الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدوّنات الذاكرة

مدوّنات الذاكرة
21 مايو 2014 21:17
رضاب نهار تعيش دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم مداً ثقافياً كبيراً، يذهب بأفرادها والقاطنين فيها نحو مزيد من الانفتاح والتطور الحضاري. إلا أنها، وفي الوقت نفسه، تعزّز ملامح التراث الخاص بشعبها، ليكون بمثابة الأرشيف الوطني لهم، وليكون مرجعاً تاريخياً تستعين به في مواجهة ذلك الكم الهائل من التنوّع والتقدم، وتفاخر بعناصره أمام بقية شعوب العالم. وما الكتاب، إلا جزءاً هاماً من مسيرة تعزيز التراث الإماراتي، فحتى اللحظة ثمة العديد والعديد من الكتب والمؤلفات باللغة العربية والإنكليزية، تروي قصصاً من تاريخ الإمارات القديم، بأقلام محلية وأخرى أجنبية، فضلاً عن الكثير من تلك التي تعالج مواضيع مختلفة من البيئة الإماراتية الغنية بعناصرها. إذ تسعى الحكومة هنا، ومن خلال بعض الهيئات والمؤسسات المعنية بالشأن التراثي والثقافي، إلى تأسيس قاعدة توعوية بمفردات التراث، عبر الأدب والبحث العلمي والاستطرادات التاريخية وأنواع غيرها. على الضفة الأخرى من هذا الاهتمام بالتراث المقروء، علينا أن نسأل ونبحث عن وجود القراء والراغبين بالاطلاع فعلاً، من الإماراتيين وغير الإماراتيين، العرب منهم والأجانب، للوصول إلى تقييم يقترب من الحالة العامة في عدة نواحي. ويأتي ذلك، بدءاً من استطلاع آراء بعض دور النشر المتخصصة بهذا النوع من الكتب وهي في أغلبها رسمية أو محلية، وصولاً إلى آراء بعض القراء الذين لا زالوا يقرأون، ويمتلكون الفضول المعرفي. وبدايةً، يطلعنا الباحث التراثي في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، الدكتور مزيد منصور النصراوي، أن إدارة التراث المعنوي التابعة للهيئة، تهتم بجمع عناصر التراث الوطني وتوثيقها من خلال الكتب والمطبوعات والمطويات بأنواعها المختلفة. وأن معظمها يقوم فيها ويشرف عليها الباحثون في الميدان بصيغة أولية، ثم تعدّ وتوثّق للقراءة. ويضيف قائلاً: «نحن نشارك دوماً في معارض الكتاب داخل وخارج الإمارات بجناح يمثل إدارة التراث المعنوي، وتصنّف إصداراتنا ضمن أبواب عديدة هي: إصدارات توثيقية لعناصر التراث، تتناول ما يتم تسجيله في اليونسكو ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية، مثل السدو والصقارة والتغرودة. فضلاً عن التي نحن بصدد تسجيلها مثل المجالس والقهوة والحربية، إصدارات حول كيفية تعليم وتدريس التراث وثمة قسم خاص منها للأطفال يعتمد على الرسم والتلوين، إصدارات توثيقية لندوات ومؤتمرات عقدتها الإدارة بغرض طرح مواضيع تراثية عديدة، بالإضافة إلى إصدارات أخرى مترجمة لمنظمة اليونسكو». أيضاً يشير الدكتور النصراوي، إلى وجود إقبال واضح وكبير من القراء على تناول الكتب التراثية الإماراتية بشكلٍ عام، بغض النظر عن المؤلف أو حتى عن الأسلوب إن كان أدبياً أو علمياً أو بحثياً. وفي تفصيله لشرائح هؤلاء القراء يسترجع ما وجده عندما شاركت الإدارة في معرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته الرابعة والعشرين التي اختتمت فعالياتها قبل أيام، فيقول: «زارنا المعلمون والمعلمات، الذين أخذوا أعداداً كبيرة من الكتب التراثية كمراجع لهم ولطلابهم في المدارس والجامعات، كذلك زار الجناح أطفال كثيرون كانوا يطلبون «سيديات مضغوطة» تروي كل شيء عن التراث، ولحظنا إقبالاً هاماً من العرب المقيمين والمشاركين العارضين من دول أخرى، إلى جانب الزوار من السياح الأجانب الذين ركّزوا كثيراً على شراء الكتب التي تحكي عن صياغة السيوف والخناجر التقليدية في الدولة». ومن دار الياسمين للنشر والتوزيع، تصف المديرة التنفيذية السيدة مريم الشناصي، الإقبال على قراءة كتب