الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

منتدون: «لوفر أبوظبي» يقدم رهاناً نقيضاً لصراع الثقافات

منتدون: «لوفر أبوظبي» يقدم رهاناً نقيضاً لصراع الثقافات
23 مايو 2014 00:43
جهاد هديب (أبوظبي) أقام متحف اللوفر أبوظبي مساء أمس الأول في المنطقة الثقافية - منارة السعديات في جزيرة السعديات، الندوة الأخيرة ضمن السلسلة الثالثة من «حوارات الفنون» حملت العنوان: «المتاحف العالمية: من عصر التنوير إلى أبوظبي»، تحدث فيها على التوالي جان فرانسوا شارنيير الوكيل العلمي لوكالة المتاحف الفرنسية، وهارفي باربري مدير عام متحف اللوفر، والروائي والأكاديمي واسيني الأعرج من الجزائر، وقدمتها حصة الظاهري مديرة البرامج في متحف اللوفر أبوظبي، وتلتها أمسية غنائية للفنانة جاهدة وهبة من لبنان. في البداية، أوضحت حصة الظاهري أن الحوار بمجمله يتركز على الأهمية الفنية والقيمة التاريخية للتمثال «أبو الهول الإغريقي» الذي اقتناه متحف اللوفر أبوظبي مؤخراً، ويُعرض الآن في متحف اللوفر باريس ضمن معرض «نشأة متحف»، لينتقل بعد ذلك إلى فكرة العالمية التي تأسست بناء عليها أهم متاحف العالم، وهي - أي العالمية - القيمة الجوهرية التي تأسس عليها متحف اللوفر أبوظبي. بدءاً، يمكن القول إن الندوة، ولدى المنتدين الثلاثة، كانت مليئة بالإحالات المرجعية التاريخية، سواء تلك التي تتعلق بالفن وتاريخه أو بذاكرة التاريخ المشترك بين الحضارات، سواء اتخذ الحوار بينها شكل الحرب أم التبادل التجاري، بوصف ذلك الحوار هو المجال التي انتقلت من خلاله التأثيرات المتبادلة للأفكار والفنون، بل وحتى الأديان أيضاً. تناول جان فرانسوا شارنيير مفهوم «عالمية المتحف»، حيث بنى جملة أفكاره انطلاقاً من تجربة اللوفر الباريسي، فرأى أن فكرة عالمية أي متحف ليس من السهل الحديث حولها، لأنها غير متفق عليها بعد، إنما «يجب التأكيد على القيم التي تنبني عليها هذه العالمية التي من أبرزها: العطاء القائم على فكرة الشراكة بين الناس مع بعضهم البعض بهدف ارتقاء البشرية»، مؤكداً أن هذه هي أصل فكرة عالمية المتحف التي تجد جذراً لها في «التنوير». وقال: «في الأساس، إذا كان هناك تنوير، فيجب على البشر التعرف إلى ما تنتجه البشرية في اللحظة الراهنة بوصف هذا المتحف هو هذا الفضاء لأفكار تنتجها البشرية الآن، وما مكّن اللوفر (ويقصد هنا اللوفر الباريسي)، من فكرة العالمية هو أنه منفتح على الأشكال الفنية كلها والمدارس الفنية كلها أيضاً، مع أنه لا يضم كل ما أنتجته هذه المدارس من أشكال وقيم جمالية فنية من الموجودة في العالم الآن». ولاحظ شارنيير أن «هذا الفهم للعالمية صار يطغى على المتاحف الأخرى في فرنسا مثل مركز جورج بومبيدو، فإذا أردنا اختصار عالمية المتحف، فإن هذا المفهوم فضفاض وليس محدداً وعبر التاريخ، وقد انبنى عبر التاريخ على «كرم» الأفكار الفنية المتبادلة بين البشر، إذ تبرز عالمية المتحف هنا بوصفها الخلفية المشتركة للإنسانية التي جسدتها الأعمال الفنية للمدارس الفنية المختلفة». وقال: «نعلم أننا في اللوفر لن نجمع كل ما أنتجته البشرية على هذا الصعيد، ومن بينها تلك المفردات الفنية الجديدة .. اللوفر كوني وعالمي، نعم، ويحاول أن يخرج من فرنسا لينتشر عبر العالم هذا صحيح أيضاً، مع ذلك فهو في باريس ليس بالدرجة القصوى للعالمية ولا بالدرجة الكاملة». وأضاف: «في القرن التاسع عشر قامت فكرة عالمية المتحف