السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منشآت التعليم في حضارة الإسلام

منشآت التعليم في حضارة الإسلام
7 نوفمبر 2008 02:37
قبل أن تغرب شمس الدولة الأيوبية كان على آخر حكامها في مصر الصالح نجم الدين الأيوبي أن يخوض معاركه الحاسمة ضد الحملة الصليبية التي قادها ملك فرنسا لويس التاسع لاحتلال مصر، وأن يبحث أيضاً عن وريث لعرشه وهو يصارع الموت· وعلى الرغم من نجاح المماليك الذين اشتراهم نجم الدين في دحر الصليبيين وأسر لويس نفسه في معركة المنصورة الشهيرة، فإن وريثه على العرش توران شاه قتل على أيدي مماليك أبيه، ولم يبق للصالح نجم الدين من شيء يذكرنا به سوى سيرة زوجته الشهيرة ''شجرة الدر'' ومدرسة شيدها باسمه بحي الجمالية· تعد المدرسة الصالحية النجمية بمثابة خاتمة المنشآت الأيوبية بمصر، التي تركزت بشكل رئيسي في المنشآت الدفاعية من أسوار وأبواب وقلاع وفي عدد كبير من المدارس التي خصصت لتدريس المذاهب السنية· وكانت سياسة صلاح الدين الأيوبي ذات بعدين واضحين أولهما يتصل بالنضال ضد الصليبيين في الشام، والثاني يتعلق بوقف تيار الدعوة الفاطمية في مصر، وفي هذا الشأن لجأ الى إغلاق الجامع الأزهر مركز الدعوة الاسماعيلية والى انشاء مدارس عدة في القاهرة والاسكندرية خصص بعضها لتدريس المذهب الشافعي وبعضها الآخر لتدريس المذهبين الشافعي والمالكي، ثم تتابعت في الدولة الأيوبية المدارس التي أفردت لتدريس المذاهب السنية الاربعة، ولكن لم يقيض لمدرسة أن تشمل تدريس المذاهب الأربعة معاً قبل قيام الصالح نجم الدين بتشييد مدرسته ''الصالحية''· وقد شيدت المدرسة الصالحية النجمية على جزء من القصر الفاطمي الشرقي الكبير، وبالتحديد عند باب مطابخ الخليفة الفاطمي والذي كان يعرف باسم ''باب الزهومة''، لما ينبعث منه من روائح أو زهومة ناجمة عن طهو اللحوم· ويبدو أن نجم الدين أيوب تأثر عند شروعه في بناء المدرسة بحركة إنشاء المدارس في دولة السلاجقة وخاصة المدرسة المستنصرية في بغداد، التي خصصت لتدريس المذاهب السنية الأربعة، ولذا اختار أن تقوم المدرسة الصالحية بتدريس المذاهب الاربعة معاً· وشيدت الصالحية وفق تخطيط فريد غير مسبوق ولم نشهد له مثيلاً بعد ذلك، فعلى النقيض من المدارس السنية التي تتوزع إيواناتها الاربعة حول صحن أوسط مكشوف، لجأ مهندس البناء الى تشييد المدرسة النجمية على قسمين يفصل بينهما الطريق العام أو حارة باب الزهومة التي صارت تعرف باسم حارة الصالحية· كانت المدرسة الصالحية عند تشييدها أشبه بمدرستين منفصلتين إحداهما شمالية والأخرى جنوبية، وبوسط كل قسم صحن مكشوف يكتنفه ايوانان للتدريس، ويتم الدخول الى المدرسة الصالحية عبر بوابة ذات عقدين مدببين وهي الرابط المعماري بين القسمين، ويحمل هذان العقدان مئذنة المدرسة الفريدة· وقد اندثر الجزء الجنوبي من الصالحية ولم يبق منه سوى الواجهة الغربية التي ترتبط بالقسم الشمالي عن طريق العقدين· أما الجزء الشمالي فلا تزال واجهته الغربية باقية الى اليوم، وكذلك الإيوانان الشرقي والغربي، وان تهدم معظم قبو الايوان الشرقي، ولم يعد يرى منه سوى بداية عقد هذا الايوان· ويبدو أن هذا القسم كان مؤلفاً من صحن اوسط مكشوف مستطيل المساحة ''28*21 متراً'' وشغل ضلعه الجنوبي بمجموعة من الغرف لعلها كانت مخصصة لإقامة الطلاب· ويشغل الضلع الجنوبي الشرقي منزلان حديثان يمتدان بامتداد الايوان الغربي، أما الضلع الشمالي من الصحن فيشغله صفان من الخلاوي فوقهما بقايا طابق ثالث· ويظهر مما تبقى من عمران المدرسة الصالحية النجمية أنها كانت بناء فخماً حافلاً بالزخارف وهو ما يبدو جلياً في واجهة المدرسة الغربية المشيدة من الحجر المنحوت، وتعتمد زخارفها على التقاليد التي استقرت في زخرفة واجهات العمائر الفاطمية من حيث استخدام الحنايا الصماء ذات العقود الفارسية المدببة المزخرفة بمقرنصات أو خطوط نبعت من مركز واحد في وسط الحنية المعقودة· وبأعلى مدخل المدرسة عقد مدبب به زخارف المقرنصات، وفي وسطه لوحة تأسيسية تشير الى تاريخ بدء البناء والانتهاء منه على يد الصالح نجم الدين أيوب، وكان يغلق على هذا المدخل الذي استخدم بعد اندثار المدرسة وتوقفها مصراعان من الخشب تم نقلهما الى متحف الفن الاسلامي بالقاهرة حيث يعرضان به الى اليوم· ويتوسط بناء الواجهة الذي يمتد قرابة المئة متر، مئذنة المدرسة التي تعد أقدم مئذنة باقية في القاهرة بعد قاعدة مئذنة المشهد الحسيني المشيدة في عام 634 هـ/ 1237م عند الباب الاخضر· وتتكون المئذنة التي احتفظت بتكوينها الأصلي من قاعدة مربعة مجوفة شيدت بمداميك من الآجر ''الطوب الأحمر'' وربما كان ذلك وراء مقاومتها لعاديات الزمن والزلازل التي أطاحت بقمم المآذن السابقة عليها أو المعاصرة لها· ويبلغ طول الضلع في هذه القاعدة 5,4 متر، بينما يصل ارتفاعها الى حوالي 40 متراً· ويلي القاعدة المربعة شرفة أذان لها سياج خشبي لتخفيف ثقل البناء على عقد باب المدرسة، وتنتهي المئذنة بقبة صغيرة مضلعة محمولة على صفوف من المقرنصات· تحول المدرسة الى محكمة شرعية تحولت المدرسة الى محكمة شرعية خلال العصر المملوكي، وعندما دخل العثمانيون مصر أجلسوا القاضي التركي بها للفصل في القضايا· واشتهرت المدرسة أو المحكمة الصالحية النجمية بأنها المكان الذي كان يجتمع به قاضي القضاة والشهود خلال العصور الوسطى لاستطلاع أهلة الاشهر الهجرية وخاصة هلال رمضان وهلال شوال فبعد صلاة العشاء يغادرونها الى مئذنة المدرسة المنصورية المواجهة لمراقبة الهلال ثم يعود الجميع الى المدرسة ليعلن القاضي بنفسه الأمر· وظلت محافظة على مكانتها تلك الى أن تولى محمد علي باشا حكم مصر وتغيرت نظم القضاء فهجرت المدرسة وتعرضت مبانيها للعدوان حتى أضحت أثراً بعد عين، ولم يبق منها سوى مدخلها والمئذنة وأجزاء من ايوانات نصفها الشمالي·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©