الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أيقونات الجنوب

أيقونات الجنوب
10 مايو 2012
سؤال دائماً ما يتبادر إلى الذهن، هو سؤال محير فعلاً كونه افتراضاً صادف واقعيته فاستقى منها غموضه. يتلخص السؤال بهذه الكلمات البسيطة: لماذا نجد الحضارات والإبداع في كل العالم عند “الجنوب”؟ لماذا الجنوب هو موطن الخلق الأدبي؟ هنا أحيل إلى الكثير.. الكثير من حضارات البشرية: عند الدلتا جنوباً وجدت حضارة وادي النيل. عند الجنوب حيث التقى نهرا دجلة والفرات وجدت الحضارة السومرية. عند جنوب آسيا وجنوبها الشرقي وجدت الحضارة الآسيوية. عند جنوب أميركا كان أعظم كتابها. عند الجنوب على طول الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط الشهير باسم بلاد الشام منذ حوالى 10 آلاف سنة كانت هناك حضارة. في كل ذلك نجد الحراك الثقافي والإبداعي والحضاري. سلمان كاصد ربما يوعز ذلك إلى إجابة بسيطة لا تعقيد فيها، وتتلخص بأن الجنوب مستقر الإنسان الذي عمل في زراعة الأراضي الغنية التي كانت مشاعاً للجميع، والتي عمل على إحداث تغييرات اجتماعية وثقافية واقتصادية فيها، وربما الجنوب موطن الدفء والمياه والفقر. ذلك هو الجنوب الأندلسي، الجنوب الإسباني، حيث كان الدفء والزراعة، وانحدار المياه سببا في قيام حضارة عربية في غرناطة وأشبيلية وقرطبة. إذن الجنوب موطن الأسرار، ودفء الذات، وتفتق السنبلة، وشفافية الإبداع.. الجنوب، صناعة الخط والمنمنمات وطرقة الخزف وانفجار البارود، وفسحة البحر، حيث العبور إلى العالم الآخر، الحضارات الأخرى التي تبحث عن المياه الدافئة. من الصين إلى جنوب شرق آسيا مروراً باليابان وكوريا امتدت حضارة آسيا. على صهوة الخيل وفي دوران عجلات المحاربين الشجعان تأسست حضارة قوية هي سابع حضارات العالم التي تقدم كنوزها الآن في “معرض كنوز ثقافات العالم” الذي تقيمه حاليا هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة في منارة السعديات. الصين تعني الورق، تعني البارود والخزف والبوصلة، والشاي، والمنمنمات والزجاج والحرير. الصين تعني صلة البشرية ببعضها عبر طريق الحرير البري أو البحري. الصين تعني الحرفة البارعة التي أنتجت فنوناً كالخزف واليشم وهو الحجر الكريم. الأساطير الشعبية رسم الصينيون الأشياء كلها، الإنسان، أدواته، عالمه، وكان لا بد لهذا الفن أن ينتشر وأفضل وسيلة لانتشاره هو: “الخزف” فزينت الأواني منذ عشرة آلاف سنة مضت برسوم أراد أصحابها أن يؤرخوا لإبداعهم، زينت بلاطات جدران وأرضيات المعابد بالبلاط المزركش والمطبوع برسومات تحكي قصصاً شائعة أو خرافات أو أساطير شعبية، ظلت هذه الطريقة متداولة حتى زمننا هذا. من الصين نرى اليشم في العصر الحجري الحديث، من ثقافة ليانجزو حوالى 2500 قبل الميلاد. واليشم حجر كريم انتشر في جنوب شرق الصين على دلتا نهر يانجزي، هذه القطعة يحار فيها المرء، ويتساءل: هل كانت تستخدم كتميمة للحماية أو أن لها استعمالات دينية؟ وفي معرض كنوز ثقافات العالم نجد مزهرية من البرونز في غاية الجمال والروعة، حيث استطاع فنان قبل 3100 سنة أن يطوع البرونز برسومات طرقها بعناية لا مثيل لها، تحفة بارتفاع 43.2 سم وبعرض 39 سم، هي عبارة عن مزهرية تستخدم في الطقوس الدينية والمعروفة باسم “زون” وهي أشهر قطعة برونزية صينية في المتحف البريطاني. كبشان يحملان علبة، وتمتلئ برسوم “تاوتي” أي وجوه الوحوش، وهي قطعة من جنوب الصين تحديداً من “هونان” حيث عثر على علب مرسوم عليها حيوان الكبش هذا. فن التوازي لم يترك الصانع بقعة لم يطرقها ويرسم عليها فناً، فن التوازي من أبرع ما يكون فيها كل شيء مرسوم يناظر رسماً مشابهاً له في الجهة الأخرى.. رأسان وزردتان وأقدام أربع، اثنتان في كل جانب، وقرون أربعة، اثنان في كل رأس، وحركتان واحدة في كل جانب، كلها تتناظر مع بعضها، وكل واحدة تذهب باتجاه الأخرى، تلك الثنائية كانت تشغل الفنان الصيني، الآسيوي، ثنائية التشابه التي تحتوي تضاداً. كان الليل هو النهار نفسه، كان الخير هو الشر نفسه، كان الحب هو الكره نفسه، إلا أن كلاً منهما يذهب باتجاه مغاير للآخر، هو التشابه الذي يقود إلى الاختلاف. في معرض كنوز ثقافات العالم ومن الصين تمثالان، الأول لسنور يقفز وهو مصنوع من البرونز من أسرة جو الشرقية في القرن الرابع قبل الميلاد. السنور مخلوق شبيه بالقطة، ذيله يتجه إلى السماء، وأسنانه مكشوفة وجسده مطعم برسوم لافاعٍ وطيور من الذهب والفضة. وتمثال آخر لبوو يساتغا أفالوكميتسفارايا من البرونز والذهب، وهو معلم من معالم البوذية، والبوديسانفا بحسب البوذية هي كائنات مستنيرة بقيت في العالم لمساعدة الآخرين على بلوغ أعلى مراحل الإيمان ويلخص كل هذا الاسم الطويل بـ”جوانين” وهو فن يحقق الأمنيات للمؤمنين، ومن جنوب غرب الصين حيث مملكة دالي جاء هذا التمثال الذي كان حارس مملكتهم. جهة الشرق يطالعنا صحن من الخزف الأبيض والأزرق وقد كتب عليه بالعربية وهو من مقاطعة فوجيان الصينية، إنه صحن “السواتو” من جنوب الصين والذي يصدر إلى جنوب شرق آسيا على أيدي التجار المسلمين عبر البحر. أوعية وصحون “السواتو” ذات قعر رملي خشن وعليها رسومات عفوية، هذا الصحن الأزرق الدائري زين بحيوان تنين، وخيول وراقصين، كما كتب على محيط الصحن بخط عربي غير متقن جملتان هما “الله شافي”، “الله عافي”. صحن آخر بالأزرق والأبيض من خزف مزين بالكوبالت الأزرق، دائري، زين برسوم نبتة بطيخ مثمرة في وسطه، وفي دائرته الوسطية تظهر سبع وردات مزهرة كلها مترابطة بأغصان ذات أوراق متفتحة. حكاية الإمبراطور يونجل (1403 ـ 1424) وهو الامبراطور الثالث من أسرة مينج والذي أقر أن تصبح بكين عاصمة الصين منذ ذلك الوقت، طلب أن تصنع له أوعية طعام وأن تزين خزفيات البلاط، وشجع على تصدير تلك الخزفيات فيما بعد إلى آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا تحت إشراف البلاط. اليوم هي من النوادر. المرأة والحديقة من الصين إناء مصنوع بطريقة السلك مع الغطاء من نحاس وذهب ومينا بارتفاع 27 سم آية في الجمال