الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عماد حجاج: أعيش في الجحيم لأرسم كاريكاتيراً ناجحاً

16 يناير 2006
عمان - توفيق عابد:
في رسوماته نشوة وطاقة تفجر ذكاءه وجمال سخريته، وفي داخله إبداعات تجمعت كغيمة مثقلة بالخير تبحث عن جو مناسب لتهطل· ورغم الاتهامات لم يتنازل عن تعابيره واسقاطاته وبقي محرضا وساخرا رافضا عقد ميثاق مع الوحل والمكاسب فهو من جيل مجبول بالعصيان والتمرد·
عماد حجاج رسام الكاريكاتير الأشهر في الأردن، صاحب التفاصيل المذهلة كان بإمكانه أن يكون عالم فيزياء لكنه انحاز إلى الكاريكاتير وقال لـ 'دنيا الاتحاد' أعيش في الجحيم لأرسم كاريكاتيرا ناجحا ومؤثرا يناغش هموم الناس ويطرد 'تكشيره' عن وجوه متعبة ويقدم إضاءة في ظلمة حالكة ويدافع عن حقوق الإنسان·
وفي بداية الحوار سألناه عن سر انطلاقته السريعة ولماذا اختار الكاريكاتير بالذات فأجاب: هذه شهادة أعتز بها فالمسألة لم تكن قراري وبمرور سريع على سيرتي الذاتية تجد انه ربما حركتني الأقدار باتجاه الكاريكاتير أكثر مما قررت أنا، فقد كنت طالبا ادرس الفيزياء عام 1986 في جامعة اليرموك متسلحا بموهبة جيدة في الرسم لم أحلم يوما أن امتهنها أو أدرسها وحتى بعد أن تحولت إلى دراسة الفنون بعد ثلاث سنوات لم يخطر ببالي أن أكون رسام كاريكاتير وكان أقصى طموحي حينها أن أكون مدرس تربية فنية في وزارة التربية والتعليم أو أكمل دراستي الجامعية لأحصل على دكتوراه في التربية الفنية·
الكاريكاتير سحرني
وبعد تخرجي بدأت في نشر رسوماتي في بريد القراء بالصحف اليومية وكانت فرصتي الأولى مع صدور صحف أسبوعية، وربما ساعدني الحظ ومعرفة معظم الصحفيين حيث عملت في صحيفة مسائية متوقفة 'آخر خبر' قدمتني إلى الوسط الصحفي، وحتى بعد هذه التجربة التي استمرت سنة لم يكن الكاريكاتير مصدر رزق بل كنت أعمل كمصمم غرافيكي في مكتب للدعاية والإعلان إلى أن عملت بشكل رسمي مع جريدة 'القدس العربي' في لندن وانتقلت إلى صحيفة أردنية واسعة الانتشار·
ولأول مرة شعرت بسحر الكاريكاتير بعد نشره واستهوتني التجربة والحمد لله كان لي خط معين وإضافة جديدة واجتهاد ميزني عن الرسامين الآخرين وأهلني إلى الانطلاق إلى صحف محلية أكبر وأوسع انتشارا·
وكانت القفزة الكبيرة في مسيرتي كرسام كاريكاتير عندما ابتكرت شخصية 'أبو محجوب' عام 1993 بعدها نذرت نفسي للكاريكاتير وتفرغت له، وعملت براتب متواضع في صحيفة الرأي حتى أرسم شخصية أبو محجوب·
فن الجماهير
يضيف: توجهت إلى الكاريكاتير بالذات لأن الفنون البصرية والتشكيلية ليست ذات شعبية كبيرة في الوطن العربي بل نخبوية فيما الكاريكاتير كان منذ بداياته فنا شعبيا، إنه فن الجماهير بامتياز لأنه سهل ممتنع مقارنة بالمواد الصحفية الأخرى وتناوله سريع وقيمته تكون بالرمز والتلميح ويوصل أشياء لا يستطيع أن يوصلها آخرون يعبرون عن وجهة نظرهم بالصورة أو الكتابة·
وأزعم أنني حملت لواء معركة سامية يشاركني فيها أغلبية كبيرة من أبناء وطني وهي معركة الحرية والحقوق المتساوية وتحقيق الذات ومحاربة أشكال البشاعة والدكتاتورية واضطهاد المرأة والطفل·
وهناك قالب السخرية والضحكة هذا الشيء المفقود والنادر جدا في المجتمع الأردني ويمكن أن يعزى نجاح شخصية أبو محجوب إلى أنها ترسم الابتسامة على وجوه الناس في الصحف التي تحفل بأخبار الكوارث والدم والدمار والمنظرين·
؟ تحدثت عن سحر الكاريكاتير·· فكيف وجدته؟
