الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البيوت أسرار

البيوت أسرار
22 يوليو 2010 21:36
هلاوس الموت نورا محمد (القاهرة) - كنت في الخامسة والعشرين عندما التقيت به في العمل، حضر إلى البنك الذي أعمل به لإنهاء بعض الإجراءات المالية للقرية السياحية التي يعمل مديرا لها. يكبرني بست سنوات وهو شاب جذاب في قمة الوسامة والأناقة، ويلفت الانتباه من أول نظرة، يبدو انه تعلم كثيرا واستفاد من طبيعة وظيفته في العمل السياحي وانعكس ذلك على مظهره وامتد الى طريقة تعامله وأسلوبه في الحديث، فهو رقيق وساحر وأعترف بأنني انجذبت اليه من أول مرة وقعت فيها عيناي عليه، وبعدما تعددت اللقاءات بيننا بحكم العمل كدت أبوح له بمكنون صدري وما منعني إلا حياء الأنثى، أو أن يفهم تصرفي بشكل خاطئ، كما خشيت ان يكون مرتبطا بأخرى. ورغم ان تعاملاته مع البنك لم تكن كثيرة ويأتي على فترات متباعدة، فإنني كنت انتظره على أحر من الجمر، غير انه بدأ يزيد من مرات الحضور حتى لاحظت انه يختلق مبررات ليتحدث معي في أمور عامة خارج نطاق مهمته، وشعرت بأنه يأتي من أجلي وكانت السعادة تغمرني وفي بعض الأحيان أكون عاجزة عن السيطرة على أعصابي وتفضحني عيناي، إلا انني كنت ادعي عدم الاكتراث وربما اريده ان يلهث خلفي اكثر ويخطو نحوي من دون ان اهرول اليه، وكنت مشتاقة الى حبه واتمناه، وعندما كان يثني على جمالي أو ملابسي او يوجه اليّ عبارات الاطراء بأسلوبه الفريد لا أرد إلا بكلمة واحدة تعبر عن الشكر له ولا ازيد، وتطورت تصرفاته بالعروج الى الحديث عن نفسه وعمله وراح يشرح لي معنى اسمي، ولا يفوت التعليق بكلمات رقراقة تهز اوتار القلب وتدغدغ المشاعر، وأكاد أطلب المزيد منها ولم اخف من هذا كله شيئا عن امي فقد اخبرتها بكل هذه التفاصيل، لأنني ألجأ اليها في كل موقف فأجد عندها الحلول والمخارج والنصائح السديدة، وفي هذا الموقف ابتسمت ابتسامة عريضة ذات دلالة ثم قالت لي إنه وقع في غرامي، وفي طريقه الى المنزل لطلب يدي. ولكن قبل ان تحدث توقعات أمي وقبل ان تصدق رؤيتها وجدته يوجه اليّ دعوة لتناول الشاي معا بعد مقدمة طويلة حتى لا ارفض طلبه، اكد فيها ان اللقاء سيكون في مكان عام وانا التي سأختاره واحدد وقته ومدته وفقط كل ما سيفعله انه سيتحدث معي في أمر لا ينفع الحديث عنه في مكان العمل، وقد فهمت مرماه خاصة وأن عينيه تبوحان بكل ما بداخله، حاولت أن استفسر عن الموضوع، فاستطاع اقناعي بالحديث عن تفاصيله عند اللقاء، ذهبت اليه، فوجدتني امام شخصية أكثر إبهارا وسحرا، يعرف كيف يحترم المرأة، وعنده مفاتيح شخصيتها، وخبير بطبيعتها ويعرف أصول الحوار، ومتى يتكلم ومتى يسكت، ومتى ينظر ومتى يسمع، وكيف يجيب. بدأ كلامه بالحديث عن نفسه وأخبرني عن تفاصيل حياته وطفولته وأسرته، فهو أصغر إخوته الخمسة من أب وأم ينتميان للطبقة المتوسطة، ومسكنهم هو الآخر متوسط فنشأ افراد الأسرة كلها في هذا الوضع وهم ليسوا من المحرومين ولا من المرفهين المترفين، واستطاع هو وإخوته أن يكملوا تعليمهم ويحصلوا على مؤهلات عالية والتحقوا بوظائف مرموقة وهو يحصل على راتب شهري لا يحلم به أحد، ولديه