الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجديد الخطاب الإسلامي بين الهواجس والضرورات

7 نوفمبر 2008 02:38
يشوب ''الخطاب الإسلامي'' قدر كبير من اللبس وسوء الفهم وربما التشويه، ليس فقط من جانب الآخر المختلف عنه دينيا وثقافيا، وإنما أيضا من جانب بعض أبناء العالم الإسلامي! ··فالكثيرون لا يدركون فحوى هذا المفهوم · وقد سلطنا الضوء على جانب من هذا اللبس في الأسبوع الماضي، بين ''أزمة الخطاب وخطاب الأزمة'' ولكن لا تزال الكثير من أبعاد هذه القضية بحاجة إلى التجلية والتوضيح· إذا كان ثمة اتفاق على ضرورة تجديد الخطاب الإسلامي، فإن هناك هاجساً يسيطر على البعض تجاه مسألة تجديد هذا الخطاب؟ وهل هو مطلب خارجي أم ضرورة داخلية؟ السؤال مشروع في ظل الظروف التي تعيشها مجتمعاتنا الإسلامية اليوم، ولكنه ليس السؤال الوحيد، بل أن هناك توابع من التساؤلات الأخرى، أولها ينصب على تحديد مفهوم الخطاب الإسلامي، وبعضها يركز على ما إذا كان هناك خطاب إسلامي واحد أو أكثر من خطاب؟ وما هي سمات الخطاب الإسلامي وخصائصه ؟ وهل هناك ضرورة لتجديده؟ وكيف؟ وتساؤلات أخرى عديدة يطرحها الواقع المعاصر ومن الضروري أن نجيب عنها بأنفسنا، لا أن نترك هذه المهمة لغيرنا، ثم نكتفي بمجرد الحديث عن تفاصيل نظرية المؤامرة ! وإذا كانت هذه التساؤلات مطروحة على المستوى الداخلى فإنه يقابلها هواجس ومخاوف بل واتهامات على المستوى الخارجي، تزايدت حدتها منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ولعبت الظروف التي تعيشها منطقتنا دورا في استمرارها، كما قامت كثير من وسائل الإعلام بخلط الأوراق، عن جهل أحيانا وعن قصد في أحيان أخرى· يضاف إلى ذلك انه خطاب ملتبس عند الكثيرين من أبناء الداخل الإسلامي، حيث يقدم بعض رموز هذا الخطاب أو على الأقل الذين يعلنون الانتساب له مواقف تسهم في تعميق حالة الالتباس! ومن ناحية أخرى نشهد خطاباً إسلامياً متعدداً ومتبايناً ومتمايزاً، حتى يبدو أنه متناقض في بعض الأحيان· فثمة خطاب إسلامي - إسلامي يعتمد على ثقافة الطرفين، وارتباطهما ببعضهما، ورأي كل منهما في الآخر، و خطاب إسلامي -قومي داخل المنطقة العربية، ثم هناك الخطاب الإسلامي مع غير المسلمين· في ظل كل هذه الظروف ظهرت على الساحة الإسلامية في الآونة الأخيرة دعوات لتجديد الخطاب الإسلامي، وإذا كان البعض يرى أن بروز هذه الدعوات مؤشر على تأثر حركة الفكر الإسلامي بالأحداث، في إشارة إلى التأثيرات التى تتوالى منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، على الدعوة إلى هذا التجديد، فإن الكثيرين يرون أن الأمر يرتبط بحركة ذاتية تنبع من داخل الفكر الإسلامي الذي ينطوي على دعوة مستمرة للتجديد · تأخذ هذه الدعوة الذاتية إلى التجديد مشروعيتها من الحديث النبوي الشهير الذي رواه أبو داود في سننه والحاكم في مستدركه عن أبى هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ''إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها''· كما أن القرآن الكريم يشير إلى