الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

صراع القيم أم مصارعة تقليدية؟

صراع القيم أم مصارعة تقليدية؟
10 مايو 2012
يعد فيلم “موسم لمشاوشة” من الأفلام المغربية القليلة بل النادرة التي تتناول التاريخ والتراث المغربي، فرغم تعاقب عدة دول وحضارات على حكم المغرب وتسجيل عدة أحداث فارقة في تاريخ منطقة شمال افريقيا على ارضه فان التاريخ لم يحظ باهتمام المخرجين ولم تكن الامكانيات المادية التي تحتاجها هذه النوعية من الأفلام العائق الوحيد امام انتاج افلام تاريخية، بل ظهرت في وجهها عقبات كثيرة عير مادية. ويأتي فيلم “موسم لمشاوشة” للمخرج محمد عهد بنسودة ليفتح الباب امام انتاج أفلام تتناول التاريخ والتراث المغربي في محاولة لجس نبض الجمهور المغربي تجاه هذه النوعية من الأفلام، ولعل هذه المبادرة تكون فاتحة لاتجاه جديد لم تعهده السينما المغربية التي اهملت لعقود التاريخ والتراث رغم حمولتهما واهميتهما ولا شك ان الاقبال الجماهيري الذي عرفه فيلم “موسم لمشاوشة” سوف يشجع الكثير من السينمائيين على انتاج افلام تاريخية. ويتناول الفيلم حياة المغاربة في القرن التاسع عشر الميلادي والأحداث التي ميزت تلك الحقبة، وقام المخرج بتوظيف التراث والفلكلور ضمن البناء الدرامي واعتمد على رياضة شعبية شبيهة برياضة المصارعة كانت متداولة في تلك الحقبة بالمغرب لبناء اطار فرجوي مؤطر بسياق حكائي لقصة غرامية تقليدية. نجح المخرج والمنتج المغربي محمد عهد بنسودة في توزيع فيلمه “موسم لمشاوشة” في ثلاث بلدان افريقية هي السينغال والنيجر ومالي، كما شارك فيلمه في العديد من المهرجانات الدولية وحصل على عدد من الجوائز، ويعد فيلم “موسم لمشاوشة” الثاني للمخرج بنسودة بعد فيلم “زمن التهور” وسبعة أفلام قصيرة وفيلم تلفزيوني بعنوان “خيال الذيب”. والفيلم مقتبس عن قصة للكاتب محمد منصف القادري، وقد قام المخرج بكتابة السيناريو بالاشتراك مع الكاتب محمد حمدان الحبيب، وتم تصوير الفيلم في مدة ستة أسابيع بفضاءات تاريخية بمدن فاس وورزازات ومكناس وأرفود وصفرو والجديدة، ورغم الميزانية الضعيفة التي رصدت للفيلم فقد نجح المخرج في تقديم فيلم جيد والخروج بنتيجة إيجابية. حاول المخرج من خلال هذا العمل توثيق نوع من الرياضات الشعبية القديمة المعروفة في المغرب باسم “المشاوشة” أو “المكارعة”، واستغل التراث الشعبي للخروج بقصة ذات طابع درامي رومانسي في قالب فرجوي تحضر فيه طقوس الغناء والرقص التي تقترب من الملحمة المبنية على الاحتفالية، وثنائية الصراع بين الخير والشر. وتدور احداث الفيلم حول رياضة شبيهة برياضة المصارعة كانت تمارس في المدن المغربية العتيقة من طرف الحرفيين والصناع التقليديين المعروفين بقوتهم الجسمانية، حيث يتبارى هؤلاء المصارعون فيما بينهم للظفر ببطولة المباراة التي كانت تقام أمام أعيان جمهور المدينة، في جو احتفالي بهيج، وحين يتوج البطل فائزا يحظى باحترام الجميع في المدينة. ويحكي الفيلم قصة الصراع بين رجلين من أجل الفوز بقلب البطلة الحسناء التي لعبت دورها الممثلة ريم شماعو حيث يحاول “سليمان” المصارع الذي يجسد دوره الممثل هشام بهلول، جاهدا الظفر بقلب حبيبته، وفي سبيل ذلك يخاطر هذا العاشق بحياته من أجل الظفر بمحبوبته وإنقاذها من يد آخر حاول الحصول عليها بأية طريقة وهو تاجر الماشية الذي أدى دوره الممثل عبد الله فركوس. ويحتدم الصراع بين سليمان النجار الحرفي الشهم، والتاجر المحتال طبوخ الذي يحيك المؤامرات من أجل الفوز بهنية بنت الحاج المفضل، بينما سليمان يسعى لهدفه معتمدا على الحب المتبادل بينه وبين هنية، لكن تطور الأحداث يدفعه الى القيام بتدريبات شاقة ومؤلمة تحضيرا لمبارزة منافسه طبوخ، هذا الأخير الذي استمال والد البطلة هنية واستطاع السيطرة عليه من خلال صفقة تجارية خاسرة، فنجح في اقناعه بالزواج من ابنته لولا تدخل سليمان في آخر لحظة، لتكون مباراة المصارعة هي الفاصل بينهما، وهي التي ستحدد البطل والفائز بقلب هنية، لكن مساعد طبوخ الذي ادى دوره الممثل رفيق بوبكر تمكن من اختطف الفتاة وقتل البطل في النهاية. اثنى النقاد على أداء الممثلين في هذا الفيلم وعلى اختيار المخرج لهم واسناد الأدوار لهم بعناية، كما اثنى النقاد على الجهد الذي بذله المخرج بنسودة لاخراج هذا الفيلم بميزانية متواضعة بالمقارنة مع الإمكانات الضخمة التي يحتاجها انتاج فيلم تاريخي، وابان المخرج عن حنكة وخبرة كبيرة في التحكم بالخطاب التقني السينمائي وتحريك المجاميع في مشاهد المصارع التي شارك فيها اكثر من 5 آلاف كومبارس، وحوالي 48 ممثلا، كما نجح المخرج في اختيار ديكور ملائم لقصة الفيلم وابدع في اختيار اماكن التصوير بأزقة فاس وأبوابها. وعبّر النقاد عن تفاؤلهم بقرب انتاج افلام تعالج التاريخ والتراث المغربي بعد نجاح هذا الفيلم الذي اعاد الجمهور المغربي إلى القاعات السينمائية، خصوصا العائلات المغربية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©