ورقة في الإحساس وبرعة في الالتواءات وصنع التجاويف على جسم معدني، إنه أشبه بالفيل وخطمه المنسرح إلى الأسفل عند بطن الإناء “الأبريق” كل جسم في هذه المصنوعة يشير إلى جزء من حيوان، وأخيراً من جمالية الانحناءات والتوزيع العقدي ومظهرية القاعدة التي حملت رسوماً زرقاء مطعمة بالذهب. في رسومات الصين ارتبطت المرأة بالحديقة، بالشجرة، بالسكينة، بالوردة، بالتأمل في لوحة “الجمال تحت شجرة مزهرة” والتي تنسب إلى جانج جي ومن أسرة مينج هي من حبر وألوان على حرير، لفافة معلقة، تظهر امرأة نحيلة وأنيقة الملبس تحت شجرة مزهرة، تحمل غصناً، وتوحي تعابير وجهها بأنها في مزاج كئيب كونها في اشتياق إلى حبيبها الغائب في الربيع. ثقافة جديدة منذ 30 ألف سنة كانت جزر اليابان مأهولة بالسكان، وهم صيادون يجاورون البحر، تحولوا إلى مزارعين للأرز، لذا كان لا بد لهم من أن يصنعوا أدوات الزراعة والشعائر الطقوسية التي تواكب الزراعة في كل الحضارات. وصلت البوذية لليابانيين من آسيا عند القرنين السادس والسابع الميلاديين ومعها فنون العمارة والرسم والنحت والكتابة الصينية. انبثقت ثقافة جديدة، ثقافة منفتحة وتجلت في عهد الساموراي من حكم عائلة توكو غاورا. من اليابان جرس طقسي 300 ق. م من البرونز وهو من ضمن 400 جرس من البرونز اكتشفت في اليابان ويطلق عليها اسم “ديكاتو”. ومن اليابان خيول في اسطبل على ألواح قابلة للطي، 6 طيات، بحبر وألوان على ورق. من خلال هذه الرسومات على الألواح يمكن أن تميز سلالة الخيول تلك، وهي تقوم بحركات متعددة وكأننا نشهد صوراً متعاقبة في شريط سينمائي. مفارقة الصين كانت تصدر خزفها إلى آسيا والشرق. اليابان كانت تصدر خزفها إلى أوروبا والغرب. في عام 1616م اكتشف طين مناسب لصناعة الخزف في جزيرة كيوشو، وفي هذه الفترة عرف الفرن الكوري، وفي ارنيتا اليابانية صنعت الخزفيات التي تذهب إلى أوروبا عبر الشركة الألمانية الهندية الشرقية. تمثالان ورسمة بوذا وصياد يحمل صقرا والموجة والتلة.. ثلاثة أعمال رائعة في متحف كنوز ثقافات العالم من اليابان. تمثال لبوذا أميدا في وضعية الجلوس من خشب ورنيش وذهب تصور “بوذا الضوء اللامتناهي”. اطمئنان يد أميدا “مدراس” وهي ترفع في وجه الآتي. بوذا يغمض عينيه كي يكتشف الذات في تأمله. وصياد يحمل صقرا من العاج، تمثال صنعه نحاتو اليابان من أجل تصديره إلى الغرب، صنعه عضو في جمعية ترعاها الحكومة سميت بـ “جمعية نحاتي العاج في طوكيو”. أهم ما فيه تلك الطيات المذهلة في زي الصياد وحركة يده، مع التركيز المذهل على شكل معطفه وحذائه وخيوط الحبل المجدول والزغف الناعم على جسد الطير، إنه تمثال مذهل حقاً. الدهشة الثالثة في صورة هي الأشهر عالمياً وهي جزء من سلسلة اسمها “ستة وثلاثون منظراً لجبل فوجي” من صنع كاتسوشيكا هوكو ساي أحد أهم الرسامين وفناني الطباعة اليابانيين في القرن التاسع عشر. صور هوكو ساي جبل فوجي المغطى بالثلج وقد تحول إلى تلة صغيرة بالمقارنة مع الموجة العاتية التي تكاد تبتلع ثلاثة