الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مانع سعيد العتيبة.. السارد بشعرية مرهفة

مانع سعيد العتيبة.. السارد بشعرية مرهفة
21 مايو 2014 21:16
علي أبوالريش مانع.. لك الشعر يختال مرهفاً، يجيش كأنه الوعد، كأنه العهد القديم الجديد، في جوده ووجوده، ونفوذه السائد في وجدان، وأشجان، وأفنان، وتحنان، تسومه من عذاباتك الوجودية بإحسان القصيدة، وريعان القافية المجللة بالرهافة، متماهياً والنجوم المولعة، باللألأة، متوهجاً في متن القصيدة متعانقاً والموجة الذاهبة في غضون الماء والاكتواء. وزير الشعر مانع.. وزير الشعر، أسير الهوى، والعيون المكحلة بالبريق الأنيق، المؤدلج عشقاً وشوقاً، المتوج نهلاً وجللاً، وماذا في المعنى غيرك شاعر، يسطر في النون والقلم، ويكتب من ألم بدايته لذة المعنى، وفي تلافيف المضامين ذروة قصوى في التلاقي والتساقي، واحتدام المآقي عندما تكون القصيدة إمرأة في برية القلب ترتع بعشب قشيب، ووجدان خصيب، وحلم أوسع من محيطات الشعر، وأرفع من شاهقات النجوم، أنت في الشعر تهز جذع الوجد، ويتساقط الألم اللذيذ وعداً جنباً.. أتت في الشعر، دهر يطوي سجله على معنى ومغنى، ويثيب المعنى، حين تبدو الجهات أشبه بيباب، وخباب، واقتضاب، وانتحاب، واستلاب، وانسكاب في اللاشيء.. أنت سيدي قامة في الشعر قيامة في القصيدة، ومقامة تفسر معطيات الحياة بمفردات تخي بها قماشة الحلم، ليبدو قمراً يغط على سجادة غيمة مزلزلة.. مانع.. في الجدل القديم الجديد، المساء منفطرة، والبحر مسجور، والضمير المعذور، تشد أزره، قصيدة عنوانها امرأة، مرت بشالها الفضفاض على كف مسحور بالهوى، فاستوقدت ناراً وأوزاراً، فانهمر الغيث هشاشة في القلب لمن أضناه التعب، وسار يفتش في رمل الذاكرة عن معان، وما شاب الغصون من قلق، وما حار بالعاشقين من وسق، فض بكارة الحلم، حتى صار الحلم زجاجة، الزجاجة قنديل، القنديل كوكب دري، يهفهف بريشته السحرية على خد وقد وجيد مجيد. مانع.. شعرك نصلك، نصلك وصلك، وصلك فصلك في زحام المارة على رصيف يضج ويعج، بعويل المجهدين، المجتهدين في بث اللواعج، نفاً وكسفاً، وطرفاً تذبه الأبابيل كلما مرت غيمة مشحونة بالرجف والزحف، والخسف، والنسف والعجف. مانع.. شعرك طرفك المحدث، في جهات الخشية والنواحي الموحشة، عندما يصبح الأليف بقعة نائية، والصديق ناباً يقرض حتى خشاش الأرض، والحبيبة، أي حبيبة تكون في المشهد اليعربي، نخلة وارفة بالحنين، وقطرة ندى تتزحلق على سفح رملي. مانع.. شعرك سيدي، وجل في المقام الأول، وجلل يخفي شجون الزلزلة في تجاويف إحساسنا بأن النهار لا يتلوه نهار وأن الليل يبدو سحابة من وجد مبلل بالمغفرة، لاتطهرها سوى القصيدة، من ذنب الانكسار، لا تعجل في انقشاع سوادها، سوى رشاقة المفردة، وقافية موصولة بنظرة متفائلة. الموجة.. جبلاً مانع.. شعرك في الشروق أو الغروب، بياض النجمة، وتغريدة النوارس، حين تصبح الموجة جبلاً يعانق شغاف السماء، حين يصبح البحر صحراء ترتل آيات الذكر، عند منتصف الشوق، حين تصير أنت سيدي منطقة ما بين الحرقتين، حرقة الشعر، حرقة الانتماء إلى قصيدة لم تنبت أوراقها بعد، أنت في المجمل سيدي قاب قوسين من الرؤى القابضة على