السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الضربات الإسرائيلية لسوريا: التحديات وهشاشة الرهانات

الضربات الإسرائيلية لسوريا: التحديات وهشاشة الرهانات
10 مايو 2013 22:32
دانيال بايمان - أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون الأميركية ناتان ساكس - زميل بمركز «سابان» بمعهد بروكينجز تأتي الهجمات الإسرائيلية الأخيرة ضد سوريا باعتبارها أحدث التطورات الدراماتيكية في صراع بدأ بالفعل في الخروج عن السيطرة والانزلاق إلى الفوضى، فخلال الأيام القليلة الماضية نقلت التقارير استهداف الطائرات الإسرائيلية لصواريخ أرض أرض كانت في طريقها إلى «حزب الله» اللبناني، بالإضافة إلى ضرب موقع آخر للصواريخ بضواحي دمشق. هذه الهجمات تُظهر مرة أخرى قدرات إسرائيل العالية في مجال الاستخبارات واختراقها لطرق مرور شحنات الأسلحة الإيرانية عبر الأراضي السورية وصولاً إلى لبنان. هذا بالإضافة إلى قدرة الطيران الإسرائيلي على ضرب الخصوم دون التعرض للعقاب أو انتظار الرد. لكن رغم القدرات الإسرائيلية التي تثبتها الهجمات الجوية وعمليات جمع المعلومات التي تستند إليها، فإنها تجازف بتحريض الآخرين على الرد وإغراق المنطقة في مزيد من عدم الاستقرار والاضطراب الذي قد يرتد ضدها في المستقبل. فبخروج جزء كبير من الأراضي السورية عن سيطرة نظام الأسد، تشعر إسرائيل بقلق بالغ من وقوع ترسانة الأسلحة النووية السورية في أيدي الجماعات السنية المتطرفة التي تقاتل الحكومة، مثل «جبهة النصرة»، أو في أيدي الجماعات المتحالفة مع إيران مثل «حزب الله». لذا فقد سعت إسرائيل من خلال استهدافها لصواريخ «الفاتح» الإيرانية، يوم الجمعة قبل الماضي، لتقليل هذا الاحتمال ومنع وصول الصواريخ إلى الخصوم، لاسيما وأن تلك الصواريخ تستطيع حمل كمية أكبر من المتفجرات، فضلاً عن دقتها ومداها البعيد. وخلافاً لادعاءات الأسد بأن هجوم إسرائيل يثبت دعمها للمعارضة، لا تسعى الدولة العبرية لترجيح كفة الثوار أو التسريع بإسقاط النظام، بل كل من هنالك أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة تندرج في إطار سلسلة طويلة من الهجمات العسكرية التي تسعى من خلالها إسرائيل إلى منع نقل الأسلحة التي قد تخل بميزان القوة مع «حزب الله». ومن تلك الأسلحة التي تخشاها إسرائيل الصواريخ الروسية المتقدمة من طراز أرض جو، والصوارخ الإيرانية أرض أرض من طراز «الفاتح 110»، والتي من شأنها رفع قدرة «حزب الله» على استهداف مدن الشمال الإسرائيلي، أو صواريخ أرض بحر مثل تلك التي استخدمها «حزب الله» بنجاح لضرب سفينة إسرائيلية في حرب يوليو 2006. وأكثر من ذلك، تندرج الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على مواقع عسكرية سورية في إطار تعطيل محور إيران سوريا «حزب الله»، لاسيما في ظل الدعم الإيراني القديم لـ«حزب الله» وإمداداه بمئات الملايين من الدولارات، فضلاً عن أنواع مختلفة من الأسلحة بما فيها الصواريخ المضادة للدبابات، والقذائف بعيدة المدى. أما سوريا فقد كانت على الدوام وسيطاً فعالاً بين إيران والحزب منذ تأسيسه في ثمانينيات القرن الماضي، كما ظلت نقطة عبور الأسلحة بين الطرفين. لكن الضربات الجوية الإسرائيلية، ورغم فوائدها الأمنية، تطرح في المقابل مجموعة من التحديات باعتبارها مقامرة حقيقية لثلاثة أسباب أساسية: أولاً تراهن إسرائيل على عدم رد سوريا، فالدولة العبرية كانت على الدوام المشجب الذي تعلق عليه بعض الأنظمة العربية مشاكلها الداخلية وتصرف الانتباه عن فقدانها للشرعية، لذا ليس من الصعب في هذه المنطقة من العالم تصوير أي خصم على أنه عميل للكيان الصهيوني، وهو بالضبط ما يفعله بشار الأسد سيراً على خطى والده من قبله، حافظ الأسد، حيث لجؤوا جميعاً إلى دعم «حزب الله» و«حماس» وغيرهما من التنظيمات باسم إسناد المقاومة، فيما الهدف الحقيقي تسجيل