الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منذ أن مات الحبيب

14 يناير 2006
منذ أن مات حبيبها وهي تعيش في غيبوبة الصمت، ذات يوم ذهبت لأتفقدها فرأيتها جالسة في صمت غارقة في بحر من التفكير، رافعة رأسها، خافضة عينيها، عندما تراها لا تستطيع أن تميز إذا كانت لاتزال على قيد الحياة أم انها فارقت الحياة بعد موت حبيبها، منذ شهور وشهيتها للطعام والشراب تكاد تكون معدومة، لا تأكل ولا تشرب إلا القليل حتى تظل متماسكة ولا تسقط من شدة الهزال، اقتربت منها وجلست أمامها في هدوء وسألتها عن حالها، استجمعت قواها لتجتر كلمات من أعماقها تحدثني بها لتطمئنني على حالها، وتخفف من شدة خوفي عليها، تحاول أن تجسد دور الأم العظيمة الصامدة التي لا تهزها رياح الزمن العاتية، اجترت كلمات من حنجرتها الجرحى، كلمات مصبوغة بدم الألم·· وهمهمت ببعض الكلمات التي اكتست بنبرة الحزن والأسى: أنا بخير·· وسأظل بخير فلدي أبناء يحسنون رعايتي·· ويعتنون بي جيدا·· ولا يتركونني وحدي ابدا·· حاولت مرارا ان أتحاشى النظر الى وجهها حتى لا تشعر بالحرج عندما أرى حزنها الأسود يلف وجهها الأصفر الشاحب·· لكن·· لكن اشتياقي العارم لرؤية عينيها كان أقوى من كل محاولاتي، فخانتني نظرتي وانطلقت فبدأت ترتفع شيئا فشيئا حتى استقرت في وجهها الباكي، فرأيت دمعة لؤلؤية متجمدة في عينيها، كانت تحاول جاهدة ان تخفيها وراء مقلتها·· تسللت يدي الى خدها الذي جرحته سيول المدامع، فلامست وجنتيها، وبأصابعي المرتعشة مسحت تلك الدمعة التي كانت تسد محجر عينيها فتدفقت أنهار دموع لم أر مثلها في حياتي، وبدأت تتنهد وتئن بصوت مخنوق، عرفت لحظتها ان صراعها الداخلي مع الألم عاد يعتصر فؤادها من جديد، عرفت ان محاولاتها البائسة في أن تخفي الألم عني باءت بالفشل، كنت أشم رائحة احتراق وأسمع زئير نيران تأكل ضلوعها وكنت أشعر باللهيب الذي يعصف بها، أردت أن أساعدها وأخفف من حدة ألمها فبدأت أحدثها وأواسيها فسألتها: أما كفاك حزناً؟ الى متى ستظلين حزينة على فراقه؟ الى متى ستظلين تبكين؟ لا أعتقدأنه لو درى بحالك هذا سيرضى عنك·
إنه لا يريدك ان تتألمي، أفنى حياته بأكملها يحاول اسعادك بشتى الطرق، أفنى حياته ليجنبك أي شيء قد يقلل راحتك أو ينغص سعادتك، ضحى بعمره لتظلي سعيدة رافعة رأسك دائماً، قاطعتني قائلة: أبعد كل هذا تريدنني ألا أحزن على فراقه؟ قلت لها: لا بأس يا أمي فأنا أعلم ان الفاجعة عظيمة، وأعلم كذلك ان الحزن عليه ممتد امتداد الزمن، ولكن يا أمي رفقا بحالك، رفقا بحالك حبيبتي فقد أضناك الألم وأنهكك نزيف الدموع، انظري الى نفسك، انظري واسمعي فملامحك الحنونة قد صدعتها وشققتها أنهار دموعك الجارفة، اسمعي كل ذرة رمل وكل نسمة هواء وكل ورقة شجر على أرضك مازالت تبكي معك وتسأل عن ابنك الذي فقدته· فأرجوك امي الحبيبة كفكفي دموعك·· ارجوك أماه·· أرجوك·· فهو الآن في جنات النعيم·
جوهرة علي- أبوظبي
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©