شقة في منطقة راقية تفوق المنطقة التي عاش فيها بكثير، وله رصيد جيد في البنك، ثم تحول بالحديث للكلام عني وافصح لأول مرة مباشرة عن إعجابه بي منذ أن رآني أول مرة، وأن إعجابه هذا تحول الى حب، فإن لم يكن عندي مانع فإنه يرغب في الارتباط بي، وتحولت بوجهي عنه حتى لا تلتقي العيون، وقد استشعر الارتباك الذي اصابني، فلم يتركني أعاني، وواصل حديثه بأنه سيكون أسعد انسان إن استجبت لطلبه، وإن رفضت فهذا من حقي ولا تثريب عليّ، بل سيقطع كل تعاملاته الشخصية مع فرع البنك الذي أعمل به، ومنحني فرصة لمدة أسبوع لأتدبر الأمر واتخذ القرار. ودس في يدي رقم هاتفه المحمول. انتهى اللقاء وبالطبع لم تكن لدي أي ملاحظة عليه، وكلي قناعة به، فهو الذي أتمناه، وأخبرت أمي باللقاء وما تم فيه، وبدورها أخبرت أبي، ولم يكن لاحد منهما اعتراض عليه، وكدت أطير فرحا وودت لو اتصلت به وأعلمته بالنتيجة على الفور لكن الموانع كثيرة وإن كانت كلها وهمية وشكلية، وانتظرت حتى اليوم السادس، واستجمعت شجاعتي وطلبت رقم هاتفه، وهو لا يكاد يصدق ومن دون أن أخبره بالموافقة صراحة فهم ذلك من كلامي معه، وتحدثت في مواضيع شتى لمجرد أن نتبادل أطراف الحديث معا. تم الزواج وانتقلت أنا وهو الى عشنا، وأنا أخشى أن استيقظ من الحلم الجميل الذي أغرق فيه، وأخاف ان اصطدم بالواقع وأن تظهر الخلافات الزوجية مع العشرة اليومية المستمرة وهذه أمور طبيعية في حياة أي زوجين، فلا يخلو بيت من خلاف بين الرجل والمرأة في وجهات النظر أو الاهتمامات أو الطباع، وقليلا ما يستطيعان الوثوب فوقها وتجاوزها، وكنت أتوجس خيفة وأترقب شيئا من ذلك وأعد العدة للتعامل معه بحكمة، وتداعت الى رأسي عشرات التجارب والمواقف بين اثنين متحابين كانا متفاهمين قبل الزواج وفي بدايته، وقادتهما المشاكل والخلافات الى الطلاق، لكنني وجدت نفسي وقد خرجت من حلم صغير الى حلم أكبر، فأنا مع رجل نموذج للاحترام، أصيل المعدن، لم يتغير فيه شيء مما كان قبل الزواج، بل ظهرت فيه صفات أخرى، فهو وفي وحنون، وكان لي الصديق والأب، الذي أستغيث به عن كل ما في الدنيا، وان كنت اتمتع بصفات خاصة ويتمناني عشرات الشباب، لكنني أحسد نفسي أنني فزت بمثل هذا الرجل، لا يترك لي فرصة لأطلب شيئا، كريم جواد يغدق عليّ حتى أمل، واكتملت سعادتنا بطفلين جميلين فانتقلت من الحلم الثاني الكبير الى الحلم الثالث الأجمل والأعظم، وأجزم بأنني الأسعد على وجه البسيطة خلال سبع سنوات هي عمر زواجي، وزوجي مازال منجما من القيم والأصالة، يفيض بالمزيد، ويهتم بي وبالولدين، ويتابع مطالبنا بالهاتف لحظة بلحظة، ودروس الابناء واحتياجاتهم، ويأتي محملا بالهدايا والأشواق ويؤثرنا على نفسه، ويود لو وضعنا في عينيه. وفجأت هبت الرياح العاتية والأعاصير المدمرة، وتزلزلت أركان البيت، عندما عاد زوجي من عمله وقد أعددنا له مفاجأة بالتورتة والشموع احتفالا بعيد ميلاده الثامن والثلاثين، انتابته عصبية شديدة، وتحول الى وحش كاسر، يحطم كل شيء أمامه، لم أصدق ما يقع أمام عيني، واختبأ الولدان في غرفتهما من الخوف، كل ما دار في رأسي حينها أن زوجي به مس من الشيطان أو اصابه عارض من