العالم يخلو من فطر الإرجوت الذي تسمح به كل من منظمة الفاو، وهيئة الدستور الغذائي العالمي «الكودكس» ضمن نسبة 0,05%. وأفاد أن روسيا فهمت القرار المصري بأنه أداة للضغط عليها لحلحلة موقفها بشأن عدم استئناف الرحلات السياحية بين الجانبين، ولذلك ردت بحظر استيراد الحاصلات الزراعية المصرية، موضحاً أن الحظر الروسي والذي سبقته تحذيرات أميركية غير مؤكدة بشأن حظر استيراد الفراولة المصرية، خلق حالة من الفزع لدى دول عدة بشأن مدى سلامة المنتجات الزراعية المصرية. ودعا أبو السعود الحكومة إلى التعجيل بإقرار قانون إنشاء هيئة وطنية للرقابة على الغذاء في مصر، حيث أدت حالة الفوضى وضعف الرقابة على حد قوله إلى عدم اتباع كثير من المنتجين والصناع المصريين، المعايير المسموح بها في الإنتاج، خصوصاً السلع التي توجه للتصدير الخارجي. وثائق متبادلة وتقول توصيات تضمنتها وثائق حصلت عليها «الاتحاد» بين منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» ووزارة الزارعة المصرية في يوم 12 أبريل الماضي، ووثائق أخرى بين قطاع الطب الوقائي المصري ورئيس الوزراء شريف إسماعيل في يونيو الماضي، أي قبل صدور قرار الحظر بثلاثة أشهر، أنه لا توجد خطورة صحية من استيراد القمح المصاب بفطر الإرجوت، طالما أنه ضمن النسبة المسموح بها عالمياً والمقدرة بنسبة 0,05%. وقالت فيليا ارياجاوا خبيرة الفاو التي أرسلتها إلى مصر، للوقوف على أضرار القمح المصاب بفطر الإرجوت، إن الفطر لا يمكن أن يستوطن وينتشر في البيئة المصرية، إذ إنه لا يمكن أن ينبت في الأماكن ذات درجات الحرارة المرتفعة مثل مصر، الأمر الذي لا يمكن أن يتسبب استيراد شحنات القمح المصابة بفطر الإرجوت ضمن النسبة المسموح بها عالمياً 0,05% في خسائر اقتصادية، وهو ما يعني أن من غير الضروري التقدم باقتراح يقضي باتخاذ تدابير وقائية لإدارة مخاطر ضئيلة لا تذكر. وتقول وثيقة أخرى في شهر يونيو الماضي، موجهة من الدكتور عمرو قنديل رئيس قطاع الطب الوقائي في وزارة الصحة إلى المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء، إن وزارة الصحة توافق على المواصفة القياسية المصرية رقم 1601 لعام 2010 فيما يخص نسبة 0,05% للإرجوت، وذلك لعدة أسباب منها أن هذه النسبة تتفق مع ما جاء بتشريعات هيئة الدستور الغذائي العالمي«الكودكس»، والتي تشترك فيها 187 دولة إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وأن مصر عضو فيها، كما أن النسبة تتفق مع ما جاء في منظمة الأيزو العالمية رقم 7970 لعام 2000. وقالت الوثيقة، إن نسبة الإرجوت 0,05% هي للقمح الخام غير المعد للطحن، ويتم التخلص من هذه النسبة قبل الطحن من خلال عملية معالجة تشتمل على التبخير والتهوية والغربلة والنقاوة، ولا يسمح بوجود هذه النسبة من الإرجوت، مضيفة: «في حال إجراء دراسات علمية لتحديد مدى خطورة الإرجوت على الصحة العامة، فإنها تكون دراسات مستقبلية طويلة الأمد باهظة التكاليف تستغرق عشرات السنوات، لذلك فإن إجراء مثل هذه الدراسات لهذا الغرض ليس منطقيا من الناحية العلمية». لكن في المقابل، أظهرت نتائج دراسة أجراها قسم بحوث أمراض القمح في مركز البحوث الزراعية المصرية، شارك فيها 10 خبراء في أمراض القمح خلال أغسطس الماضي، أن آفة الإرجوت تتسبب في إحداث خسائر كبيرة لنحو 400 نوع من 600 نوع من العائلة النجيلية، أحد أشهر الفصائل النباتية والتي ينتمى إليها القمح والأرز والذرة والشعير والشوفان، مما يهيئ له سرعة الانتشار والاستيطان في البيئة المصرية. وأضافت أن الزيادة المرتفعة للأجسام الحجرية تؤدى إلى عدم صلاحية القمح للاستهلاك الآدمي أو الحيواني، إضافة إلى وجود بعض القلويات السامة التي تُسبب أضراراً جسيمة للإنسان والحيوان، على شكل أمراض كثيرة تؤدى إلى الإجهاض والتشنجات العصبية وضيق الأوعية الدموية في الأطراف، مما يسبب «غرغرينا» تؤدى إلى اسوداد الأطراف وموتها. رقابة مشددة وفي جانب حظر الصادرات الزراعية المصرية في عدد من الأسواق، قال المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، إن المنتجات المصرية من الخضر والفاكهة تتعرض لحرب شرسة أغلبها حرب شائعات بغرض تدميرها والتأثير على تواجدها