الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الأسرة مقابل التطرف

الأسرة مقابل التطرف
8 مايو 2013 20:48
صدرت رواية «حلم الليلة الأولى» للروائية الكويتية ليلى العثمان، ولم تشر الروائية لزمن الكتابة، الأمر الدال على تعميم وجهة نظرها إزاء دلالة الأحداث التي ضمها فضاء الرواية. لقد صدرت هذه الرواية في زمن الصراعات والتحولات المهمة في بنية المجتمع الكويتي، والتغيرات الاجتماعية السريعة في مجتمع يمتلك خصيصة الانسجام التي كانت طابعاً مميزاً للكويت الحديثة، وكل ذلك يثير أسئلة عن معنى صدور هذه الرواية في هذا الوقت بالذات، وتزداد حيرة المتلقي لأحداث الرواية، حين يتجلى أمامه التاريخ الحافل بالمواقف الجريئة والمبدئية التي صدرت عن كاتبة الرواية، في كل المجالات وخصوصا تلك التي تتعلق بحرية الفرد ومحاربتها لسطوة القيود والأفكار البائدة الاجتماعية والسلفية، وقد تعرضت خلال رحلتها في ترسيخ المبادئ الإنسانية، والأفكار التي تعنى بالتقدم باتجاه حرية الإنسان إلى محاولات تهميش دورها وحتى إلغائه، الأمر الذي يجعلنا نتساءل مرة أخرى عن سبب هذه الاستدارة في موقف الروائية، وما تحمله من دلالات؟ مجتمع الرواية تتخذ الكاتبة ليلى العثمان عينات عائلية في كويت ما قبل النفط، حيث تسود علاقات عائلية منسجمة داخل العائلة الواحدة أو العوائل المتجاورة، ويتضح من فضاء الرواية أن هذه العلاقات تحكمها أعراف وعادات قبلية ودينية، تسودها المحبة والألفة والاحترام ضمن علاقات إنتاجية يتحكم بها نظام الورش الصناعية اليدوية، وتتخذ الروائية من عائلة جاسم النجار، ومن ثم ابنه معيوف نموذجاً لذلك، وليست هناك صراعات أو تناقضات حادة، فالكاتبة عمدت إلى حذف كل المظاهر التي تشي بالصراعات والظلم والعسف في ذلك المجتمع واكتفت بتصوير الخلافات الأسرية بين الزوجات، في العائلة الواحدة، لكي تعطي نموذجاً لمجتمع متاح، بعيد عن الصراعات الحادة التي يعيش ضمنها مجتمع الكويت المعاصر، ولكي تؤكد هذا الانسجام، وقد استثمرت سرداً تقليدياً خال من التقنيات الحديثة في الرواية، تدور الأحداث فيه ببطء، وتكتنفه فجوات كثيرة تتعلق ببنية الشخصيات والزمن وفضاء الرواية، فالزمن يدور دورات رتيبة باتجاه الشخصيات ومصائرها، وهو يسير على وفق ظهور هذه الشخصيات التي تبدو جاهزة لا يكتنفها التطور، ويتضح ذلك حتى في شخصيات الأطفال (جاسم وسالم - جسوم وسلوم - وأختهم وضحة) فهم يحملون نفس سمات الطفولة باستثناء التغيرات الجسمية، كما أن الكاتبة تستثمر اللغة الدارجة في كثير من الحوارات والجمل السردية، كي تعطي انطباعاً بالصدق الواقعي للأحداث والشخصيات، وكثيراً ما تضع هامشاً لتفسير العديد من الكلمات والأمثال التي ترد على السنة أبطالها. شخصيات إشكالية أما المنغصات التي يحفل بها متن الرواية، فتظهر من شخصيات إشكالية كان يمكن للروائية استثمارها بشكل فني لإغناء أحداث الرواية، لكنها فضلت الحفاظ على مجتمعها الفاضل على ذلك، نعني بذلك شخصيتي (فرزانة الإيرانية وعائلتها)، وشخصية (قمرية) العراقية التي تزوجت شيخاً كبيراً، وهي شابة صغيرة، ثم ورثت أمواله، وأصبحت من النساء اللائي يتمتعن بحرية شخصية وجنسية، في