؟؟ لقد وجدت نفسي بالكاريكاتير فالإنسان يبحث عن شيء يجد نفسه فيه، فقد اكتشفت عندما كنت أدرس الفيزياء أنني غير قادر على التأثير في محيطي لكن في مجال الكاريكاتير أحسست بالتميز لأنه مهنة نادرة لم يطرقها أناس كثيرون وفي هذا المجال بالذات أستطيع التأثير في محيطي وتغيير الواقع أو أغير قناعة ما ولو بصورة جزئية· أنا لا أرسم الفن للفن ولا أرسم ترفا بل أرسم لأغير لهذا سحبني الكاريكاتير لأنه فن شعبي له جمهوره ويتابعه الجميع ابتداء من الطفل وربة البيت وحتى السياسي والمثقف وغير المثقف وأنت تخاطب الناس بشكل مباشر·
كشف المستور
؟ يوصف الكاريكاتير بأنه فن كشف المستور إلى أي حد نجحت في ذلك؟
؟؟ هذه المقولة صحيحة تماما لأن طبيعة هذا الفن فرضت عليه أن يكون جريئا بالضرورة ولا يكترث بالخطوط الحمراء وبالنسبة لقضية كشف المستور فمعنى شخصيتي الكاريكاتورية أبومحجوب 'المخفي' كما يقولون المخفي أعظم وان كانت ميزة لـ أبو محجوب فإنه دخل أكبر المساحات تعبوية و'ممنوعية' في المجتمع الأردني المحافظ في جميع أشكال تعبيره الفنية، ففي الدراما يندر أن تجد مثلا معالجة لقضايا شخصية وعائلية لوجود خطوط حمراء فهو جريء جدا تراه في غرفة النوم يتحدث مع زوجته وشيطانا وملاكا ومهربا وموظفا فاسدا··· هذه الجرأة تحت شعار 'كشف المستور' الذي استلهم من شخصية حقيقية لوالدي رحمه الله وهذه ليست شخصية جديدة وغير موجودة لم يسبقني إليها أحد لكنها الأولى في الأردن فهناك 'أبو العبد' في لبنان وأخرى في مصر وعندما فكرت في تجسيد شخصية أردنية لم أجد أنسب من والدي وهو متقاعد مصاب بإحباط كبير وما يميزه أنه يمتلك سخرية ودعابة عالية وأمثال ومقولات يوظفها لخدمة فكرته 'ما بيخلي ستر مخبى' على حد تعبير المثل الشعبي·
فترة ذهبية
؟ أنت تنتمي إلى جيل الشباب، إلى أي حد أثبتم وجودكم؟
؟؟ إذا تفحصت فن الكاريكاتير تجد أنه عاش فترة ذهبية خلال السبعينات وأوائل الثمانينات وكان الطيف السياسي للصحافة آنذاك متميزا وسقف الحرية أوسع والتحالفات السياسية واضحة وللكاريكاتير جمهوره وحضوره، ومن يشتري صحيفة كان يسجل موقفا من الأحداث· ويمكن القول أنه رغم تراجع الصحافة المقروءة فان الكاريكاتير قفز بسهولة إلى صفحات الإنترنت وأصبح من المواد الأكثر رواجا وتناولا وتحول إلى رسوم متحركة تشاهد في الفضائيات·
ولا أبالغ إذا قلت إنني من القلة بين الرسامين العرب الذين يشاهد الناس أعمالهم على موقعهم الإلكتروني أكثر من الصحف التي يعملون بها، وربما ما يميز الشباب خروجهم من السياسة إلى الترفيه والاجتماع والرياضة والفنون·
؟ هذا الحديث يقود إلى استفسار عن مشاكلك؟
؟؟ مشكلتي كأي رسام كاريكاتير هي سقف التعبير والخطوط الحمراء فإذا لم يكن الكاريكاتير جريئا فلا يصنف ضمن هذه الخانة، فالجرأة ليست ميزة بل هي متطلب والخطوط الحمراء مهما اختلف مفهومها وتعريفها تبقى ابرز المشاكل، وهناك الثالوث المحرم في ثقافتنا 'الجنس والسياسة والدين' ولا أعتقد أن فنانا يستطيع كسره، وهناك المساحات المحظورة التي يمكن أن يقال فيها الكثير ولم أقله بعد·
الصحافة··· موقعي
؟ بصراحة أين تجد نفسك في الصحافة المطبوعة أم الإلكترونية؟
؟؟ بالطبع لا غنى عن الصحافة المطبوعة فلها سحرها وجمهورها وشخصيا أجد حريتي الكبرى على الإنترنت، حيث لا يوجد رقيب والمتصفحون من النخب والمثقفين والأردنيين المغتربين لكن في النهاية يظل الجمهور المحيط والذي أستطيع التأثير فيه هو الأقرب إلي والذي للأسف لا توجد وسيلة لمخاطبته إلا من خلال الجريدة، لذا أتشبث بجمهوري بخطوط حمراء ومحاذير أكثر وأقول ما زال للصحافة المقروءة سحرها·