الجنون، فليس هناك ما يدعو لهذا الانقلاب والثورة، وهو نفسه لم يبرر سبب ذلك، وبالفعل لا يوجد سبب ولم يحدث أي خلاف أو شقاق، حتى عندما حاولت تهدئته نهرني ودفعني بعيدا لأول مرة في حياتنا، انني امام شخصية أخرى مختلفة تماما غير التي عرفت، واحترمت رغبته في الخلوة بنفسه عندما دخل غرفة نومه وأغلق الباب ولا أدري ماذا يفعل، لكنني في تلك الليلة لم أذق للنوم طعما، أبحث عن أسباب ومبررات من هنا وهناك، وفشلت على مدى ساعات في الوصول الى واحدة منها وعجزت عن التكهن بالحقيقة، والمؤكد أن زوجي ليس من ذوي الوجهين ولا يعيش بشخصيتين وكل ما قلته عنه ليس وهما ولا خيالا ولا مبالغة، بل هو كذلك بالفعل قولا وعملا، وهذا ما كان يزيد حيرتي من غرابة تصرفه. وإذا عرف السبب، بطل العجب، واستطعت أن أصل الى تفسير جزئي في الصباح، عندما غادر زوجي البيت وهو مكفهر الوجه، دون أن يتناول إفطاره معنا لأول مرة. خرج وهو يردد: لا لن أموت. هنا بدأت أربط الأحداث، فزوجي فقد إخوته الأربعة على فترات واحدا تلو الآخر، قبل أن يبلغ أي منهم سن الأربعين، والحكمة والاسباب عند الله، ولا نملك إلا أن نسلم بقضاء الله وقدره، وها هو زوجي يتنبه من خلال حفل عيد الميلاد إنه قاب قوسين أو أدنى من الأربعين، ويخيل إليه أنه يقترب من الموت، وبينه وبين القبر بضع خطوات، لأنه مثل إخوته، لابد -كما يرى- أنه سيموت قبل أن يصل الى الأربعين. ومن هذا اليوم، بدأ يجلس وحيدا في غرفته بالساعات، غارقا في التفكير، انقطع عن العمل، يرفض الطعام والشراب، ينهال علي بالسب والضرب بلا مبرر وبلا سبب، وأنا متأكدة من أنه مازال يحبني ويحب ابنينا، لكنه معذور، فتحملت من أجل أسرتي كلها. ازدادت حالته سوءا مع الذكرى السنوية لوفاة أحد إخوته، وهو يعتقد أن دوره قد حان، ويقبع في غرفته كأنه ينتظر الموت، حاولت أن أقنعه بالعرض على طبيب نفسي، فنهرني قائلا: أنا لست مجنونا، فطلبت منه التقرب الى الله واللجوء اليه اكثر بالذكر والصلاة، وقراءة القرآن لكن الوساوس تملكته، وتطور الامر الى حالة هياج مخيفة وتوعدني بالقتل، بحجة انه يرفض ان اعيش بعده وارث امواله ثم اتزوج شخصا غيره ونتمتع بها معا وتحول اهتمامه وتفكيره الى ذلك المنحى فقط، ويأتي بهلاوس وخزعبلات ويهذي بكلمات غير مفهومة، فتملكني الرعب من التعامل معه اخشى رؤيته وهو يجدد وعيده وتهديده ويؤكد اصراره على التنفيذ، ولابد ان يقتلني قبل ان يموت، فأقض مضجعي بتصرفاته، ولم اعد قادرة على النوم من الخوف واصبت بحالة من الاكتئاب بعد الارق الشديد لا استطيع القيام بشؤون المنزل والصغيرين وحالتي الصحية في تدهور مستمر، وبدلا من ان يذهب هو الى الطبيب النفسي ذهبت انا لأتلقى العلاج من هذه الاعراض. انا مع رجل متهور غير طبيعي لا يعي ما يقول ومع الخوف الشديد طلبت منه الطلاق فرفض اضطررت لاقامة دعوى خلع حرصا على حياتي وحياة الولدين رغم انني مازلت احبه واخاف عليه، لكنني فقدت الامان مع رجل ينتظر الموت ولا يهمه ان يهدم المعبد على رؤوس كل من فيه فلا ملجأ ولا منجي إلا بالهروب منه بعدما ضاقت بي السبل وسدت الطرق وعجزت عن علاجه. الآن عرفت ان خراب البيوت له ألف