حين بدت فرزانة شخصية غريبة عن مجتمع الرواية فباب بيتها مشرع «للرائح والغادي ونميمة لسانها التي تشربك الجيران بعضهم ببعض وغوايتها للرجال بملابسها الفاضحة وأصباغ وجهها وحركاتها غير المحتشمة، وفعايل السحر التي تمارسها لتسرق الرجال وتهزأ بعقول النساء الخائبات».. وبهذا المعنى فإن (فرزانة)، و(قمرية) شخصيتان إشكاليتان جاءتا من مجتمعين غريبين عن مجتمع الرواية ومارسن حريتهن في هذا المجتمع الغريب عليهن بالشكل الذي يمثل تحفيزاً على تجاوز المحرمات، وخصوصاً تلك المتعلقة بخضوع المرأة خضوعاً تاماً للرجل في ذلك المجتمع، غير أن الروائية بدلاً من استثمار هذه التمردات العفوية، لإثارة بعض الأسئلة في نفوس نساء مجتمع الرواية، فإنها اعتبرت ذلك عاراً أخلاقياً دخيلاً على مجتمعها الفاضل من خارج حدوده. نظام الحريم تكرس الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي كتابها «هل أنتم محصنون ضد الحريم» للإجابة على سؤال يختص برغبة الرجال المعاصرين وفي كل المجتمعات المعاصرة إلى تجلي رغبتهم في عودة نظام الحريم في بيوتهم ومع زوجاتهم على الأقل حين تقول: «وللأسف، فهذا الفيروس الخبيث يهاجم الرجال في عالمنا المعاصر (...) ويتغلغل في عقولهم ويوحي لهم برغبة جامحة في أن يروا شريكتهم التي تضاهيهم تحضراً (....) تتصرف كجارية»، ثم تسرد أحداثاً تاريخية لسيادة هذا النظام في معظم المجتمعات القديمة (وليست العربية فقط)، كما تفسر العديد من اللوحات العالمية التي رسمها رسامون غربيون ضمن هذا الجهد، ويهمنا هنا أن نقتبس منها تعريفات ومصطلحات عن ذلك النظام، كالجارية والمحظية وغيشا اليابانية والحرمة وغيرها، فحسب لسان العرب فهي مشتقة من الجري أي الهرولة، وهي (التي تلبي نداء سيدها وتكون في خدمته)، أما القينة فهي الكلمة الدالة على الجواري اللواتي كن يجدن العزف والغناء، فيما تدل (المحظية) تعميما للمرأة الحبيسة في بيتها. وفي فضاء رواية («حلم الليلة الأولى»، تشغل العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة مكانة واضحة تحتل مساحة واسعة من هذا الفضاء، أما محفزات هذه العلاقة فتبدو في أغلبها تلبية لرغبة الرجل أو إرضاء لرجولته، ولكنها على الرغم من ذلك تشي بعلاقة تكافؤ وانسجام، وتكشف الجمل السردية المعنية بتجسيد هذه العلاقة، على ثراء مفرداتها بالصورة الحسية الملتهبة بنار الأحاسيس المتدفقة، والاستعارات الشعرية الموحية بلحظة هذا الفعل الإنساني الخاص «تلوت بجسدها المتأهب إلى التقام كل فاكهة تسقط عليه، تلذذت، ثرثرت، وفي اللحظة التي ادفقها بالريح والمطر لعلع صهيلها متلاحقاً حتى شهقت. ارتخت عذوقها، نثرت رطب لحظتها، فاحت رائحة الطلع عند لحظة السكون». غير أن التبريرات التي ترد على لسان الزوجة في هذا المجال تكشف عن وضوح نظام الحريم وتجليه في فضاء الرواية، إضافة إلى احتكامنا إلى الفترة الزمنية التي جرت فيها أحداث الرواية، فالزوجة «لا تحب أن يشم روائح نهارها المختلطة، وتعرف أنه لا ينفر لو حدث وفاجأها، فالرجل حين تستبد به الرغبة لا يهمه إلا أن يخرسها حتى وإن كانت معه امرأة مثل (مدقة ثوم)». كما يظهر تجبر الرجل وتسلطه «فهي لم تنس بعد