نهاراتنا المتسربة من بين أصابع الأمل. مانع.. في التغريد لحن، وفي اللحن أنشودة النهار، وفي الأنشودة يكمن شاعر يتوغل في الفلسفة والمعرفة، ديدنه وعنفوان نبوغه.. مانع.. أنت في القصيدة بيت عامر بالمعنى، مشحون بالقوافي المبللة، من ريق ورضاب ما كففت يوماً عن إثراء الشعر بمثاقيل البحور الهائجة وأمواج الهوى الرائجة، في صحاري شوقنا وتوقنا وعشقنا ونسقنا الإنساني الجميل. مانع.. من ذا الذي يقرأ قصيدتك ولا يستدعي الذاكرة لأيام الحنين، وعشق الذين شفهم اللظى، وارتادت عيونهم، دمعة الألم حتى أصبحت الدموع، عذباً فراتاً يغسلنا منا، ويطهرنا من شراشف الليالي، المكفهرة، ويعيد لنا ابتسامة ربما لا تكون أشبه بالوردة، لكنها يا سيدي تفوح برائحة الأمل، وتمضي الرائحة كأنها بقايا عطر قديم، تركتها أنثى في ثوبها المعلق على شحب الذاكرة، وتترك أنت قصيدتك مثل ريشة طائر مذعور رهب بعد ريح صرصر عاتية. مانع.. من ذا يحرك قوافلنا إلى حيث شواطئ البلل، من ذا يفرك جفوننا على وعي بالحياة، سوى قصيدة مانعة للتفجع، سعيد بهوى النوافل، غير عاتبة على غدر المحبين.. من ذا يصون القصيدة غيرك، من غث ورث، ويغشى سر المرحلة، غيض من فيض، ويمنحنا اليقظة حين تغمض عيون الطيور الجارحة وتنام الضواري في فجوة الجفوة. هاتف الشعر مانع.. هذا هاتف الشعر، هذا كتف القصيدة، يرخي الظلال على رووس لم تينع، ولم تشفع لها الجهات بغفران، يذهب الفقدان، ويدفع بالتي هي أحسن نحو مطايا لم تزل ترصف العشب، وتشخب بلا جزاء.. مانع.. من ذا يحلم بغير قصيدة ضالعة في التأثر والإثارة الواعية، قابعة في ضلوع الوهج العريق، نابعة من تربة وترائب، راجعة في المعنى إلى أصول وفصول، ونجوع ما ملت من نيل المعالي، والأخذ بناصية المجد، حتى صار المجد صبوة وصهوة، ونخوة تعلي وتجلي، وتمضي في أتون الأرض، كأنها النخلة الهيفاء على سهل ونهل. مانع.. في المحن، في التمزق والتشقق، والتفرق، لا يعيد توازن أعواد الثقاب، سوى نار حامية، تغسل باللهب ماجاش من غضب وسغب، هي القصيدة سيدي، نصل المعنى، فصل المراحل، الهاربة من قضاء الجغرافيا وقدر التاريخ. مانع.. تكتب الشعر كأنك تنسج حرير المشاعر على مشهد يعربي، مزقته أعيرة القوافل، وشردت طيوره أشباه النوافل. تكتب سيدي، وعند ناظريك تترقرق قطرات الندى، وتهفو طيورك لغصن لم تلعب به الريح، وأنت المسكون بالقصيدة، أنت المشحون بالمفردة التليدة، أنت المكنون باللهفة الأكيدة، أنت المفتون بعيني امرأة، لا تشبهها إلا قصيدة تتلو أبياتها، فتبتهل الأرض وعياً، بما جاء بالصحائف والكتب، والقلب وما سكب، والعقل وما وهب.. مانع، صخبك هذا، خصبك هذا، ونفحك المتحدر من صحراء وسماء من روح تنسج خيوطها من رحيق المعرفة، فتبدو أنت والفلسفة شعراً، وسحراً، وسهراً، وسبراً يغوص في أشجان القصيدة، فتكون القدرة الفائقة في ترميم ما تهشم من زجات في القلوب المحطمة.. تكون أنت في متن القصيدة روحاً وريحاناً ورياحاً، تكون أنت الناسك في خلوة القصيدة.. مانع.. مُكِرٌ.. مُكِرٌ.. مُكِرٌ ولا مفر من جمرة في الشعر، جمرة في الصدر، جمرة في الحِبر، وقامة القصيدة قنديل النوارس، ساعة توهج الموجة، وانسكاب ما يستقر في القلب، هي امرأة