الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فرنسا... ما وراء حظر النقاب!

23 يوليو 2010 21:38
مسكينة فرنسا! عشية العيد الوطني الذي يتم إحياؤه في 14 يوليو من كل سنة، تبنت الغرفة السفلى من البرلمان الفرنسي بأغلبية كبيرة مشروع قانون يهدف إلى تغيير عادات اللباس "المسيئة" لـ2000 امرأة مسلمة، التي يقول المنتقدون إنها تشكل تهديداً للهوية والقيم الفرنسية. ولكن ما هي هذه الثياب المسيئة؟ إنه البرقع أو النقاب الذي يغطي وجوه نسبة صغيرة جدّاً من المسلمات في فرنسا (يُعتقد أن ربعهن هن ممن اعتنقن الإسلام)، وقد بات يشكل موضوع نقاش وطني، حول معنى أن يكون المرء فرنسيّاً، من الأساس. وفي هذا الإطار، قال ساركوزي، الذي دافع عن التشريع، إن مثل هذه الثياب "غير مرحب بها في فرنسا" ووصفها بأنها لا تنسجم مع القيم الفرنسية. والتشريع الجديد، الذي من المتوقع أن تتم الموافقة عليه في مجلس الشيوخ الخريف المقبل، سيعرِّض المخالفين لدفع غرامة قدرها 185 دولارا وتلقي درس في المواطَنة في أول مخالفة؛ أما بالنسبة للذين يتبين أنهم يرغمون النساء على ارتداء النقاب أو البرقع في الأماكن العامة، فيمكن أن يُحكم عليهم بغرامة قد تصل إلى 38 ألف دولار، مع سنة سجن. وسأبدأ بالقول إن لكل دولة مستقبلة للمهاجرين، في عصر العولمة الواسعة هذا، الحق في إعادة تقييم حدود ثقافتها وبحث أفضل السبل لإدماج الوافدين الجدد إلى مجتمعها (وهذا يذكِّرني بالولايات المتحدة حين حثت طائفة "المورمن" على التخلي عن عادة تعدد الزوجات من أجل قبول انضمام ولاية يوتا إلى الاتحاد). ولكن يبدو لي أن تشكيل حدود لهويتك الوطنية على نحو ينتهك حقوق 2000 امرأة يرتدين الحجاب، حتى لو كان حجاباً متشدداً كالبرقع الذي يحجب الوجه كله؛ أو النقاب، الذي يترك فتحة للعينين، هو أمر مؤسف ومحزن، على كل حال. لقد سبق لي أن رأيتُ نساء منقبات من قمة الرأس إلى أخمص القدمين في باريس ولندن، وهو مشهد قد يراه البعض مزعجاً. ومن الأكيد أن المعتقدات التي تدفع النساء إلى ارتداء الثياب الحاجبة لا تنسجم مع المفاهيم الغربية الأساسية؛ ولكن الأمر نفسه، بالمقابل، ينطبق أيضاً على انتهاك الدولة للحرية الدينية، أو سعيها لسلب النساء الحق في اختيار ما يرتدينه. ومما لاشك فيه أن الجمهور الفرنسي، الذي تقول التقارير الإخبارية إنه يؤيد الحظر بأغلبية كبيرة، ينظر إلى حجاب الوجه باعتباره تهديداً كبيراً ورمزاً لأكثر من مجرد انتهاك لحقوق النساء. فهو، على حد تعبير عضو البرلمان الفرنسي أندري جيران: "جزء بسيط من مد أسود من الأصولية". بيد أن المشاكل التي تواجهها فرنسا في إدماج سكانها المسلمين، الذين يشكلون أكبر جالية مسلمة في أوروبا، ليست لها علاقة قوية بالدين؛ إذ تفيد معظم التقارير أن إلقاء الشباب الغاضب للزجاجات الحارقة في الضواحي الباريسية في 2005 كان يحركه شعورهم بالإقصاء والتهميش السوسيواقتصادي، وليس بسبب الدين. ثم إن استطلاعاً للرأي أجراه "مركز بيو" لقياس مواقف المسلمين في 2006 كشف أن فرنسا هي البلد الأوروبي الكبير الوحيد الذي تقول فيه أغلبية المسلمين إنها تدين بالولاء للوطن قبل الدين. ولكن، ما الذي يمكن أن تجنيه فرنسا من وراء حظر البرقع؟ الحال أن الأشخاص الذين يعارضونه يعتقدون أنه سيعمل في الغالب على إثارة المشاعر المناوئة للمسلمين. وهذا يفسر السبب الذي جعل مسلمي فرنسا عموماً -مع بعض الاستثناءات البارزة- يعارضون الحظر، ويفسر أيضاً لماذا لن يزيد عمليات الاندماج إلا صعوبة على المدى البعيد. وفوق ذلك، فإن من المستبعد أن يكون له تأثير تحريري على النساء اللاتي يرتدينه، بل إنه قد يجعلهن أكثر عزلة عن المجتمع. والواقع أن المرء عندما يفكر في الحظر في سياق شعار فرنسا "الحرية والمساواة والأخوة"، من الصعب ألا ينتابه القلق بشأن تدابير الدولة أكثر منه بشأن سلوك النساء المنقبات. ذلك أن فرنسا بلد في حالة ارتباك وحيرة اليوم -إذ يشير أحد استطلاعات الرأي إلى أن 80 في المئة من الفرنسيين يشعرون بأن هويتهم الوطنية أخذت "تضعف"- ويبدو أنه مستعد للمجازفة بنزاهة قيمه السياسية في محاولة لتعزيز وتقوية ثقافة يُخشى أن تُفقد بشكل جدي. وفي هذا الإطار، قاد ساركوزي في الخريف الماضي بلده عبر حوار كارثي دام ثلاثة أشهر حول الهوية الوطنية. وقد كان كارثيّاً لأن الاجتماعات التي عقدت على صعيد بلديات المدن كانت تميل عموماً إلى التحول بسرعة إلى خطابات عنصرية. وهكذا، اضطر ساركوزي في خطاب متلفز بمناسبة السنة الجديدة إلى أن يهيب بمواطنيه "أن يناقشوا الموضوع بدون تمزيق بعضهم بعضاً، وبدون سباب متبادل، وبدون فقدان للوحدة". وتلك هي المشكلة، ذلك أنه متى شعر الغربيون بأنهم محاصَرون ومهدَّدون بسبب الهجرة، فإنهم كثيراً ما يخلطون بين ازدراء الآخرين والكبرياء الوطني، وبين الخوف وحب بلدهم، وبين معاداة الأجانب والوطنية. وخلاصة القول إن التشريع الفرنسي قد يبدو صائباً في الوقت الراهن، ولكنه لا يقدم شيئاً يذكر لحل المشكلة الأكبر: الاندماج. جريجوري رودريجيز كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©