الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عصر السيرة الذاتية

عصر السيرة الذاتية
10 مايو 2012
يلعب العنوان دوراً مهماً في التعريف بمضمون الكتاب واختزاله، فهو إما أن يكون ذا دلالة كلية تلخص محاوره المختلفة، أو يكون ذا دلالة جزئية تعبر عن محور من محاور الكتاب. وإذا كان النوع الأول من العنونة هو الشائع غالباً، إلا أن كتاب “نهاية الرواية وبداية السيرة الذاتية وقضايا أخرى مترجمة” الذي تولى ترجمته السعودي حمد العيسى اختار النوع الثاني من العنونة، بحثا عن تحقيق وظيفة إغراء واجتذاب القارئ التي يمكن أن يقوم به العنوان، لاسيما وأن الرواية تعيش عصر ازدهارها وهيمنتها على المشهد الأدبي. يتضمن الكتاب مجموعة كبيرة من الدراسات تمتد من الشعر إلى الرواية مرورا بقضايا الكتاب والإبداع وعلاقته بالجنون، حيث تولى المترجم الإضاءة على تلك الدراسات التي ناقشت مواضيع أدبية مهمة تتعلق بوظيفة الشعر ومعايير التقييم النقدي، خصوصا ما يتعلق منه برواية “بنات الرياض” التي تسابقت دور نشر أميركية مهمة على ترجمتها، وظاهرة الرواية الشعبية، وتفكيك رواية “عمارة يعقوبيان” ولعنة الإبداع عند الكاتبات. من رموز الشعر الأميركي يفتتح العيسى كتابه بترجمته لدراسة تحاول فك لغز شعبية شاعر أميركا بيلي كوليز التي تنبع من احترامه لجمهوره، لأنه يعتبر أن تجاهل هذا الجمهور أشبه ما يكون بتجاهل شخص يعيش معك ولا تعترف بوجوده، ولعل المفارق في تجربة هذا الشاعر أنه لم يشارك في أي ورشة لكتابة الشعر، ولم يدرس الكتابة الإبداعية، ولذلك يؤكد أن ما دفعه لكتابة الشعر هو كون الشعر عملا يقوم به المرء بنفسه دون مساعدة من الآخر ما منحه ذلك سمة خاصة جعلت منه الشاعر الأكثر مبيعاً، إذ بيع من أعماله عشرات آلاف النسخ وبطبعات فاخرة، الأمر الذي جعله يحصل على لقب شاعر أميركا عامي 2001 و2002 على التوالي. يعترف كولينز بالدور الذي لعبته قراءاته لشعره في الاقتراب من الجمهور ومعرفة مدى تجاوبه معه، ولذلك يرى بأن أحد أهم الإشكاليات التي يجب على الشاعر تجاوزها هي الابتعاد عن المحتوى الجاد والمنفر للقارئ، والتركيز على الرقة في بداية القصيدة. وتناقش الدراسة في الفصل الثاني قضايا الشعر عند كوليز، من خلال حوار مطول معه يروي فيه سيرة تجربته وما تعلمه من الشعراء الذين سبقوه كإيملي ديكنسون وويتمان، لكنه يعترف بأن ليس هناك من جديد يمكن للشعراء أن يقولوه، بل هناك أساليب جديدة لقول ذلك. ومما يذكر أن أول ديوان صدر له عندما كان في سن الأربعين. وقد صدر للشاعر حتى الآن أحد عشر ديوانا أعيد طبعها عشرات المرات. لماذا نكتب الشعر؟ لعل سؤال: لماذا نكتب الشعر؟ يأتي في طليعة الأسئلة التي كانت ولم تزل تطرح نفسها على الشعراء في الأزمنة المختلفة، ولذلك فإن محاولة الإجابة عن هذا السؤال من قبل أهم شعراء أندونيسيا ساباردي دامونو تمثل مساهمة جديدة تضيء على رؤيته لوظيفة الشعر وعلاقة الشاعر به. يعترف الشاعر بداية بأن الكلمة فقدت تدريجيا طاقتها على طرح الأسئلة، في حين بات كل ما يفعله الشاعر لاستخدام كلمات لطرح الاسئلة بمثابة جهود زائدة، ولا لزوم لها طالما أن الإجابة عن تلك الاسئلة ينتج عنها أسئلة جديدة. ولا تختلف العلاقة بين الشاعر والقارئ عن العلاقة بين الشاعر والأسئلة. إن هذه العلاقة تستدعي توافر ديمقراطية شعرية، أو فكرة حرية التأويل والتفسير عند القارئ. على مستوى آخر تحاول الشاعرة الأميركية مارجريت راندال أن تجيب عن سؤال آخر حول قدرة الشعر على تغيير العالم، وعن أسئلة أخرى فرعية تتصل بقدرته على تغذية الأمل والحلم عند الإنسان وتحويله إلى مصدر للإلهام؟ تؤكد راندال على قدرة الشعر على تغيير اللغة والشعر من خلال أدوات التواصل الجديدة، وتستشهد بدور الرسائل النصية والشات والدردشة عبر النت على دفع اللغة نحو الإيجاز. وإذا كانت راندال ترى أن عظمة الشعر تتجلى في قدرته على اختزال الفكرة أو المشاعر إلى الحد الأدنى من التعبير، فإن ذلك هو ما يمنحه هذا البقاء السرمدي في سلطته الأدبية، ثم تخلص إلى أنها بعد تجربتها الغنية والطويلة باتت مقتنعة بأن الشعر وحده غير قادر على تغيير العالم، لكن هذا لا يقلل من أهمية الشعر وتأثيره. ظاهرة الرواية الشعبية عبر دراستين تتناولان ظاهرة الرواية الشعبية أي الأكثر رواجا “البست سيلر” مخصصتين لدراسة روايتي “بنات الرياض” لرجاء الصانع و”عمارة يعقوبيان” لعلاء الأسواني، نتعرف إلى مشاكل الترجمة من لغة إلى لغة أخرى، كما تجلت في ترجمات رواية “بنات الرياض” العديدة إلى الانجليزية بسبب صعوبة نقل اللغة الشعبية، إضافة إلى الانتشار الملحوظ الذي حظيت به تلك الرواية بعد ترجمتها. يناقش روبر استاذ اللغة العربية في جامعة بنسلفانيا الأمريكية ظاهرة الرواية الشعبية العربية، كما تجلت في ثلاث روايات هي “ذاكرة الجسد” لأحلام مستغانمي و”عمارة يعقوبيان” للأسواني، و”بنات الرياض” كتبها ثلاثة روائيين ينتمون إلى بلدان مختلفة ويستخدمون تقنيات سردية مختلفة، في حين أنهم يشتركون في سمات أخرى، أهمها تجنب الغموض وتعقيد الأسلوب الشائع في رواية ما بعد الحداثة، إضافة إلى التحول من الأسلوب الحواري إلى السرد وهيمنة الراوي العليم عليها. وفي نقده لرواية “عمارة يعقوبيان” يذهب الكاتب الأميركي إلى أن هذه الرواية تختلف عن أعمال نجيب محفوظ إذ كتبت بأسلوب تفسيري مباشر لكي تصور مجتمع يفتقر إلى توزيع عادل للثروة وتسوده وحشية تشوه العلاقات الإنسانية. كما يسهب في الحديث عن شخصية الأسواني ورؤيته إلى تغيير الواقع وعن علاقة الكتابة بالواقع المصري وما شهده من تحولات وتبدلات حاول أن يعكس آثارها في تلك الرواية التي لاقت انتشارا واسعا على عكس التوقعات، بعد أن كانت رفضت جهة النشر الرسمية طباعتها. من الرواية إلى السيرة الذاتية يتناول البروفسور دانيال مندلسون خصائص تاريخ كتابة السيرة الذاتية حديثاً مثل الكشف غير اللائق عن النفس وعن الخيانات والكذب الذي لا مفر منه، ما جعل هذا النوع الأدبي في معظمه سيىء الصيت وعاراً على الأنواع الأدبية الأخرى. لقد وجهت لهذا النوع تهم كثيرة من التعرية الفاضحة، ما خلق له خصوما كثيرين، ورغم ذلك كان هناك طوفان من تلك الكتب التي تلاقي رواجا كبيرا، ما يدفعه للإجابة عن سؤال يطرحه حول تحول تلك الموجة الجديدة من الكتب المنحدرة نحو الأسوأ بأن الجواب لا يكمن في النوع الأدبي، بل في الطريقة التي نفكر بها عن أنفسنا وعلاقتنا بالعالم. وتكشف قراءته عن أن بداية هذا النوع من كتب السيرة بدأ مع جان جاك روسو في كتابه حياتي حيث تحولت تلك الكتب إلى نوع من العلاج التطهيري المخلص من الخطايا. أما في ثمانينيات القرن الماضي فقد ظهرت كتب السيرة المزيفة الأمر الذي يدفعه لوصف هذه الموجة بأنها روايات يلعب الخيال فيها دوراً حاسماً في كتابتها لأن الروائي هو كاتب يملك واقعاً داخلياً حياً يحتاج للتعبير عنه، فيتخيل نفسه شخصية تخوض تجارب الآخرين لكي يستطيع خلق شخصيات واقعية سيكولوجيا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©