سبب قد لا تخطر على بال أحد. ميزان العدالة مذبحة على نار هادئة أحمد محمد (القاهرة) - فجأة وعلى غير عادته، توقف السائق المخضرم «محمود» بجانب الطريق أثناء قيادة الباص الذي يقل عددا كبيرا من المديرين والمهندسين والموظفين بشركة المقاولات الكبرى، اعتقدوا لأول وهلة أن هناك عطلا أصاب المحرك، أو عطبا في أي جزء من السيارة، فسألوه عن الأمر، فقال، لا شيء، إذ سيعاود السير نحو المقر الذي يتجهون إليه، والرجل ليس على طبيعته المعهودة، فهو هادئ، لكنه اليوم يبدو مضطربا منذ بداية الرحلة قبل ساعة تقريبا، نعم هو قليل الكلام مع أي منهم، وكل ما يدور بينهم كلمات معدودة ومحددة، ومتكررة ومعادة كل صباح يلقون عليه التحية فيرد بمثلها وكفى، وعندما يأخذ كل منهم مقعده، يكونون بين منهمك في صفحات جريدة، أو مشغول بقراءة القرآن أو الذكر، أو مستغرق في حديث جانبي خافت مع جليسه، ومع هذه الوقفة المفاجئة انتبه الجميع وتعلقت العيون بمحمود تستكشف وكأنها تسأل عن سبب توقفه، فإذا به يقوم من فوق مقعد القيادة، ويرفعه ويستخرج من تحته بندقية آلية سريعة الطلقات ويعدها للإطلاق ويتجه نحوهم، وبلهجة حادة ونبرة عالية، وعلى طريقة الأوامر العسكرية. أمر اثنين من الركاب بالوقوف، محذرا الآخرين من عاقبة أي تصرف. فحدث هرج ومرج وهمهمات واستنكار، وتساؤلات خفية في الصدور عجزت الألسنة عن النطق بها، وتحشرجت في الحلق، ماذا عساه أن يفعل! وما هذا الذي يحدث؟ بعضهم تجرأ على الحديث معه في هذا الموقف الذي يؤثر كل واحد فيه السلامة لنفسه، وطلب منه تفسيرا، فإذا به يصدر فرمانا آخر إلحاقا بالفرمان الأول بأن يبقى كل شخص في مكانه، ومن يخالف فلا يلومن إلا نفسه، وعجز الشخصان اللذان أمرهما بالوقوف عن الحركة، واختبأ تحت المقاعد، فاتجه إليهما وأطلق عليهما النيران حتى أصاب الأول وحده بعشرين رصاصة وبقية الطلقات للثاني، فتناثرت الأشلاء وسالت الدماء وتعالت الأصوات بالصراخ، المشهد الدموي فوق التصور والخيال، لم يشاهدوا مثله في أفلام السينما ودراما الانتقام، ولم ينته عن ذلك، بل وضع خزينة ثانية -بعد فراغ الأولى- في البندقية وأطلق النيران عشوائيا، فسقط أربعة آخرون قتلى وأصيب ستة، غطت الدماء أرضية الباص والممر والمقاعد، البعض أصابه الخرس وخارت قواه، والسيدات فقدن الوعي من هول ما رأين، زجاج النوافذ سقط متحطما فوق الرؤوس، المهندس «سعد» يمد يده إلى مقدمة البندقية يرفعها إلى أعلى فتصيبه رصاصة وتحترق يده من سخونتها، يستطيع أن يقنع «محمود» بأن يكف عن إطلاق الرصاص، فإذا به يستجيب له ويترك له السلاح ويؤكد أنه لا يريد أكثر من ذلك، فقد نفذ ما يريد. خمس دقائق فقط، كانت مثل الدهر، مرت ثقيلة بطيئة، كل ثانية فيها أطول من مئة عام، فالموت يطير فوق الرؤوس يقطف منها، وكل منهم ينتظر دوره، وأي رصاصة تلك التي ستصيبه في مقتل، في الرأس أم الصدر أم البطن، ثم هدوء مشوب بالحذر والترقب، دقات القلوب تتعالى وتتصاعد وتتلاحق وتتسارع، الأنفاس مقطوعة، الصدور تتوقف عن التنفس، و»محمود» يعود إلى مقعد القيادة ويواصل السير إلى مقر الشركة الذي يبعد خمسمئة متر. ويصرخ لزملائه هناك الذين يعرفون