في الأسواق العالمية، وفقا لبيان أصدره المجلس. وأضاف عبد الحميد الدمرداش رئيس المجلس: «لأول مرة تتعرض الصادرات لهذا الكم من الشائعات، ومن محاولات تشويه سمعتها الدولية، بداية مما أثير في أميركا مؤخرا من خلال بعض وسائل الإعلام الأميركية دون سند من الدقة» . وهو ما لفت إليه الباحث الزراعي المهندس علاء جاب الله في معهد البحوث الزراعية، مضيفاً أن كثيرا من أسواق التصدير أصيبت بحالة من الذعر، بعدما حظرت روسيا دخول الفواكه والخضراوات المصرية بدعوى عدم سلامتها الصحية، وإن كان الأمر لا يخلو من مبالغة، بسبب الخلاف السياسي بين القاهرة وروسيا حالياً حول مسألة عودة الرحلات السياحية بين البلدين. وأضاف أن الإنتاج الغذائي المصري سواء المحلي أو الموجه للتصدير يحتاج إلى رقابة مشددة من جانب السلطات المختصة، الأمر الذي يستدعي وجود هيئة وطنية لسلامة الغذاء كما هو معمول به في دول العالم كافة. السلطات تستعجل بناء «صوامع الغلال» القاهرة (الاتحاد) قاربت خطة الحكومة المصرية على الانتهاء من أعمال تطوير وتنفيذ 105 شون لتخزين القمح، وذلك ضمن خطة مشروعات صوامع الغلال التي تشارك فيها دولة الإمارات بإنشاء 25 صومعة ضمن أعلى المعايير العالمية. وحسب رؤية مصر 2030، التي تتبناها الحكومة، فإن مشروع الشون المطورة يستهدف رفع الطاقة التخزينية المتاحة، وتقليل نسبة الفاقد من الأقماح والحبوب المخزنة، حيث سيتم ربط تلك الشون بنظم تشغيل إلكترونية ذات مستوى عالٍ من الدقة يضمن سلامة ومتابعة عمل الشون وما تحتويه من أقماح. وذكرت الخطة أن دولة الإمارات تشارك في مشروع صوامع الغلال من خلال إنشاء 25 صومعة لتخزين القمح في 17 محافظة بطاقة 1.5 مليون طن من شأنها مضاعفة سعة تخزين القمح الحالية في مصر، إضافة إلى مشروع لدعم صناعات الألبان واللحوم من خلال توريد 100 ألف من رؤوس الماشية. وأفادت أن الخطة تتضمن أيضاً إنشاء 12 صومعة بطاقة تخزينية تصل إلى 60 ألف طن لكل صومعة لتصل السعة التخزينية الإجمالية إلى 720 ألف طن. ودعت منظمة الأغذية والزراعة «الفاو» في تقرير لها السلطات المصرية إلى السماح للقطاع الخاص بالاستثمار في مشاريع البنية التحتية اللوجستية الرئيسية المتعلقة بالحبوب، مثل المناولة في الموانئ، أو مرافق التخزين، بما يسهم في المساعدة في حل قضية الهدر الكبيرة، أحد تحديات قطاع الحبوب. وتقول الفاو إن المخازن التابعة للقطاع الخاص غالباً ما تستخدم في تخزين أكثر من سلعة، ويتم تشغيلها بصورة أكثر كفاءة مع عدد أقل من الموظفين، كما أن القطاع الخاص قادر على تحقيق إنتاجية أعلى من السلع وتوفير عمليات تخزين بتكلفة أقل. وتضيف: «على الرغم من أن الصوامع الحديثة أكثر تكلفة فإنها يمكن أن تسهم في تحقيق وفر يزيد على 43 مليون دولار سنوياً، مع ضمان تحقيق عائد سريع على الاستثمار وتكلفة أقل للميزانية المصرية». وتعمل وزارة التموين المصرية حالياً على إنشاء نقاط تجميع، ومرافق تخزين للسلع الاستراتيجية، وبناء شبكة لتجميع المحاصيل الزراعية وتخزينها في مواقع استراتيجية تغطي جميع أنحاء الجمهورية، وذلك تطبيقاً للبرنامج الحكومي حتى العام 2018، ضمن استراتيجية مصر 2030. ووفقاً للخطة، يستهدف مشروع مرافق تخزين السلع الاستراتيجية، مساعدة المزارعين على الوصول إلى الأسواق، وخفض الفواقد الناتجة من النقل والتخزين، كما يستهدف المشروع إنشاء مراكز زراعية لوجستية من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص. وتقول وزارة التموين في مشروعها، إن الهدف من وراء الخطة الجديدة تحقيق مكاسب من خلال التأجير أو التجارة، وتنمية المناطق المحيطة بالمراكز اللوجستية الاستراتيجية من خلال مشاريع صناعات غذائية كبيرة مثل صناعة صلصة الطماطم، والدقيق والزيوت، بالإضافة إلى صناعات صغيرة ومتوسطة مثل صناعة الذرة المجمدة والمخللات والزيتون. وقالت الوزارة إن الحكومة تعتزم بناء مركزين استراتيجيين للتخزين ونحو 33 نقطة تحصيل، فضلاً عن تطوير يستهدف الشركة القابضة للصناعات الغذائية والشركات التابعة لها، بهدف تحقيق الوفرة المطلوبة للسلع في الأسواق، بهدف المساعدة على استقرار الأسعار.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©