قوارب، إنها “تسونامي” في عام 1831م. الخزافون الكوريون ومن كوريا بين الصين واليابان، وبين الشرق والغرب، كان الخزافيون الكوريون قد تعلموا فن هذه الحرفة من الصينيين لكنهم أعطوا صناعتهم آفاقاً رحبة وجديدة. “سيلادون” أواني كوريا الزجاجية الخضراء تزين بالتطعيم المتقن. أطباق الشاي الكوري. “كوريا” اسم مشتق من سلالة كوريو (918 ـ 1392م) وفي سلالة تشو سون (1392 ـ 1910م) عاشت كوريا عصرها الذهبي حيث ازدهرت الثقافة الكونفوشيوسية، ومن كوريا مزهرية من فخار السيلادون (1200 ـ 1300 م) خزف حجري مزجج بالسيلادون من أسرة كوريو. نقوش بأزهار الاقحوان. ومن جنوب شرق آسيا “جنوب شرق الصين وشبه القارة الهندية” ازدهرت ثقافات الشعوب نجد تمثال “شيفا” الإله الهندوسي صاحب العين الثالثة. لقد ضاع رمح شيفا المعلق بيد هذا التمثال المصنوع من البرونز والذهب، وهو تحفة فنية قل مثيلها تأتي من حضارة كمبوديا في جنوب شرق آسيا. ولا بد أن يأتي الخزف من فيتنام بنموذج جميل حقاً، صحن خزفي مزين بسمكتين من الشبوط تسبحان وسطه تماماً، في قعره نموذج يستفيد مما قدمه الصينيون، الزخرفة نفسها في إطارها الوسطي وحافتها الضعيفة وهو يعود إلى عهد أسرة يوان وأسرة مينج، كلها تذهب إلى آسيا جنوبا والشرق الأوسط وأفريقيا. ومن بورما يأتي تمثال لبوذا في وضعية الجلوس، وهو يتأمل، ومن جاوة تأتي آلة موسيقية من خشب وبرونز وذهب أطلق عليها “جاميلان” ذات سبعة مفاتيح تخرج رنيناً مختلفاً يضرب على المفاتيح بعودين رقيقين. وهي آلة يعزف بها في مواكب البلاط، رأس تنين بقرنين وذيل نافر للأعلى. التقاء الأديان جنوب آسيا، موطن الهندوسية والبوذية واليانية، دخلها الإسلام والمسيحية واجتمع عندها تجار آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، كل ذلك ساهم بالتنوع العرقي والنسيج الثقافي والحضاري، خرجت منه تقاليد حرفية ونسيجية توجهت إلى جهات العالم الأربع. في أبوظبي تجتمع تلك الحضارات بإيقوناتها الجميلة، منها تمثال لبوذا واقف من باكستان وشرق أفغانستان حيث كانت مركزاً للبوذية تحت حكم الخوسانيين، جماله في طيات ثوب بوذا، براعة في انحناءات الثوب ووجهه الباعث على الطمأنينة ويده المكسورة “المفقودة”. في نحت آخر “نقش نافر يصور موعظة بوذا الأولى” ورجاله المقدسون الخمسة حوله، وهو يمثل أول تجمع للرهبان في التقاليد البوذية. ونقش آخر نافر يصور فيلاً ومركباً من سيريلانكا، وتمثال لرمح ثلاثي الشعب من التاميل، ولوحة تذكارية إلى جانب تمثال لفيشنو واقفاً من البنغال الهندية، وتمثال للإله الهندوسي جانيشا من اوريسا الهندية، ورسمة لراجا على ظهر حصان مع مرافقيه، وأخرى لراجا هاري سينج مع نرجيلة إلى جنب مرافقيه من راجستان الهندية. وأخيراً شاهدة قبر منقوش عليها اسم أبو الحسن علي بن عثمان مصنوعة في كامباي كوجارات في الهند للتصدير إلى اليمن أو ساحل أفريقيا الشرقي وهو من الرخام المنحوت ويقال إنها وجدت في اليمن.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©