نقاط لمصلحتهم في الداخل ولدى العالم العربي، وفي ذات الوقت صرف الانتباه عن إشكالات الاستبداد الداخلي والفشل الاقتصادي. لكن القادة الإسرائيليين يعتقدون أن الخطاب المتحجج بسياساتها بات متجاوزاً، فعندما ضربت إسرائيل مفاعلاً نووياً سورياً في عام 2007، التزم الأسد وزبانيته الصمت ولم يجرؤوا على الرد، وهو ما يراهن عليه اليوم أيضاً الإسرائيليون الذين يرون بأن الأسد منغمس في صراعه الداخلي، فيما جيشه ضعيف، ويعاني من هجمات المعارضة، كما أن خسارة جديدة في مواجهة محتملة مع إسرائيل ستفقده قوات النخبة التي يحتاجها بشدة، بل بلغ مستوى الثقة الإسرائيلية في النفس إلى حد سفر نتنياهو إلى الصين مباشرة بعد الهجمات على المواقع السورية دون انتظار ما ستسفر عنه التطورات. ولأن الهجمات أظهرت من ضمن ما أظهرت عجز نظام الأسد عن حماية السيادة الوطنية لبلاده، فقد سارعت قوى المعارضة لاستغلال هذه النقطة موجهةً سهام النقد للنظام الذي أضعف الجيش بزجه في صراع عبثي مع الشعب لدرجة لم يعد فيها قادراً على صد الأخطار. لكن حسابات النظام التي دفعته حتى هذه اللحظة لضبط النفس وعدم الرد، وهو ما تعول عليه إسرائيل، قد تتغير إذا ما انزلقت قبضة النظام أكثر مما هو عليه الحال الآن. وكما يؤكد الخبير في شؤون الشرق الأوسط، كنيث بولاك، فإن الأسد ما فتئ يعتقد حتى هذه اللحظة بأنه قادر على كسب الحرب، لكن إذا خامره اليأس سيكون أكثر استعداداً لاستخدام كل ما لديه لمنع الهزيمة، ومع أن الهجوم على إسرائيل يمثل خطوة انتحارية، إلا أن الأسد في ظل اليأس قد يلجأ إلى ذلك. أما الرهان الإسرائيلي الثاني فيتعلق بـ«حزب الله» الذي لا يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنه سيرد، فمنذ الحرب الدموية عام 2006 ظلت الحدود اللبنانية الإسرائيلية هادئة، حيث أسكت «حزب الله» كل مدافعه، خشية أن يؤدي أي استفزاز إلى حرب أخرى قد يلام عليها. بيد أن الأمور تغيرت مع الحزب، خاصة بعد انخراطه الواضح في الصراع السوري ومقاتلة قواته جنباً إلى جنب مع قوات الأسد، ما جعله يفقد شعبيته داخل لبنان ولدى الرأي العام العربي على حد سواء. وفيما كان ينظر إلى «حزب الله» في السابق على أنه بطل حقيقي لمواجهته إسرائيل، بات ينظر إليه اليوم على أنه مناصر لسفاح يقتل شعبه. هذا بالإضافة إلى تراجع شعبيته في لبنان بعدما أصبح محط انتقادات المعارضة وانكشف ادعائه بأنه يمثل جميع الطوائف لاتضاح صلاته بإيران. ويبقى الرهان الثالث والأخير الذي تعول عليه إسرائيل هو ثقتها في منع الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة انهيار الدولة السورية ومنع وصول الحرب إلى هذا الحد، فبالنسبة لإسرائيل يبقى السيناريو الأسوأ من سقوط الأسد هو حيازة «حزب الله» لترسانة النظام من السلاح الكيماوي، أو سيطرة «القاعدة» والتنظيمات الموالية لها على مساحة واسعة من الأراضي السوية لتغرق البلاد في أتون الفوضى. ففي هذه الحالة ستتحول سوريا إلى حاضنة للجماعات الجهادية على الحدود الإسرائيلية، وهو وضع أسوأ من مواجهة «حزب الله»، فهذا الأخير تسطيع إسرائيل ضربه متى شاءت لأنها تعرف عنوانه وتستطيع تكبيده خسائر جسيمة، بينما لا تستطيع التعامل مع «القاعدة» لتشتتها وعدم اكتراثها بالخسائر البشرية التي يتكبدها المدنيون. وهنا ليس أمام إسرائيل والولايات المتحدة، وحتى الحلفاء في المنطقة، سوى الدفاع عن مصالحهم المشتركة في سوريا مع إدارة الأزمة والحؤول دون خروجها من البلد، ما يحتم تدخل الولايات المتحدة للعب دورها، لاسيما في ظل كثرة المتدخلين وضرورة ضبط إيقاع المصالح حتى لا تتعارض. وعلى الأقل يتعين على واشنطن، إذا كانت مصرة على عدم لعب دورها، التنسيق بين القوى المختلفة على الساحة السورية لضمان عودة الحد الأدنى من الاستقرار في سوريا بعد سقوط الأسد. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©