د. موزة عبيد غباش
إنها ومضة، ثم ومضة، ثم ومضة، لتصبح الطريق أمامنا أكثر نوراً، والرؤية أكثر وضوحاً.
«لست عالماً، ولا أدعي الحكمة، بل هي كلمات قصيرة، ورسائل سريعة»، بهذه الكلمات بدأ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم كتابه «ومضات من فكر»، غير أن هذه الكلمات القصيرة، والرسائل التي قال عنها سريعة تحتاج إلى التأني الشديد والعمق في قراءتها، لأن هذه الكلمات هي في حقيقتها حِكماً جاءت من تجارب قائد غير اعتيادي، قائد حلم برؤية من أجل وطنه، وبعمل على تجسيد هذا الحلم حقيقة وفكرا.
يطرح صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم ومضات فكرية هي أنوار ساطعة لكسر الجمود وتحطيم القوالب، التي تغلف حياة الكثيرين من البشر، ويريد أن يوصلنا في ومضاته إلى قمة الطاقة الطاقة الإيجابية، التي لا يعترضها أي شيء، وأن نكون قارين على التحدي للوصول إلى أهدافنا وغاياتنا النبيلة، كما أنه يريد أن يوصل خلاصة جهده إلى أبنائنا من الجيل الجديد ليس في دولة الإمارات فحسب بل، ودون أدنى مبالغة، في العالم أجمع.
تأخذ هذه الومضات أهميتها كونها صادرة عن قائد لا يتحدث فقط، ولا ينقل لنا خيالاته أو طموحاته، بل عن قائد يعمل ليل نهار بإيمان مطلق بالقدرة على تحقيق ما يقول أو يفكر أو حتى يحلم به من أجل أهل بلده، وأيضاً هي صادرة عن رجل قدوته في الحياة خير خلق الله أجمعين «قدوتي في الحياة هي نبيي وحبيبي محمد صلى الله عليه وسلم».
إن ربط هذه الومضات بمستقبل الإمارات سيشكل حالة تاريخية فريدة من نوعها، كونها جاءت من أجل الإنسان «أغلى ما نملك هو الإنسان»، وهذا الربط موجود بالفعل فعندما يقول صاحب السمو: «لن نعيش مئات السنين، ولكن يمكن أن نبدع شيئاً يستمر لمئات السنوات»، من هنا نستطيع تأكيد حالة الترابط بين ما يقول هذا القائد وبين ما يفعل، إنه يريد إبداعاً، ويعمل ليل نهار حتى يسير أبناء هذا الوطن على طريق الإبداع، وإذا أردنا أن ننظر في الأعمال التي تبقى مئات السنين، فإننا نجدها في كل ما يحقق تقدم الوطن وعزته، وهذا عمل ملموس من القائد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، تراه أعيننا في كل مكان نتحرك به.
لقد صاغ ومضاته حتى يحملها الجميع في هذا الوطن والعمل بها، إنها ليست أفكاراً طوباوية، إنها صِيغت من أجل سعادة أبناء هذا الوطن، حين يحدثنا عن السعادة، نرى في سموه القائد الذي نفذ الفكرة وخَبِرها قبل أن يسلمها للجيل الجديد، فقد وظف صاحب السمو بحكم منصبه كل إمكاناته من أجل سعادة ورفاه أبناء الوطن، لذا فحين، يقول لنا: «وظيفة الحكومة هي تحقيق السعادة للمجتمع» تري أنه بالفعل قد قطع شوطاً أكثر من كبير في هذا المجال، ويريد أيضاً في ومضاته أن يقول لنا، إن ما أقوم به ليس بكافٍ لذا يعود ويرسل لنا ومضة: «الحكومة في المستقبل يجب أن تقدم خدماتها للناس 24 ساعة قي اليوم، 7 أيام في الأسبوع، و365 يوماً في السنة».
رسائل سريعة غير أن المستقبل سيثبت أنها أفكار صنعت تاريخ أمة، لذا سنحتاج إلى وقت طويل لتحليل ودراسة هذه الكلمات القصيرة التي نتمنى أن يعمل بها أبناء هذا الوطن، لأن هذه الحروف نطق بها فارس شاعر مفعم بالولاء لبلده قائد نشأ في بيئة شعارها الإنسان والإنسانية، وقائد ملهم أخذ دروسه عن القائد الكبير المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، إنها ومضات قائد حالم من أجل وطنه «من حقنا أن نحلم لدولتنا بأن تكون من أفضل دول العالم».
