الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غزو أوروبا مع عيالي

غزو أوروبا مع عيالي
23 يوليو 2010 20:59
عيالي يكبرون أمام عيني وأنا غريب الوجه واليد واللسان على متن الطائرات المتجهة شرقاً وغرباً، فبسبب انعدام لغة التواصل بيني وبين أغلب سكان المعمورة، فإنني لم أسافر قط إلى أي دولة غير عربية إلا بأعوان وترجمان. أخذت أسرتي مرة إلى تركيا برفقة شقيق زوجتي وأسرته، وإلى سنغافورة برفقة شقيقي وأسرته. عرض عليّ صديق رحلة إلى أوروبا، وافقت فوراً وقلت إن هذه الرحلة ستكون مفتاح أبواب أوروبا الموصودة في وجه عيالي. فعل هو كل شيء وكان دوري في ربوع زيلامسي وإنترلاكن هو ضبط الراديو. لكنني طلبت منه في مرة واحدة أن أعبئ السيارة بالوقود، فالخدمة هناك ذاتية ولابد من التجربة. في طائرة العودة قررت مداهمة أوروبا بصحبة عيالي بالاعتماد على نفسي، فقد رأيت بعيني أن السفر إلى أوروبا لا يحتاج إلى حفظ قاموس أكسفورد. بعد أسبوع كنا نطير فوق السحب الأوروبية، وهناك في المطار كنت أمشي بالجينز مختالاً فخوراً بنفسي، فقد هدمت جدار برلين الخاص بي، خصوصاً أنني عرفت كيف أدير الأمور بمنتهى الحرفية. أعطاني الموظف مفتاح الـ X6 وأرشدني إلى مكان وقوفها، رحنا نقترب منها كأننا نقترب من مكوك فضائي، فقد عرض عليّ مكتب السفريات في دبي استئجار هذه السيارة وقبلت فوراً لأنني اعتقدت أنها مثل سيارة X5 التي أعرفها جيداً، فما هذه السيارة بحق الجحيم؟ لقد سبق لي أن رأيتها في شوارع دبي لكنني لم أكن أعرف اسمها، فأنا آخر واحد في العالم يهتم بالسيارات. صعدنا المكوك الفضائي الأسود وأنا أقول في نفسي: Yes، هكذا أثبت لنفسي أنني أبو السفر، وبمفردي، ومن دون الحاجة إلى أي شخص في هذا العالم، وبسيارة لا أحلم بامتلاكها إلا بأقساط تكسر ظهري. من الآن فصاعداً يمكن لعيالي أن يقترحوا اسم أي دولة في العالم، وقبل أن يرتد إليهم طرفهم يجدون أنفسهم في تلك الدولة، هذا الأب وإلا فلا. لكن المفتاح لا يدور في فتحة التشغيل، بقينا لدقائق نفكّر واقترحت عليّ زوجتي استبدالها بسيارة خالية من التعقيد، لكن هذا الاقتراح يعني أنني غبي، وكيف أصلاً أستطيع التفاهم مع الموظف الألماني الذي لولا أوراق الحجوزات التي كنت أضعها أمامهم في المطارات والفنادق قبل أن أبدأ في «الحديث» لما عرفوا ما الذي أريده منهم. بالمصادفة رأيت زر التشغيل، فأخذت أضغط عليه مراراً وتكراراً كأنه زر مصعد في بناية توشك على الانهيار وأنا في الطابق التسعين منها، وتذكرت زوجتي أن شقيقها الذي يملك سيارة مشابهة يضغط على المكابح أثناء الضغط على الزر، فبلعت ريقي حين سمعت صوت المحرك. لكن كيف نصل إلى الفندق؟ نعم هناك جهاز ملاحة في السيارة، لكنني لم أستعمل هذا الجهاز قط، وراحت أم العيال تجرّب حظها إلى أن توصلت إلى فك شيفرة شوارع أوروبا. خلال عشرة أيام زرنا ست مدن ألعاب في ألمانيا وبلجيكا، وعلى الرغم من أنني كنت خائفاً من ارتباك السفر الذي يصيبني، والبديهيات التي أنساها أحياناً، مثل محاولة النزول من السيارة قبل فك حزام الأمان، إلا أنني كنت أنام كل ليلة بجفون مليئة بالفخر بنفسي والإعجاب بقدراتي. حين أعدت السيارة في المطار، شعرت بأنني أنجزت 99 بالمئة من إجراءات الرحلة، وما هي إلا طائرة أصعدها فأكون في دبي لأستلم هناك جائزة نوبل للسفر الناجح. وضعت التذاكر وجوازات السفر أمام الموظف فأخذ ينظر إليّ بتعجب، وسألني عن كيفية مساعدتي، فقلت في نفسي: وأخيراً التقيت بأوروبي عنصري، إنه يعرف كل شيء لكنه يريد أن يرهقني بالكلام، فقلت أريد أن أنهي الإجراءات وأصعد الطائرة، فقال إن هذا مكتب حجز التذاكر، وأشار حوله وسألني إن كان هناك حزام نقل الحقائب؟ فنظرت وعرفت أنني في المكان الخطأ. بدأت أشك في قدراتي وفي أثناء التفتيش اليدوي طلبوا مني خلع حزام بنطالي، لكنني لا إرادياً رحت أفك أزرار قميصي بينما زوجتي تهمس لي بالتوقف لكنني لم أتوقف إلا حين رفعت رأسي ورأيت الوجوه من حولي إما مبتسمة وإما مذهولة. لم أطمع بنيل جائزة نوبل في مطار دبي الدولي بسبب تلك الهفوات، لكنني مع هذا كنت أربت على ظهري وأقول: غزوت أوروبا يا رجل بجهودك الذاتية. وأثناء ذلك أشار إليّ موظف الجوازات بالتقدم لإنهاء آخر إجراء، فاتجهت بشكل آلي نحو المخرج، وسمعت الموظف يقول بقرف لزميله: هل يريدني أن أختم جواز سفره من ظهري؟ Ahmedamiri74@yahoo.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©