جيدا أن شخصين اقتحما الباص وأطلقا النيران على الموظفين وارتكبا مذبحة، فهرع العاملون ليعرفوا ما حدث لزملائهم، فإذا بأعينهم تقع على آثار المجزرة البشرية، جثث لستة أشخاص في الباص، الدماء تسيل من ستة آخرين يصارعون الموت، والناجون يطلبون الإنقاذ والإمساك بالسائق السفاح، ولا أحد يصدق أن يرتكب هذا الرجل بالذات تلك الفعلة الشنعاء، فراحوا يضربون أخماسا في أسداس، ويبحثون عن الحقيقة الغائبة. الشهود كثر، والمتهم معروف، والأدلة لا تحصى لكن ما هو السبب؟ يجلس «محمود» أمام النيابة ليروي التفاصيل الكاملة، ويعترف بها يقول: عمري خمسة وخمسون عاما، التحقت بعملي منذ ربع قرن، وراتبي الشهري يكفيني ويكفي أسرتي ويزيد، واستطعت من خلاله أن أشيد منزلا من ثلاثة طوابق، لكن منذ عامين فوجئت بجيراني يحفرون حفرة كبيرة في منزلهم بحثا عن الآثار التي لا تقدر بثمن ليجنوا من ورائها الملايين بسهولة ويسر، لكن تلك الحفرة كانت تحت الجدار المشترك بيننا بما يهدد منزلي بالانهيار، فنكاد نفقد الملاذ الذي هو كل ما نملك في هذه الدنيا، فتوجهت وحررت ضدهم محضرا بالشرطة، وتم ردم الحفرة وانتهى الأمر واسترحت. ومنذ شهرين فوجئت بالمهندسين «عبدالفتاح وأشرف» يتفقان مع جيراني على إعادة الحفر والتنقيب عن الآثار، غير مهتمين بالخسائر التي يمكن أن تلحق بي وبأسرتي فأنا أعول خمسة من الأولاد وبنتا بعد ما غرق أحدهم منذ ست سنوات، طلبت منهما التوقف عن هذه المهزلة المدمرة، فرفضا وبدأ تنفيذ مخططهما، ولم يكتفيا بذلك، بل حولاني إلى مادة للسخرية والاستهزاء والتحدي، وأنهما مع أصحاب المنزل المجاور سيحصلون على الآثار الثمينة رغم أنفي، وقالوا انهم يستطيعون دخول منزلي في غيابي أو في حضوري من خلال سرداب والتعرف على كل أسراري، حينها شعرت بأن بيتي عورة مكشوفة، واستمرت السخرية ولم أستطع إيقافها، فقررت وضع حد نهائي وفاصل لها. قبل الحادث أعددت لزوجتي وأبنائي العدة للسفر إلى بلدتي مسقط رأسي ليكونوا بعيدا عن المتاعب نتيجة ما سأقوم به، وهم لا يدرون ما اعتزمت الإقدام عليه، وقبل الحادث بيوم غادروا، وبقيت وحيدا، وفي المساء توجهت إلى أحد أقاربي وساعدني في الحصول على البندقية الآلية، ووضعتها أسفل مقعد القيادة، وليلتها لم أنم وأنا أفكر في كيفية التنفيذ والثأر لكرامتي، إلى أن أشارت عقارب الساعة إلى الخامسة وارتديت ملابسي واتجهت بالباص إلى أول خط السير وأنا أمنّي نفسي بالانتقام كلما صعد واحد من اللذين أردت التخلص منهما، وعندما أطلقت الرصاص لم أقصد قتل أحد غيرهما، لكن مشهد الدم جعلني أواصل إطلاق النيران، وخشيت أن يمسك بي باقي الموظفين ولا أتم المهمة الكبرى التي خططت لها، وأؤكد أنني لست بآسف على موت هذين، ولست نادما على ما فعلت، فلا حل عندي غير هذا، فلا حياة بعد الكرامة والشرف. لم تكن مهمة المحققين صعبة رغم بشاعة الجرم، فالأدلة كلها متوفرة، وسيدها الاعتراف والشهود يزيد عددهم على العشرين، ويتم تقديم «محمود» لمحاكمة عاجلة باتهامات تصل عقوبتها إلى الإعدام كما طالبت النيابة لكنه كان يردد «وإيه يعني»!!
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©