الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

برازيليو اليابان وتحديات الهجرة العكسية

برازيليو اليابان وتحديات الهجرة العكسية
4 نوفمبر 2008 00:49
بسبب نقص العمالة الذي واجهته في عقد التسعينيات من جهة، وخوفاً من تدفق الغرباء على أراضيها من جهة أخرى، سمحت اليابان بإجراءات استثنائية لصالح مواطنيها من المهاجرين السابقين إلى البرازيل· وبالنظر إلى جذورهم وملامحهم وأسمائهم، يعد أفراد هذه الأجيال المهاجرة، الأكثر قدرة وسهولة على التأقلم مع مجتمعهم الأصلي، واختراق السياج المنيع الذي يضربه المجتمع الياباني حول نفسه منعاً لدخول الغرباء عليه· ومنذ عقدين من الزمان مرا على عودة هؤلاء المهاجرين إلى اليابان، فقد تواصل تصاعد أعدادهم على رغم تكرار الأزمات الاقتصادية على البلاد، مثلما هي الأزمة الحالية· ويتجمع معظم هؤلاء في المناطق الصناعية الكبيرة التي تمد شركات هوندا وسانيو وتويوتا وغيرها من الشركات العملاقة التي منحت اليابان اسمها وشهرتها، بما تحتاجه من قطع وأجهزة ومعدات تستخدم في صناعاتها· ولكن على رغم ما يقال عن نفور اليابانيين عموماً من الأجانب، فإنه ما من منطقة من مناطق البلاد يقارن فيها الاحتكاك اليومي بين اليابانيين والبرازيليين اليابانيين مثلما هو حادث هنا في هذا المجمع السكني المسمى ''هومي''· وكان هذا المجمع قد شيد في عقد السبعينيات من القرن الماضي لإيواء العائلات اليابانية الشابة، ويتسع في الوقت الحالي لنحو 8,891 نسمة، تكاد تنقسم بالتساوي تقريباً بنسبة 52 في المئة للمواطنين الأصليين، و48 في المئة للأجانب· وتعليقاً على هذا التداخل بين المواطنين والأجانب، قال توشينوري فوجيوارا -وهو قيادي مجتمعي يبلغ من العمر 69 عاماً- واصفاً الوضع: ''لم أتخيل يوماً في حياتي·· ولا في عالم الأحلام، أن يتحول أي جزء من اليابان إلى منطقة للتعدد الثقافي العرقي مثلما نرى اليوم في مجمع هومي''· والمرجح أن يتكرر مثل هذا التعليق أكثر فأكثر على ألسنة الكثير من اليابانيين بعد عشر سنوات من الآن، بعدما تتزايد بشكل حاد نسب المسنين بين المواطنين الأصليين، وتنخفض معدلات القوة المحلية العاملة· وقد انتشرت مظاهر نقص العمالة خلال السنوات الأخيرة، من المناطق الصناعية لتصل إلى الحقول والمناطق الزراعية الأكثر انغلاقاً في وجه الأجانب سابقاً، ما أرغم السلطات اليابانية على فتح الأبواب أمام العمالة القادمة من الخارج، سواء من الصين أم من غيرها من الدول الآسيوية المجاورة· بل إن بعض الخبراء يتنبأ بأن تضطر اليابان قريباً لفتح أبواب الهجرة إليها، إن كان لها أن تحصل على القوة العاملة التي تحتاجها، وإن أرادت البقاء في صف الدول الصناعية المتقدمة عالمياً· ولكن إلى أن يتحقق ذلك، فلا تزال اليابان معروفة بسمعتها السيئة في عدم الترحيب بالأجانب والغرباء عموماً· والدليل أن الكوريين الذين هاجروا إليها منذ سنوات الحرب العالمية الثانية، تتم معاملتهم إلى اليوم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية· ولكي تكون اليابان دولة جاذبة للأجانب، فإنه ينبغي لها أن تحدث تحولات ثقافية مكلفة وبالغة الصعوبة، ربما يكون التعامل مع مواطنيها البرازيليين، بالون اختبار حقيقي لها· فإذا لم يجد هؤلاء المواطنون المهاجرون قبولاً داخل المجتمع الياباني، فأي مهاجرين آخرين غيرهم يمكن أن يفتح لهم المجتمع الياباني صدره؟ وهذا السؤال يثار من قبل الخبراء وهم يضعون في الاعتبار أن انفتاح الأبواب أمام العمالة المهاجرة، سيأتي بالضرورة بمجموعات شديدة التباين في انتماءاتها العرقية والدينية والثقافية واللغوية، وتختلف أشد الاختلاف عن المواطنين الأصليين· على أن المزيد من الانفتاح عى الهجرة مسألة غير مستحبة حتى الآن، وتعد من القضايا السياسية الحساسة للغاية· ولكن مع ذلك تشكل الجالية البرازيلية اليابانية العائدة، البالغ تعدادها نحو 317 ألف نسمة، بأطفالها الذين ترعرعوا وقوي عودهم في وطنهم الأم، أكبر مجموعة سكانية مهاجرة في اليابان· ومن جملة أفرادها حصل 94,400 منهم على الإقامة الدائمة سلفاً، بينما لا يستبعد أن يمتد بقاء الآخرين إلى أجل غير مسمى دون الحصول على حق الإقامة الدائمة! هذا ويعد مجمع ''هومي'' السكني مدينة داخل المدينة، ببنايات الشقق السكنية الأربعين التي يتألف منها، فضلاً عن المنازل الأخرى الملحقة به، وكذلك مدارسه وأسواقه التجارية ومستشفياته· وهو لا يختلف بهذه المواصفات عن أي مجمع سكني ياباني، حين تنظر إليه عن بُعد· ولكن ما أن تقترب منه، حتى تلحظ أن لافتات الطريق المثبتة فيه مكتوبة باللغتين اليابانية والبرتغالية· أما في السوق التجاري داخل المجمع، فتقدم المطاعم الوجبات البرازيلية، بينما تباع في محاله المجلات والصحف البرازيلية· بل إنه تم استبدال إحدى كبريات البقالات اليابانية في السوق، بأخرى برازيلية، في إشارة واضحة للتغيير الديموغرافي والثقافي الجاري في المجمع بشكل عام· وفي بادئ الأمر لم يستطع اليابانيون فهم الأسباب التي تدفع البرازيليين اليابانيين للاستماع إلى الموسيقى الصاخبة، أو عجزهم عن التعامل مع القمامة كما يجب، أو لامبالاتهم بتأخرهم عن المواعيد· ومن بين هؤلاء قالت ريتا أوكوكاما، البالغة من العمر 40 عاماً، إنها كانت بين المهاجرين المحظوظين، لأنها لم تعان كثيراً من تعصب المواطنين ضدها· فقد عادت إلى موطنها الأم منذ نحو 18 عاماً وأقامت فيه، بل افتتحت لها محلاً صغيراً لبيع الوجبات السريعة والخفيفة· ولكن قبل عقد مضى، اضطر المهاجرون البرازيليون إلى خوض اشتباكات وشجارات متكررة مع اليمينيين المتطرفين بسبب التمييز ضدهم، وخاصة أنه تمييز لا يكتفي بالإساءة اللفظية، وإنما يصل حد الضرب والعنف أحياناً· إلا أن الوضع بدأ بالتحسن قبل خمس سنوات، حين تعلم المواطنون والمهاجرون التعايش السلمي فيما بينهم· والسؤال الذي تواجهه اليابان اليوم، خاصة مع ترجيح فتح أبوابها أمام هجرة واسعة للعمالة الخارجية إلى أراضيها لا مناص منها هو: إلى أي مدى يمكن أن يترسخ هذا التسامح مع مواطنيها البرازيليين قبل غيرهم؟ نورميتسي أونيشي/مدينة تويوتا- اليابان ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©