كيف خاصمها عشرة أيام كاملة حين اخفت عنه فعل سلوم، يوم دخل عليها يؤرجح جزءاً من ذيل حمار». وهي «ربة بيت تصرف طاقات النهار لخدمة بيتها بغير شكوى، هي الأم حانية الأعطاف، مثل سدرة تظلل منابت جذورها الممتدة وثمرها الطالع، وزوجة تواءم جمالها ورقتها بحرارة الأنثى المانحة النعم واللذات». فضاء الرواية وتكشف تفاصل الحياة في بيت معيوف ومن قبله حياة أبيه جاسم عن العلاقات المحدودة التي تعيش ضمنها المرأة، فهي حبيسة دارها (حرمة)، وليس لها نشاط حتى في التسوق للبيت، وقد أغلقت الروائية فضاء الرواية على المرأة باستثناء (فرزانة الإيرانية وابنتها فطوم)، وشخصية (قمرية) العراقية التي تمردت على واقعها بعد وفاة زوجها «كانت الروح التي فارقتها، وهي في جب الكهل قد استنشقت نسائم الحرية الأولى، فأرادت أن تتذوق شهدها وتلامس فضاءها، فكيف ترضى بسجن جديد؟». وتكشف الصفحات التالية لهذه الصفحة تفاصيل مثيرة لتجربة (معيوف) الأولى معها حين كان شابا، وكيف أنها تحصن نفسها من وشايات الرجال الذين يعاشرونها بأن «تقذف بصقة كبيرة داخل فمه»، ولسان حالها يقول «التفلة بحلوقكم تخلي واحدكم ما يتجرأ يقول نمت ويا قمرية، هذه طريقتي مع الرجال». وتمثل تجربة (قمرية) و(فرزانة) استثناءً محدوداً في فضاء الرواية لم تستثمره الروائية في تحريك فضاء روايتها الساكن، ذلك لان رياح التغيير غالبا ما تأتي من خارج الفضاءات الساكنة، غير أن الروائية أغلقت هذا الفضاء بمغادرة هاتين الشخصيتين فضاء الرواية إلى المجهول. انتباه الروائية كما لم تستثمر الكاتبة وظيفة (معيوف) كمدرس للتربية الرياضية، لتضفي على بيته، حرية محدودة لعائلته، بل جعلته متجبراً نقيضاً لأبيه النجار الذي حرص - كما يشير هو - أنه «لم يرهقني بالعمل، لاحظ أنني لا أميل إلى المهنة فكلفني بأبسط الأعمال، مثل فرز المسامير وترتيب الأخشاب ورشها بالماء». إضافة إلى ورود كلمة (حرمة) وحريم في العديد من صفحات الرواية. ولا بد من الإشارة إلى انتباه الروائية إلى ظهور (العصاعص/ الذيول) في المجتمع الكويتي في وقت مبكر من تاريخه الحديث (ولأول مرة يجد نفسه مساقاً للتفكير بأحوال البشر مستعرضاً مشاهد الرجال بالأسواق، بالديوانيات بالمساجد وبالشوارع. رجال (مشوربون) طول بعرض يتبعون الأعمام من التجار أو المسؤولين من الموظفين الكبار حاملين البشوت والحقائب». إن عالم الرواية - أية رواية - يحمل خصوصيته وتعميمه في آن، وهو يعبر عن وجهة نظر كاتب الرواية ورؤيته. وفي رواية «حلم الليلة الأولى» نجد عزوفاً عن استثمار الحياة المعاصرة في المجتمع الكويتي بكل تناقضاته وكوابيسه وظلامياته المعلنة من قبل روائية ملتزمة بشكل صارم بنصرة تقدم بلدها، وبوضوح رؤيتها ضد كل أشكال العسف ومصادرة حرية الإنسان، وذلك بالاتجاه نحو الماضي البسيط وعوالمه المندثرة، وهي بإنجازها لهذه الرواية قد أسهمت في إدانة وفضح أفكار التطرف والهدم من خلال تورية دالة على مجتمع صاف من الخلافات وبعلاقات ودية، لكن الرواية ستبقى تمجيداً للعلاقات الأسرية الأبوية، حتى حين تزول المظاهر الغريبة عن حياة المجتمع الكويتي المعاصر.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©