السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صفقة الغاز الروسية الصينية.. الخلفيات والدوافع الجيوسياسية

صفقة الغاز الروسية الصينية.. الخلفيات والدوافع الجيوسياسية
24 مايو 2014 00:30
فريد وير كاتب أميركي توصلت روسيا والصين لإتمام صفقة كبيرة لتصدير الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى عقود أخرى مرتبطة بالتكنولوجيا المتقدمة، في زيارة يريد بوتين من ورائها إثبات أنه لا يمكن عزل روسيا، أو الضغط عليها ودفعها للخضوع بفرض العقوبات الغربية عليها بشكل متزايد على خلفية الأزمة الأوكرانية. ولكن العديد من المراقبين يحذرون من أن الدوافع السياسية لهذه الصفقة تتجاوز فوائدها الاقتصادية، ولا تستقيم مع المنطق السليم، ولاسيما أن شركة الطاقة الروسية «جازبروم» قد لا تكون مؤهلة لتلبية احتياجات الصين وطلبها المتزايد على الطاقة في السنوات المقبلة، ما قد يعني الإخلال بالتزاماتها تجاه عملائها الأوروبيين من جهة، وإثقال كاهل دافع الضرائب الروسي من جهة أخرى. والحقيقة أن المفاوضات الروسية الصينية لاستكمال أكبر صفقة لبيع الغاز الطبيعي في التاريخ استمرت لأكثر من عقد تخللها كثير من المساومة والتفاوض حول السعر والطريقة التي سيتم بها تمويل الأنابيب المطلوبة لنقل الغاز، ولكن هذه المفاوضات وصلت نهايتها وفقاً لما قاله بوتين للصحفيين يوم الاثنين الماضي، حيث أعلن أنه وقع على عقد لإمداد الصين بـ 38 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنوياً على مدى ثلاثين سنة على أن يبدأ نقل الغاز في 2018. ويبدو أن الروس أرادوا من خلال صفقتهم تلك مع الصين التقليل من التكلفة السياسية المحتملة للتعامل الحصري مع الغرب، حيث يعتقد الخبراء في موسكو أن الولايات المتحدة على الخصوص أثبتت أنها شريك تجاري واقتصادي لا يمكن الاعتماد عليه بعد لجوئها إلى سلاح العقوبات للضغط على روسيا بسبب الخلافات السياسية الناشئة بين الطرفين. ومع أن الأضرار التي لحقت بروسيا جراء العقوبات الغربية على اقتصادها تظل ضئيلة، إلا الدروس المستخلصة من فسخ العقود، وتعطيل الإمدادات، وتجميد الأصول الروسية في البنوك الغربية على خلفية الاختلاف السياسي، أثرت على وجهة النظر الروسية وتدفعها لتنويع شركائها التجاريين. وهذا الأمر عبر عنه، أندري كليموف، نائب رئيس الغرفة الثانية في البرلمان الروسي، قائلاً: «من الواضح أن ما جرى في علاقتنا مؤخراً مع الغرب حثنا على البحث عن شركاء جدد، والأمر هنا لا علاقة له بالرغبة في الانتقام، بل هو فقط لأسباب عملية بحتة». كما أن الوجوه الليبرالية المرتبطة بالكرملين التي دافعت في السابق عن علاقات متميزة مع الغرب ودعت إلى عدم قطع الجسور معه، تجد اليوم نفسها في موقف صعب. وفي هذا السياق يقول، فلاديمير بورتياكوف، نائب مدير معهد دراسات الشرق الأقصى بموسكو: «إن هذه الصفقة مع الصين ستكتسي أهمية سياسية واقتصادية خاصة، وقد تخسر روسيا اقتصادياً من حيث السعر، ولكنها تحتاج إلى هذه الصفقة على كل حال»، مضيفاً أن «أولئك الروس الذين يدعون إلى تعزيز العلاقة مع الغرب فقدوا نفوذهم بعد الأزمة الأخيرة في أوكرانيا». ولا تقتصر الفائدة السياسية على موسكو، بل ترى بكين أنه من الأفضل تمتين علاقتها مع شريك يمكن التعويل عليه في وقت تتصاعد فيه خلافاتها الحدودية مع جيرانها، لاسيما فيما يتعلق بشريك يضمن لها إمدادات الطاقة ولا يخل بالتزاماته، وهو ما يؤكده بورتياكوف، قائلاً: «إن الأمر بالنسبة للصين يتعلق بالأمن القومي، ذلك أن الطرق البحرية التي يمر عبرها النفط والغاز الطبيعي غير آمنة وتظل هشة، ومن الأفضل الاعتماد على الطرق البرية التي تنقل الغاز مباشرة عبر الأنابيب». وبحسب تقارير الإعلام الروسي عن المفاوضات على السعر، ستدفع الصين سعراً يقارب ما تدفعته أوروبا الغربية نظير حصولها على الغاز الطبيعي، والأكثر من ذلك أن الصفقة على ضخامتها لا تمثل سوى جزء من «تحالف استراتيجي حول الطاقة» يشمل توسيع مبيعات الطاقة الروسية إلى الصين وانتقال حجمها من 90 مليار سنوياً في الوقت الحالي إلى 200 مليار دولار بحلول 2020. وبالإضافة إلى مجال الطاقة يدرس بوتين ونظيره الصيني، تشي جيبينج، الاتفاق على إقامة شراكة ثنائية لتطوير مروحيات وطائرات مدنية لكسر احتكار الشركات الغربية. وعلى رغم الدور الذي لعبه الخلاف الأخير بين موسكو والغرب بشأن أوكرانيا والقرم والعقوبات الناجمة عنه في تسريع التوجه الاقتصادي نحو الصين، إلا أن الفكرة ليست وليدة اللحظة، بل ترجع إلى تاريخ عودة بوتين إلى الكرملين قبل عامين، ففي 2012 طلب بوتين من شركة «جازبروم» تركيز مواردها على تطوير الحقول الشرقية على حساب نظيرتها الغربية وذلك بسبب تراجع الطلب في الدول الغربية المتخوفة من الاعتماد على روسيا. ولكن وفقاً للعديد من الخبراء قد لا تتمكن الشركة الروسية من تلبية احتياجات الصين حتى في ظل التصريحات السياسية المتحمسة، بل وحتى بعد التوقيع على الصفقة، وهو ما يشير إليه ميخائيل كروتخين، الباحث في شركة للاستشارات حول الطاقة بموسكو، قائلاً: «سيتعين على الصينيين الانتظار حتى تتمكن جازبروم من إنتاج ما يكفي من الغاز لضخه عبر الحدود، وهذا لن يتم إلا بعد 2020 في أحسن الأحوال». ويضيف الخبير أن تطوير حقول الشرق ما زال متأخراً وأي تحوير للإمدادات للسوق الصينية، قد يؤثر سلباً على عملاء آخرين تعول عليهم روسيا مثل اليابان، ليبقى البديل هو ضخ الغاز من مناطق روسية بعيدة في القطب الشمالي، الأمر الذي سيرفع من سعر الإنتاج. ويضيف كروتخين أن «بوتين يبدو مصمماً على بيع الغاز للصين، وقد أراد إتمام الصفقة الآن بكل الطرق، وهو في سبيل ذلك هو مستعد للتغاضي عن عوامل اقتصادية قد لا تكون في صالح روسيا، ما يعني أن دافعي الضرائب الروس سيكون عليهم تحمل دعم المستهلكين في الصين مستقبلاً، فأين المنطق في ذلك؟». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©