التراث الإماراتي، بالمهم حقيقةً، كونه يشير إلى فضول وتعلق بالاطلاع المعرفي على تاريخ الدولة من قبل الذين يعيشون على أراضيها، خاصةً من قبل الأجانب. حيث يهتم المعنيون بالنشر في هذا المجال، بالكتب المترجمة التي يمكنها أن تنشر ملامح البيئة الإماراتية بلغات عالمية. وتقول الشناصي: «نحن دار نشر وطنية، يبلغ عدد إصداراتنا 20 كتاباً مطبوعاً، و60% من كتابنا إماراتيون. ومن خلال مشاركتنا بمعارض الكتب في الدول الخليجية وبمعرض أبوظبي الدولي للكتاب 2014، ساهمنا بالتعريف بخصوصية التراث الإماراتي المتأرجح بين الصحراء والبحر. ومن أكثر مطبوعاتنا التي لقيت إقبالاً، رواية «رحلة ابن الخراز» لأمير الشعراء الإماراتي كريم معتوق، وهي فانتازيا تاريخية تشير بصفحاتها وأحداثها إلى عناصر التراث في الإمارات». من جهته كقارئ مهتم، يؤكّد السيّد حامد الخنجي، أنه ومن خلال زيارته القصيرة لدولة الإمارات، زار القرية التراثية على شاطئ أبوظبي، رغبةً منه بالاطلاع على نمط الحياة المعيشة لسكان هذا البلد قبل تأسيس الدولة ودخولها مرحلة التطور الخيالي. مشيراً إلى أنه اقتنى من بعض الأصدقاء المقيمين، كتباً تراثية استطاع تصفّح بعضها، متتبعاً ما يهمه فعلاً. وكمثالٍ يذكر: «قرأت عن التكيّف القديم مع درجات الحرارة العالية، فاكتشفت أنهم ابتكروا «البراجيل»، أما من عناوين الكتب التراثية فأذكر الآن كتاب «دراسات في آثار وتراث دولة الإمارات العربية المتحدة». في ذات الخصوص، تقول علا محمد وهي مقيمة في الإمارات: «أعرف الكثير من الأصدقاء الإماراتيين، وبفضلهم أصبحت على معرفة جيدة بأساليب العيش القديم في الإمارات. لكني أعترف بعدم قراءتي للكتب التراثية المتخصصة، إلا إن كنا نعتبر الأدب الإماراتي في بعض زواياه، مرتبطاً بالتراث، فأنا حين أقرأ لبعض الكتّاب الروائيين والشعراء، أتعرّف على الكثير من ملامح البيئة الإماراتية وما له علاقة بالموروث الشعبي، متجسداً بالذكريات، القصص المحكية، الأدوات البسيطة، والعادات والتقاليد المسيطرة على المناخ العام». وكما ذكر لنا الدكتور النصراوي، يوجد جمهور واسع للتراث من قبل الأطفال، الشيء الذي تؤكّده والدة الطفلين محمد ولين حاتم، والتي تخبرنا أنها مهتمة دائماً بالحصول على الكتب التراثية كمراجع ضرورية لطفليها، تنمّي من خلالها حب الاستكشاف والبحث لديهما. وعلى الرغم من كونهم كعائلة، ليسوا من مواطني دولة الإمارات، إلا أنهم معنيون بالاطلاع على ملامح البيئة التي تحتضنهم واحتضنتهم طويلاً. مبيّنةً أن المؤسسات الثقافية والتعليمية، تنشر كتباً تراثية مخصصة للطفل، تحتوي على رسومات توضيحية تساعدهم على فهم المحتوى. أما الطفل مصبح الجابر، فلم يستطع أن يخفي مدى ولعه الكبير بتراث الإمارات، خاصةً عندما سألناه: هل تقرأ عن تاريخ الدولة القديم؟ حيث أجاب: «نعم، أقرأ كثيراً من القصص التراثية المعدة للأطفال، وأحياناً أبحث عبر الانترنت عن معلومات جديدة، جدي يقول لي دائماً أن عليّ الاهتمام بتراثنا، كذلك في المدرسة أتعلّم وأقرأ عن تاريخنا بمساعدة المعلمين والمعلمات». أخيراً، وبالعموم، ليس من الغريب أن ينمّي تاريخ دولة الإمارات العربية المتحدة، وتراثها، فضولاً لدى الإنسان المعاصر، وبالتحديد لدى من زارها أو من عاش فيها وشهد بعينيه كل الازدهار العمراني والخدماتي والتكنولوجي الحاصل. حيث سيسأل بالطبع: كيف كانت هذه الدولة الحديثة قبل سنواتٍ ليست بالبعيدة؟ ما هو المناخ العام الذي كان يسود أجواء وعلاقات أبنائها بعضهم ببعض، عاداتهم، طرق تكيفهم مع الظروف القاسية المحيطة بهم؟ وحتماً سيجد أجوبته في الكتب التي تعنى بالتراث وبتاريخ الدولة القديم، وهي اليوم كثيرة ومتنوعة وبأكثر من لغة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©