وأرض وأمنيات بحجم اليابسة والماء، وأنت العليم الكليم، تسير برفقة القلب بمحاذاة النجمة، وعند منازل الأسئلة تضرب خيمة بغيمة، وتحتسي من رضاب الشوق، كؤوس الحلم مترعة بالألم، ونعمة الشعر الجزيل، مكافحاً، منافحاً، مطارحاً، لغة أشهى من هديل وسلسبيل، أعتى من خليل يهجر أو جليل يسفر عن نجابة ومهابة، تمطر الشعر قوانين الحياة، وتمنحك الخلود في الوجود، تمنحك التهجد والتفرد، والتبدد في شرايين القصيدة، كما هو بحر الرمل، ومحيط الأمل. مانع.. في الشعر خلاص واستخلاص، ولا مناص من فوحه أشبه بالجرح اللذيذ، لا خلاص من ورطة القصيدة الشهباء، تغدق وتغرق، وتحدق في كلام الله، ورب العشر قريب، ومجيب ورحيب، وقشيب ونجيب، وشذيب ووهيب، وحبيب وصحيب، وصخيب وخصيب، ورطيب وخضيب، وأريب وسكيب، وشهيب وعجيب في المنايا والنوايا، يحطب في غابة الشعر، ويسهب في العطايا، لا يغفل ولا يقفل أبواب القصيدة، وهي مطية الثراء، سخية في مدِّ الأبيات ورفع الأصوات، وفرد شراع الموال، حتى آخر موجة، حتى أول صرخة. رداء الألق مانع.. في شقاء القصيدة، لذة واشتهاء، في عناء القصيدة حلم يتوارى خلف رداء الألق، ويكتسي من حرقة الأيام ما قد يلون الحياة بالأمل.. تسهر أنت لتغفر للقصيدة شغب اللحظات المجلجلة، تسهر أنت لتسفر وتفسر القصيدة ما جاش في أحشاء الكلمة، من سفر التكوين واحتمالات الوجود المؤجلة. مانع.. في المدى قصيدة وفي المد بحر، وفي الامتداد شراع يلون حدقات الكون بالبياض، ويسهر على العزف والنزف والعزف ويبدي ويعيد، لأجل المزيد، وترديد ما قاله الخضر لسيد التوراة «إنك لن تستطيع معي صبرا» فقال لا تؤاخذني. مانع.. جذلى شجرة القريحة، والعصافير قصائد، تهفهف بالأجنحة الشفيفة على شرايين كالأغصان، ما ملت من الثناء على الأرض، كونها الأم الرؤوم. مانع.. ما بين القصيدة والقصيدة إمرأة تهش بعصاها على لوعة القلب. ما بين بيت وبيت عينا امرأة، تحدق في المعنى وتغسل فستانها من بحر وبحر، ما بين المفردة والمفردة، بوح امرأة، وشهقة ترتل آيات الوجد، وتمنح عضويتها لطفولة ناضجة. مانع.. ثملة هي الكلمات، وكأسها المعتق، طفولة غائبة في الوجود، ومن نوافل البوح وفرضه، شعر يجدل ضفائر الوقت، بالمعنى العميق، ويسفر عن هوى بلا هوادة، يجيش القلب في الشعر، والصحراء تعشوشب كلما هفهفت قصيدة على لوعة في الصدر جهة الشمال. ها نحن سيدي نكسر جدار الصمت بالصوت، وبالصوت تترعرع أشجارنا، وتغني النوارس طرباً، إذ تغسل الموجة، طفولة السواحل، ويرتدي المحار لون أفراحنا المؤجلة، وأنت أنت سيدي في المعنى شاعر، يصخب باللحن، ويخصب بالفن، ومن تين وزيتون، وطور سنين، نقطف نحن سيدي أثمار الحياة، ها نحن في المجيء والذهاب، موجات تخبئ حلمها في معطف الأمل، وفي المقل تسكن القصيدة والمرأة العتيدة، ويسكن البلل، يسكن الشعر، النون والقلم، ويسكن الهاجس المؤيد والألم، تسكن بقايا طفولة لم تزل، تنتف من رغيف الحياة، لأجل الحياة وقبل الممات لتحيا القصيدة. بوح الكلم.. مانع.. ما بين الثلج والنار، يسكن قلب والنظرة إلى ضفاف امرأة، عيناها نجمتان، في غياب القمر، تقرآن القصيدة، وتقبلان وتد الحياة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©