السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«بازار».. صراع تنميه الأحقاد القديمة

«بازار».. صراع تنميه الأحقاد القديمة
21 مايو 2014 23:17
إبراهيم الملا (الشارقة) هل يمكن أن تتحول القيم والموروثات النقية إلى سلع قابلة للمساومة في سوق المبادئ المشوهة والجشع المفرط، وهل يمكن للقلوب الصغيرة في تجليات الحب ورهافته أن تتحول إلى مطايا للصراع والأحقاد القديمة والمتجددة بين الكبار، وهل يمكن للمستضعفين والمهمّشين أن يعطلوا آلية الظلم والجبروت، وأن يحولوا القرابين التي بذلوها إلى علامات ورايات للانتصار المعنوي على الأقل. هذه الأسئلة وغيرها من المراجعات الافتراضية لجذر الصراع بين الخطايا والفضائل، وبين الحرية والاستبداد، كانت دعامات أساسية لحكاية المسرحية العمانية «بازار» المشاركة ضمن العروض الرسمية في الدورة الثالثة عشرة من مهرجان المسرح الخليجي التي تنظمها وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، والمقامة في الشارقة. وعرض «بازار» الذي قدمته فرقة مسرح الدِنّ للثقافة والفن في سلطنة عمان مساء أمس الأول على مسرح قصر الثقافة بالشارقة، من تأليف محمد صالح محمد، وإخراج إدريس النبهاني، وسبق للعرض الفوز بجائزة أفضل عرض مسرحي متكامل في العام الماضي بمهرجان المسرح العماني في السلطنة. العرض ازدحم عرض «بازار» بالشخصيات الرئيسية والثانوية، في زمن بدا مقترنا بالخيال الشعبي، وبأصداء وظلال الموروث العماني، حيث الإسقاطات حاضرة أيضاً كي تحاكم الطبيعة البشرية ذاتها أينما كانت وفي أي أرض حلّت، تتشكل ملامح الصراع هنا في منطقة جبلية معزولة جسدها الديكور بمنحدرات صخرية تحيط بمقدمة الخشبة كساحة مفتوحة تشتبك فيها النوايا والنوازع المتضادة لدى الشخوص والمتمحورة على نقطة مركزية وهي: «الطوي» أو البئر كبديل ذهني رائق وشفاف، في هذه البيئة الخشنة والجافة شكلاً ومضموناً. وعلى وقع الطبول ووسط إضاءات خافتة تشي بالغموض والالتباس، تخرج شخصيات العمل من عمق العتمة، أو من دهليز الحكاية المنفية، وتتناوب في سرد قصص تقاطع وتفترق حول الحبكة المحورية التي أججت هذه الصراعات، وجعلت الكل تقريباً مشغولاً بها ومتورطاً فيها. وسط هذا الاحتدام والعراك القائم على ملكية البئر، يختار مخرج العرض منتصف الخشبة كي يصوغ لنا وبتعابير الإضاءة وإيحاءاتها علاقة الحب الخفية بين الفتاة: «شامة» والشاب: «عذب» لاحظ دلالة الاسم وعلاقته بالماء القابع في البئر، وهي العلاقة التي لن يقبلها ولن يسمح باستمرارها والد عذب: «حافظ» فهو صاحب النفوذ في المكان، ويخطط لتزويج: «شامة» من شخص منبوذ، ولكنه حامل أسرار الصك المحدد لملكية البئر، والمتمثل هنا في شخصية: «بايت» السكير والمستهتر والمتهكم من الجميع لاحظ دلالة الاسم أيضاً، وفي الجهة المقابلة نرى الأم: «نصرة» التي تتهم حافظ بقتل زوجها وترك ابنتها «شامة» وحيدة في معية اليتم والفقر وقلة الحيلة بإزاء كل هؤلاء الطامعين في امتلاك ابنتها الوحيدة والظفر بها، وهو ما يحدث فعلاً في نهاية العرض عندما يتحول معظم رجال القرية وعلى رأسهم: «بايت» ومن خلال التعبيرات الرمزية والإيماءات الجسدية، إلى ذئاب بشرية تمعن في نهش ضحيتها وتوغل في مسلكها الوحشي والظلامي، كي يتوج العرض هذه اللحظة القاسية بالسواد الكامل والعتمة الثقيلة لمشهد الختام. لغة بصرية نجح عرض «بازار» في جذب انتباه الحضور حتى النهاية، معتمداً في ذلك على أسلوبه الإخراجي المكتنز بلغة بصرية كان بطلها الأول هو الإضاءة التي قرأت وبدقة الانعطافات الدرامية للشخوص، خصوصاً في حالات الألم الخارجي والشجن الداخلي والاغتراب الوجودي، ووفق المخرج في تصوير المشاهد الاستعادية في القصة أو (الفلاش باك) من خلال التوزيع السيمتري المتوازن للديكور وفصل الزمن الراهن عن الماضي بتوظيف علاقات القطع المرهف بين الضوء والظل، بينما عززت المؤثرات الصوتية الحية أثناء عزف الطبول من التصاعد التدريجي لوتيرة الصراع وصولاً إلى الذروة، وعمد المخرج إلى التوليف بين الطرح الواقعي والمعالجة للرمزية حتى لا تسقط الحكاية في فخ التعبير النمطي والركون لمسرح الوعظ والخطابات المباشرة. إشكالية العرض ولكن الإشكالية الكبرى للعرض، تمثلت في إقحام الكوميديا وبشكل مبالغ به وسط النسيج التراجيدي الطاغي على الحكاية، ورغم تميز الممثلين الذين قاما بدور المجنون والسكير وقدرتهما الواضحة على الارتجال وخلخلة الفضاء الداكن للقصة من خلال كوميديا الموقف والمفارقات اللفظية والأدائية، إلا أن الخط الأساسي لثيمة العرض لم يكن ليحتمل كل هذه التفريعات الهامشية والفائضة عن بنية الحكاية، وعاب على العرض ذكر شخصيات أساسية مهد لها العرض في بدايته مثل شخصية: «الأسود» الذي لم يظهر أبدا بعد ذلك، رغم أن الحوارات كانت تشير إلى أهميته ودوره في تأجيج الصراع على ملكية البئر، ويبدو أن المخرج قد بتر شيئاً من النص الأصلي أو حذف بعض الشخصيات في البروفات التحضيرية، ولكنه نسي أن يلغيها في العرض الأساسي، ما خلق إرباكاً وتشويشاً في مسار القصة وفي المشهد الختامي على وجه التحديد.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©