؟ هل وجدت نفسك أمام القضاء أو تلقيت تهديدات بسبب جرأتك؟
؟؟ الكاريكاتير جزء من مهنة المتاعب وما يحدث معي أعتبره ضريبة ولا أبالغ في هذه النقطة بالذات إذا قلت والحمد لله بأنني من أكثر الرسامين الأردنيين جرأة ودخلوا وناقشوا وتجاوزوا الحدود· وافتخر بأنني أول من رسم رؤساء الوزارات بالصحف اليومية، وفتح ملفات فساد كانت تعتبر محرمات، وانتقد المسؤولين الكبار، وتناول جرائم الشرف التي كانت محظورة في الصحف اليومية· كما أفتخر أيضا بانني أعرف ما أقوم به وخاصة قانون المطبوعات الذي أرفضه وأعرف ما هو المسموح وغير المسموح به، ويفاجأ حتى رئيس التحرير بأن الكثير من رسوماتي المرفوضة مجازة من دائرة المطبوعات والنشر لكن مفهوم الرقابة يتغير لا يحدده القانون بل يخضع لمزاج رئيس التحرير والناس والتوقيت·
وعموما وصل الأمر إلى القضاء مرة أو مرتين دون أن تأخذا طريقهما إلى المراحل النهائية لأن موقفي كان سليما، وفي فترات سابقة كنت أتلقى تهديدات عبر موقعي الإلكتروني بشأن قضايا سياسية أتعامل معها لكنها زالت مؤخرا والمرعب أكثر هو رسائل التهديد عبر الفاكس والهاتف أحيانا ولا أخفي عليك أنها كانت تخيفني لكن مع التجربة تعايشت معها وصارت جزءا من العمل·
تجارب مؤلمة
؟ وصفت الكاريكاتير بأنه فن جريء، هل تصطدم مع رؤساء التحرير؟
؟؟ دائما أنا في صدام مع رؤساء التحرير، ومعظم الرسومات لا تخرج إلى الناس إلا بعد مخاض عسير وطويل والمفاصلة المؤلمة أحيانا 'اشطب هذه وغيّر تلك' وهو الأمر الذي كنت أرفضه من قبل، لكن دعني أعترف بأنني أرضخ أحيانا حتى أحافظ على وجودي في الحدث لأقول كلمتي· بالطبع لا بد من القول أن رؤساء التحرير ليسوا نسخة واحدة بل يختلفون، فالقمع يأخذ أكثر من غطاء أو حجة فهناك من يرفض بأدب ومن يرفض بفظاظة 'يا ما رميت في وجهي رسومات'، بل وصلت أحيانا إلى درجة الشتم والاتهام بالجاسوسية والتخريب، ففي إحدى المرات قدمت رسمة حول اتفاقية وادي عربة فألقيت في وجهي واتهمت بالعمالة والجاسوسية وما كنت إلا معبرا عن وجهة نظري· غير أني أحترم بعض رؤساء التحرير مع ذلك لأنهم يقنعونك بسبب رفض كاريكاتير معين ولا أنكر بأن لي أخطاء وأتجاوز تحت ضغط الحماس وابحث على الإنترنت أحيانا عن رقيب 'حتى يقنني' فالحرية المفتوحة المطلقة خطيرة لها رهبتها وتخيف·
تجربة فاشلة
؟ أنت الوحيد الذي حول شخصيته أبو محجوب إلى مسرحية فهل تنوي تكرار التجربة؟
؟؟ التجربة وأقولها بكل صراحة وصدق لم تحقق النجاح الذي توقعناه فقد عانيت مشكلة في بث رسوماتي المتحركة عبر الشاشة الفضية ولم أجد منبرا سوى من خلال المسرح، وهنا أسأت الاختيار فالفكرة كانت جديدة هدفها إيجاد تفاعل مع ما يسمونه المسرح التفاعلي بين عرض الشاشة والأداء المسرحي· واعتقد أن العمل لم يكن ناضجا أو ناجحا لكن نفس الأعمال قدمت في رمضان الماضي على شاشة التليفزيون الأردني وحققت نجاحا كبيرا· وأنوي تكرار التجربة الرمضانية لأنني أنطلق من طموح كبير فلا بد لشخصية أبو محجوب أن تكسر إطارها الثابت في الصحف وتتحرك لأن هذا هو التطور الطبيعي لأي شخصية· وعالميا إذا بحثت في تاريخ الرسوم المتحركة لوجدت أنها في الأساس شخصيات طرحت في الصحف فأنا مصر على هذا الاتجاه وان شاء الله تعالى سيكون إنتاجنا القادم في رمضان أطول مدة متجاوزا أخطاء فنية وقعت ومفتوحا أكثر على المشهد العربي بتجلياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وأخطط لتقديم أبومحجوب كشخصية عربية·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©