الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإرهاب الكذَّاب الأشِر.. جراد منتشر!

13 يناير 2015 22:40
في أربعينيات القرن الماضي على ما أتذكر، وكما قيل لي وقرأت أيضاً أن كاتباً بلا موهبة ظل يعالج فنون الأدب المختلفة من شعر وقصة قصيرة ورواية، لكنه لم يترك بصمة أو أثراً رغم أن صحفاً كثيرة كانت تنشر له بإلحاحه أو بصداقاته أو لتعبئة مساحة ورقية في صحيفة مغمورة.. وطاف هذا النكرة بشعره وأدبه على أدباء كبار لعلهم يجيزونه لكنهم عزفوا عنه.. وكان هذا المغمور ينتمي إلى منطقة الواحات في مصر.. وعرض شعره مرة على شاعر كبير فكتب له بيتاً تحت إحدى قصائده فيما يشبه التوقيع. يا شاعر الواحات حسبك ما جرى.... يكفيك شعر ميت تحت الثرى وللأمانة.. الشطر الثاني من البيت من صناعتي لأنني لا أستطيع أن أكتب الشطر الذي وقع به الشاعر الكبير ديوان صاحبنا المغمور.. كما أن هذا ليس موضوعنا ولكنه مدخل إلى موضوعنا، والمهم والشاهد في القصة أن صاحبنا المغمور اهتدى إلى حيلة تجعله مشهوراً وحديث القاصي والداني.. وهي أنه كتب مقالاً نشرته له إحدى الصحف هاجم فيه بضراوة عميد الأدب العربي الراحل الدكتور طه حسين. وفطن الأديب الراحل لحيلة صاحبنا ولم يعقب ولا عقب غيره من الأدباء الكبار وفشلت حيلة المغمور. الشاهد في قصة صاحبنا المغمور هي الحيلة القديمة المتجددة أو المبدأ القديم المتجدد: إذا أردت أن تشتهر ويذيع صيتك فهاجم الكبار إذا كنت صغيراً. وإذا كنت كبيراً وذائع الصيت وتوشك الأضواء أن تنحسر عنك فعليك أن تجند من يهاجمك لتعود إلى الأضواء من جديد وتبقى في بؤرة الضوء والشعور. نفس المبدأ الذي يعبر عنه المثل العربي المعروف: الشجرة المثمرة فقط هي التي يقذفها الناس بالحجارة.. وكل نظرية وكل عقيدة وكل فكر وكل زعيم وكل نبي وكل مصلح وكل عالم يزداد قوة وصلابة ورسوخاً بأيدي أعدائه ومهاجميه لا بأيدي أنصاره ومؤيديه. وصحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية ازدادت ذيوعاً وشهرة وتوزيعاً وبلغت العالمية بأيدي من هاجموها وقتلوا أهلها، لا بأيدي صحفييها وإبداع وموهبة رساميها. القتيل يصبح مشهوراً ويبقى في الذاكرة بأيدي قاتليه حتى إذا كان مغموراً في حياته. وكل القتلى أشهر وأعظم من قاتليهم كما قال الشاعر الراحل نزار قباني: برغم النزيف الذي يعتريه.... برغم السهام الدفينة فيه يظل القتيل على حاله.... أجل وأكبر من قاتليه ولابد أن يشعر كل مسلم محب لدينه ولنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالأسى وهو يرى حقيقة مؤسفة ماثلة للعيان وهي أن الإسلام ينحسر بأيدي أتباعه والمحسوبين عليه وينتشر بأيدي أعدائه ومهاجمي نبيه صلى الله عليه وسلم الذي قال له ربنا عز وجل: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)، «سورة الحجر: الآية 95».. الإسلام لم يكن يوماً محتاجاً إلى قتلة ومجرمين وإرهابيين ليدافعوا عنه وعن رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فالله سبحانه وتعالى متم نوره ولو كره الكافرون. ولو كره المشركون. ومعجزة الإسلام الكبرى أنه طيب وبخور لا يفوح إلا وسط النار.. معجزة الإسلام الكبرى أنه ينتشر على أيدي كارهيه (ولو كرهوا). هذه هي المعجزة، لابد أن ينتشر وهم له كارهون. محمد صلى الله عليه وسلم الذي لم يغضب لنفسه قط ما زال وسيظل يحكم العالم ويديره.. يحكمه بألسنة كارهيه وأقلامهم، ومهاجميه والمستهزئين به صلى الله عليه وسلم. والله تعالى يكفيه بينما القتلة والموتورون والمجرمون يسيئون للإسلام أضعاف ما يسيء إليه رسامو كاريكاتير أو صانعو أفلام أو كتاب مقالات لا تساوي الحبر الذي كتبت به. آفة الإسلام والمسلمين اليوم، نسأل الله النجاة منها - هي هؤلاء الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. هؤلاء الذين يسيئون ويتوهمون أنهم محسنون، هؤلاء الذين يفسدون ويصرون على أنهم مصلحون، إنهم حين يقتلون ويسفكون الدماء إنما يزيدون أعداء الإسلام والمسلمين. والذين يردون على القلم بالرصاصة حتى إذا كان القلم سيئاً هم العجزة والمعوقون وضعاف الحجة، والذي يقتلني ليسكتني أضعف مني حجة. والإسلام العظيم يغزو العالم بالعقيدة والحجة البالغة ولا يغزوه بالرصاص والصواريخ والمدافع والإرهاب - هؤلاء الذين يزعمون أنهم يدافعون عن الإسلام بالقتل والإرهاب حجتهم داحضة لأن كل عمل إرهابي ضد من يسيئون للإسلام ونبيه إنما هو موجه ضد الإسلام مثل (الدبة) التي رمت صاحبها بحجر في وجهه فقتلته لأنها أرادت أن تطرد ذبابة وقفت على وجه قتيلها. لكن الذبابة نجت وطارت ومات صاحب (الدبة) الحمقاء. الإسلام ليس له أعداء أخطر من أهله المحسوبين عليه، الذين يوجهون سلاحهم الفاسد إلى صدور المسلمين وهم يظنون أنهم يقتلون أعداء الإسلام. ليس للإسلام أعداء أخطر من المنافقين الذين ابتلي بهم هذا الدين منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - هؤلاء المنافقون يرتكبون الجرائم النكراء ويقولون كما قال أجدادهم على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم: إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً. وهؤلاء تكفل الله وحده بحربهم وكشف زيفهم ولم يأمر المسلمين بقتلهم - هؤلاء هم سوس الإسلام الذي ينخر فيه بالقتل والخراب والدمار وهو يظن أنه يحسن صنعاً.. ليس للإسلام أعداء من خارجه أبداً. هذه فرية افتراها الإرهابيون أعداء الإسلام الحقيقيون ليبرروا بها أفعالهم المنكرة.. هؤلاء الإرهابيون هم الذين يخلقون قسراً أعداء للإسلام من خارجه. هم الذين يقدمون الذريعة ويدعون أنهم أهل الشريعة، هم الذين إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا. وإذا خلوا إلى شياطينهم وأجهزة الاستخبارات التي تجندهم قالوا: إنا معكم إنما نحن مستهزئون - الإرهاب كذاب - الإرهابي كذاب أشر - يهلك الحرث والنسل ويفسد الدين والدنيا كجراد منتشر. محمد أبو كريشة* *كاتب صحفي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©