مفهوم التجديد وأهم محدداته بمعان كثيرة أخرى تسهم في تحديده وتفسيره مثل : الإصلاح، والإحياء، والتغيير، والنور ، والتنوير· ومن ثم فإن الحديث عن ضرورة تجديد الخطاب الإسلامي، لا ينطلق من أحداث عارضة أو ظروف وقتية إنما ينطلق من أسس إسلامية واضحة· خاصة وأنه توافرت في الآونة الأخيرة ظروف عديدة زادت من الحاجة إلى مراجعة الخطاب الإسلامي و تجديده ليلبي واقع المسلمين والمتغيرات والمستجدات، مما دعا عدداً من المؤسسات الإسلامية في البلدان الإسلامية إلى تنظيم عدة ندوات ومؤتمرات حول ذات القضية· حدث ذلك في القاهرة، وبيروت، أبو ظبي، ودمشق، والمنامة، تابعت بعض هذه الفعاليات، وشاركت في بعضها الآخر، فقد عرضت بحثا في ندوة التي عقدت بمملكة البحرين في هذا السياق حول ''الخطاب الديني والواقع المعاصر''، ولاحظت أن التساؤلات ذاتها قد طرحها الحضور، وبخاصة تخوف البعض من فكرة أن تكون الدعوة إلى التجديد قادمة من الخارج · يلاحظ ايضا ان هذا التخوف موجود بشكل أو بآخر لدى المسلم العادي· غير أن المناقشة الموضعية لهذه القضية تتطلب التوقف عند عدة أمور، في مقدمتها تحديد مفهوم الخطاب الإسلامي· إذا كنّا بتحديد هذا المفهوم نجيب عن السؤال ماذا؟ أو ''ما هو الخطاب الديني''؟ فإنه لاتزال هناك حاجة للإجابة عن السؤال كيف ؟ أي ''كيف يتجدد الخطاب''؟ وهو موضوع لحديث آخر· مفهوم الخطاب الإسلامي يدل الخطاب في عرف علماء الدين على ما خوطب به وهو الكلام أو الكتابة· فيعرف سيف الدين الأمدي الخطاب بقوله ''انه اللفظ المتواضع عليه، المقصود به إفهام من هو متهيئ لفهمه·'' ويرى الإمام الجويني أن الخطاب، والتكلم، والنطق واحد في حقيقة اللغة، ويعتبر أن الكتابة والعبارة يسميان كلاما مجازا، ويؤكد على قيمة النص ، فيثبت أن معنى النص هو المعنى المفهوم بنفسه، يقوم مقام النص، ويقدم على الألفاظ والظواهر· ولكن درج علماء الأصول على استخدام الخطاب بالمفهوم الشرعي (الخطاب الشرعي) الذي قسموه إلى ثلاثة فروع تتناول خطاب الله، وخطاب الرسول، وخطاب الأمة· وهذا المفهوم يختلف عما نقصده بالخطاب الديني الذي نحن بصدده ، إذ أننا نركز هنا على المفهوم المتعلق باللغة والاتصال، وقد حاولت بحوث عديدة دراسة مفهوم الخطاب من خلال ربطه بدلالات اللغة وبالسياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي السائد في المجتمع· وفي الوقت الحاضر لا يقتصر الخطاب على الوسائل التقليدية الشفهية والمنبرية الوعظية والتحميسية، بل يتعداها لينفتح على عالم وسائل الإعلام بآفاقه الرحبة· وإذا كان الفكر الإسلامي يتجلى بشكل خاص في الكتب والندوات والأبحاث العلمية لعلماء الدين والمفكرين الإسلاميين، فإن الخطاب الإسلامي يتعلق بآليات نقل الفكر الإسلامي وتكييفه ومعالجته لغويا ودعويا وإعلاميا لكي يلائم الوسائل والطرق والتقنيات المستخدمة لتوصيله إلى الجماهير، سواء كانت هذه الوسائل خطبة الجمعة أو درس ديني أو صحيفة أو برنامج تليفزيوني أو موقع على الإنترنت·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©