السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قراصنة الصومال··· سر ازدهار بوساسو !

قراصنة الصومال··· سر ازدهار بوساسو !
2 نوفمبر 2008 01:41
ربما تكون بلدة ''بوساسو'' أخطر الضواحي الصومالية على الإطلاق، حيث يمكن اختطافك بأسرع مما تستطيع مسح عرق جبينك· ولكنها تعد من أكثر الضواحي الصومالية ازدهاراً· ففي شوارعها يتجول تجار العملة وهم يحملون رزماً كبيرة من فئة المائة دولار، بينما تعلو البيوت الحديثة الباهرة، جنباً إلى جنب بيوت الصفيح العشوائية المحيطة بها· وما أكثر معتقليها داخل السجون، ممن يشدهم الحنين إلى تلك الأيام الخوالي التي عاشوا فيها كما لو كانوا ملوكاً عظماء! نحن نتحدث هنا عن الازدهار الاقتصادي في الصومال، وليس عن اقتصاد القرصنة السري· أما اليوم فيعيش الصومال فوضى عارمة، حيث يعاني عدد لا يحصى من الأطفال آلام الجوع، وحيث يقتل الناس بعضهم بعضاً في وضح نهار في العاصمة مقديشو، من أجل انتزاع حفنة قمح لا أكثر! وإنْ كان ثمة مستفيد رئيسي من حالة الفوضى وانعدام الدولة والقانون هذه، فهم القراصنة دون شك· فعلى حد تصريح بعض المسؤولين الصوماليين، سجلت أرباح القراصنة خلال العام الحالي، رقماً قياسياً يقدر بنحو 50 مليون دولار، خالية من الضرائب تماماً· ذلك هو ما أكده محمود موسى حصري، كبير المسؤولين في ضاحية بوساسو، الذي يتهم هو نفسه بالتعاون والتنسيق مع القراصنة، على رغم نفيه لهذا الاتهام· وخلال العام الحالي، هاجم القراصنة ما يزيد على 75 سفينة عابرة للمياه الإقليمية الصومالية، أي ما يزيد عن أي هجمات شبيهة في أي من السنوات القريبة الحاضرة في ذاكرة الصومال المعاصرة· وشهد الشهر الماضي وحده، ما يزيد على 10 من هذه الهجمات، بما فيها الهجوم على سفينة شحن أوكرانية محملة بالدبابات والأسلحة المضادة للطائرات، وغيرها من الأسلحة الثقيلة، مع العلم أن القراصنة سيطروا عليها في شهر سبتمبر المنصرم· ويستخدم القراصنة القوارب الخفيفة السريعة للاقتراب من السفن التي يقررون مهاجمتها، فيصعدون إليها كيفما اتفق بما توفرت لهم من وسائل في غاية البدائية· وما أن يطبقوا على السفينة حتى يوجهوا أسلحتهم إلى قبطانها وطاقمها، فلا يخلون سبيلهم أبداً إلا بعد أن يقبضوا فديتهم المقررة، التي عادة ما تتراوح بين مليون إلى مليوني دولار· ولا تزال المفاوضات جارية مع القراصنة بشأن إطلاق سراح المختطفين من طاقم السفينة الأوكرانية· وبسبب الصدى الإعلامي الواسع الذي حظي به اختطاف هذه السفينة، فإن المرجح أن تبلغ الفدية التي سيقبضها القراصنة مقابل إطلاق سراح مختطفيها، نحو 5 ملايين دولار· والحقيقة التي لا بد من الاعتراف بها هنا، أن الجريمة تدر دخلاً هائلاً على من يرتكبونها في الصومال· بل إنها تعد بين الحرف القليلة المربحة فعلاً هنا· فكل الذي تحتاجه على حد قول عبدالله عمر قادوين -الكابتن السابق في سلاح البحرية الصومالية (السلاح الذي لم يعد له وجود منذ وقت طويل)- هو قارب صغير وثلاثة رجال أشداء، كي تتحول إلى مليونير