على أن الفن هو شأن من اختصاص الطبقات المثقفة، أما الآن فلم يعد ذلك مقبولاً، بل حدث ذلك منذ بداية القرن العشرين، إذ بدأت المتاحف تفكر بالزائر العام وتسعى لإشباع الرغبات الجمالية للناس العاديين، الأمر الذي أحدث تحولاً في مفهوم المتحف، إذ لم يعد هناك جمهور واحد بل «جماهير»، فهناك جمهور الطلاب الجامعيين وجمهور التلاميذ وجمهور العائلة، بالتالي فأنت مرحب بك في المتحف كلما جئت بهدف تلبية طموحك الفني والجمالي. على هذا النحو بات المتحف هو هذه الحكاية العالمية التي يرويها الناس جميعا، بدءاً من الشارع الذي في مقر المتحف، ثم الحي فالحي المجاور، لتتسع الدائرة، فتصل إلى أولئك الذين يأتون من الصين»، ليختتم مداخلته بالقول: «هذا كله يعني أن مفهوم عالمية المتحف أمر مثير للجدل». من جهته، استخدم هارفي باربري الذي تحدث بالإنجليزية، تقنية العرض عبر الشرائح الذي يعفر بـ «البروجكتور» لشرح أفكاره حول فكرة التمثال «أبو الهول الإغريقي، ليعرض بالتالي جملة من الأفكار التي تتصل بحوار الحضارات أو بين ضفتيي المتوسط، فرأى أن فكرة هذا التمثال وجدت أصلاً في «أبو الهول» المصري بتكوينه الذي بجسد أسد ورأس إنسان، وهو أمر تردد صداه أصلاً في سوريا التاريخية في هيئة طائر الفينيق، ومن هناك انتقل إلى بلاد الإغريق». في سياق الشرح، أوضح باربري أن هذه الواقعية الشديدة للتمثال التي تمثلت بالوجه والجسد تطورت لتصبح واحداً من الأسس الكبرى التي انطلق منها فن النحت الإغريقي، وأكد أن «ما يهمنا في هذه القطعة الفنية أنها تقدم نفسها لنا بهذا الكمال، مع أنها تعود إلى القرن السادس قبل الميلاد، وكذلك أنها مثال على عالمية المتحف التي نتحدث عنها هنا، ما يعني أنها إذ توضع في مكان بارز في اللوفر أبوظبي، فإن هذا الأمر يبرز اختلاط الحضارات بعناصره الجمالية والفكرية التي تتردد عند الفراعنة وسوريا القديمة وبلاد الرافدين». وأخيراً إلى الروائي واسيني الأعرج، وقد تحدث بالعربية، الذي أوضح أنه «لا توجد خيارات أخرى أمام البشرية، فعالمية المتحف أنه استطاع أن يجمع الميراث الإنساني الثقافي في مكان واحد، بذلك فهو المكان الوحيد الذي يجمع فنون العالم دون تراتبية ثقافية، بل هناك سوية واحدة تتجاور عبرها الثقافات وهو ما نفتقده الآن، ما يعني أن نشأة اللوفر أبوظبي تقدم رهاناً نقيضاً في هذا السياق يكشف عن الحاجة الماسة لـ «الآخر» عبر العصور المختلفة ... إنه طريق الحرير الذي دمرته الحروب». بعد ذلك تحدث الأعرج، وبذائقة لغوية وفنية رفيعة، عن الفروقات الثقافية بين الأمكنة التي ظهرت فيها فكرة أبو الهول أو الفينيق، وتأثيرها على ما سماه «المخيال الإنساني»، عبر وسائل وتأثيرات معقدة في تكوينها الثقافي والتاريخي، ليتعقب أثر «الفينيق» في الثقافة العربية والإسلامية. بعد ذلك، أقيمت الأمسية الغنائية «التاريخ بين أزل وأبد .. شرق وغرب» التي قدمت خلالها الفنانة جاهدة وهبة، بصوتها المثقف والأوبرالي، عدداً من الأغنيات التي أخذتها من نصوص شعرية تنتمي إلى ثقافات مختلفة وعصور متعددة، وذلك صحبة فرقة موسيقية قادها عازف القانون والعود أسامة عبد الرسول من العراق، وتشكلت من عازفين وموسيقيين من بلدان عديدة من الشرق والغرب، ليتحقق بذلك إبراز الفكرة التي وراء عالمية متحف اللوفر أبوظبي، بوصفه صيغة شاملة لثقافات العالم عبر التاريخ الفني للبشرية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©