رؤية متجاوزة
حصة لوتاه
الاحتفاء بالتفاعل الاجتماعي والثقافي، الناجم عن المخرجات الفكرية والقيادية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يمثل محوراً استراتيجياً لمتغيرات الرؤية الحضارية والمستقبلية لدولة الإمارات العربية المتحدة، لكونها مؤشراً استثمارياً للفعالية المعرفية، وذلك من خلال انضمامها إلى مفهوم الإنتاج الثقافي المحلي، كالذي أقدم عليه أخيراً الكاتب والباحث عبد الغفار حسين، بإصداره مؤخراً كتاب «قراءة في كتابي الشيخ محمد بن راشد، رؤيتي- ومضات من فكر»، ممثلاً ذلك نموذجاً للقراءة التحليلية، وتكوين صورة أعمق وأشمل، وأظن من يعرف الشيخ محمد بن راشد، يدرك أبعاد شخصيته، وما شكلته من تفاصيل نوعية امتدت إلى أساليب الإدارة واتخاذ القرار والتعامل السياسي الحكيم.
كذلك فإن قربه ومحبته للشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه، شكلا جزءاً كبيراً من شخصيته، فهو كما يقول في كتبه وأحاديثه، قد تعلم من زايد الكثير، وإن أهم ما تعلمه هو التواضع والقرب من الناس، إضافة لذلك، إن من يعرف الشيخ محمد يعرف عنه أيضاً اهتمامه بالخيل والشعر والطيران.
وفي اعتقادي الأكيد، أن لكل منها تأثير خاص، ودلالة يحملنا تأويلها نحو التعرف بشكل أكبر إليه، أو ربما يمنحنا شيئاً من فهم تركيبة شخصيته. وبالحديث عن شعر سموه، فهو بالتأكيد يعكس مستوى الخيال والحلم، الذي يمتاز به سموه، حيث لعب دوراً في جعل الشيخ محمد رجلاً ذا رؤية تتجاوز في غالب الأحيان رؤية من حوله، متجلياً ذلك في إنجازات مدينة دبي الحضارية.
ضوء للعقل العربي
عائشة سلطان
ليس سهلاً أن يجمع السياسي بين القيادة والسياسة والشعر والفلسفة، وإن كان الأمر قد حدث، إلا أن حدوثه ظل ضمن الظواهر القليلة جداً أو النادرة، فحين يشتغل الإنسان في السياسة خاصة يصعب عليه أن يجد متسعاً من الوقت ليفكر أو يهتم فيما عداها، فما بالنا حين ينجح سياسي في أن يجمع بين كل هذه المجالات وبشكل مشهود؟!
صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي يعتبر أحد النماذج النادرة والناجحة في السياسة والقيادة والفروسية، والتفكير الإيجابي المتقدم، وطبعاً الكتابة.
في مجال الكتابة، قدم محمد بن راشد مجموعة من الإصدارات التي تعتبر إضاءات حقيقية أمام العقل العربي، وللشباب العربي المقبل على حياة عملية مليئة بالتحديات والتغيرات، خاصة وأن أول المبادئ التي يرتكز عليها فكر وتوجهات الشيخ محمد بن راشد، هو مواجهة التحديات وعدم الرضوخ أو الاستسلام لها، بل وتحويلها إلى درجة قوية في سلم النجاح والتطور:
«نحن لا نستسلم للعقبات والتحديات»، «نحن شعب يحب المواجهة ويعشق المركز الأول».. هذه ليست مجرد عبارات رومانسية معبأة بعاطفة التحدي، إنها روافع فكرية تحولت في مسيرة محمد بن راشد إلى برنامج عمل يومي تجلى واضحاً في نموذج دبي، وفي تطور الإمارات بشكل عام.
«رؤيتي» دستور التنمية وخريطة الطريق التي رسمها الشيخ محمد بن راشد في الكتاب الذي يحمل العنوان نفسه، الذين قرؤوا الكتاب أيقنوا أن الكاتب رجل مؤمن تماماً بفكرة «التميز» والجودة والتحدي، ولقد استطاع بقوة الإقناع والحجج وعمق التجربة أن يجعل القراء يدخلون سباق التميز دون كلل قانعين بالجهد والتعب، لأن سباق التميز لا نهاية له.
في كتابه «ومضات من فكر»، يقدم لنا «الكاتب» محمد بن راشد خلاصات قلما نستطيع الوصول إلى حكمتها لولا وجود أشخاص خاضوا غمار السياسة والحياة والقيادة والبناء والتنمية، وخرجوا بكل هذا المخزون عالي القيمة من الكلمات والحكم: (لا تشك أبداً في قدراتك، ولا تقلل من مقدراتك، ولا تشتت ذهنك عن هدف). (الوقت هو الحياة، لا نستطيع تخزينه أو إيقافه، فهو كالنهر الجاري، لا تستطيع أن تضع رجلك على الماء نفسه مرتين في نهر جارٍ)، والكثير غيرها مما يجعل من كتب الشيخ محمد بن راشد منارة حقيقية لمن أراد أن يسير في طريق التحديات والبناء، متسلحاً بالحكمة والعزيمة والإصرار!.
عدد اليوم