في اليوم التالي مباشرة· ويحكي أهالي ضاحية ''قارويي'' الواقعة جنوبي ''بوساسو'' عن تحولات الثراء المذهلة التي تحدث في حياة القراصنة على النحو التالي: فسرعان ما تمتلئ جيوبهم بالمال والدولارات، ويديرون أهم الأنشطة الاستثمارية في البلدة، مثل الفنادق والمطاعم الكبيرة· وهم وحدهم الذين يقودون السيارات الكبيرة الفارهة، ويقيمون الحفلات والمناسبات الاجتماعية، التي لا يستطيع أحد تقليد بذخها وبهرجتها· من بين هؤلاء قالت فطومة عبد القادر إنها ذهبت إلى حفل زواج أحد القراصنة في شهر يوليو المنصرم، استمر فيه الحفل لمدة يومين كاملين، لم يتوقف خلالهما الرقص ولا الموائد المعدة من لحم الغنم، إلى جانب العزف الموسيقي المتواصل الذي كانت تقدمه فرقة مستقدمة من جيبوتي خصيصاً لإقامة الحفل· وهذه بحبوحة من العيش والبذخ، لا يستطيع كثير من الصوماليين المحرومين مقاومتها· وهذا ما يفسر كثافة الهجرة الداخلية باتجاه ضاحية بوساسو وغيرها من الضواحي الصومالية الساحلية التي يزدهر فيها نشاط القرصنة· وبالنتيجة تحول الشريط الساحلي الصومالي، إلى أشد مناطق العالم خطراً للملاحة البحرية· وفي مسعى لبذل جهد دولي يهدف إلى كسر شوكة القراصنة الصوماليين، تحركت سفن حربية من كل من الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وحلف ''الناتو'' والاتحاد الأوروبي، صوب المياه الإقليمية الصومالية، بعد أن تبين للمجتمع الدولي أن الوضع هناك قد أصبح خارجاً عن السيطرة تماماً· ولكن لن تكون هذه المهمة سهلة بأي حال من الأحوال، بالنظر إلى المهارات البحرية الكبيرة التي يتمتع بها القراصنة، ومعرفتهم الجيدة بتضاريس مياههم الإقليمية، التي لا تنازعهم فيها أي قوة عالمية مهما كانت· وبسبب ثرائهم الفاحش، فقد طور القراصنة أدوات عملهم، مستفيدين في ذلك من آخر صرعات تكنولوجيا الملاحة البحرية، بما فيها نظم تحديد المواقع الدولية المحمولة يدوياً· وفوق ذلك فهم ينسقون فيما بينهم ويعملون معاً بيد واحدة· فبين القراصنة هؤلاء تنتفي التقسيمات العرقية القبلية التي فرقت بين الصوماليين وقعدت بحكومتهم على امتداد الحقب والعقود· وقد أثبتت التحقيقات العديدة التي أجريت مع من تم اعتقالهم من القراصنة، أنه لا وجود للمشكلات القبلية بينهم· من هؤلاء قال أحد القراصنة السجناء: ''نحن نعمل معاً باعتبارنا قبيلة واحدة· فهذا جيد للاستثمار وجني الثروات كما تعلم''· والأخطر من ذلك كله، أن القراصنة لا ينحصرون في منطقة واحدة، إنما ينتشرون عبر آلاف الأميال المربعة من المياه، من خليج عدن، وعبر المعابر المائية الضيقة وصولاً إلى البحر الأحمر، ثم السواحل الكينية، وحتى المحيط الهندي· كما لا توجد خطة دولية موحدة حتى الآن لمكافحة نشاط القرصنة في السواحل الصومالية نفسها· ولكل هذه الأسباب فإنه يرجح أن يواصل القراصنة ترويع السفن وحركة الملاحة، إلى جانب حصدهم لثروات القرصنة الطائلة إلى فترة ليست بالقريبة· جيفري جيتلمان-الصومال ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©