الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الكيمياء الناقصة..

الكيمياء الناقصة..
8 مايو 2013 20:46
الحق في السعادة من حقوق الإنسان، التي يجب إن تتوفر له ويحصل عليها، ومؤخرا تم النص على هذا الحق في وثائق حقوق الإنسان، يسعى الأفراد لنيلها وتعمل الحكومات على تحقيقها وتوفيرها للأفراد، هذا على مستوى الدول والمجتمعات الغربية كلها، وقبل ذلك فإن «السعادة» كانت هدفا أخلاقيا لدى عدد من فلاسفة اليونان وعنهم انتقلت إلى الفلسفة الغربية، ولذا وجدنا الفلاسفة المعاصرين يهتمون بالسعادة ولهم العديد من الدراسات والكتب في هذا المجال ومن بينها الكتاب الذي ترجم مؤخرا «الفلسفة والسعادة»، شارك فيه 13 فيلسوفا بأبحاثهم ودراساتهم وقام بترجمتها والتقديم لها د.أحمد الانصاري. الملاحظ ان الفلاسفة ـ حتى الآن ـ لم يتفقوا على معنى محدد ومنضبط للسعادة، هي عند البعض تعني الرفاهية الذاتية وعند البعض الآخر تعني الحياة الخيرة أو الطيبة، وقد تعني الانشراح أو اللذة وإشباع رغبات الإنسان واحتياجاته الخاصة، لكن المعنى الأكثر استخداما هو «الرفاهية»، وليست السعادة مفهوما أو حالة مجردة، بل يتم التداخل بينها وبين العوامل الأخرى والظروف والإمكانيات الخاصة بكل إنسان، مثل: هل يمكـن للسـعادة أن تتحقـق للإنسـان في حالة المرض، خاصة إذا كان مرضا عضالا مثل السرطان؟ وهنا يدخل الجانب التجريبي في البحث عن السعادة، في إحدى الدراسات بهذا الكتاب، نجد دراسة لحالة من حالات السعادة عاشها مريض بالسرطان، فقد أدرك هذا المريض أنه سوف ينتهي به المرض بالوفاة، ومن ثم فإن مرور لحظة عليه بلا ألم ولا معاناة كانت تعتبر لحظة سعادة بالنسبة له، فقد أدرك أن الموت قادم.. قادم، ومن ثم لم ينزعج من تلك النهاية ومارس حياته بشكل عادي جدا، وحاول ان يتجنب الآلام وتعايش مع المرض واعتبر نفسه بذلك سعيدا. مفهوم فردي وقد يجادل البعض في أن ذلك المريض كان «سعيدا» الواقع إنها حالة تقوم على ما نسميه نحن حالة الرضا او القبول بالأمر الواقع. سوف نلاحظ أن مفهوم السعادة: طبقا لدراسات هذا الكتاب: مفهوم فردي وهو ذاتي أيضا، يظهر مع الإحساس بالرضا او الإشباع، ويختفي مع إحساس الإنسان بالإحباط والمرارة والحزن، هذا ما ينتهي إليه «تاديوس متز» وفي العادة لا يشعر الإنسان بهذه الحالة إلا حين يسأل عنها من الآخرين، ويذهب متز إلى إن السعادة حالة عقلية تماما، البعض يرى انها حالة نفسية، فإذا كانت عقلية فلا ارتباط بينها وبين عوامل أخرى مثل الصحة البدنية والخلو من الأمراض ولا ترتبط بالحالة الاقتصادية أي الفقر والغنى. وطبقا لهذا التوصيف فإن هناك أغنياء يكونون تعساء جدا وثمة فقراء يكونون في غاية السعادة والرضا. هذا المفهوم للسعادة يقتضي من الإنسان ان يتأمل جيدا في ذاته الباطنية. ومن أطرف الدراسات تلك التي اعدها «مايك مارتن» حول المعاناة في حياة السعداء وهنا يثور التساؤل حول العلاقة بين المعاناة او التعاسة والسعادة، للوهلة الأولى يبدو التناقض والتضاد بينهما، السعادة تنفي المعاناة فكل منهما تضاد الأخرى وتنفي وجودها، ولكن أحيانا يكون كل منهما مكملا للآخر، حيث تكون المعاناة مكملا للسعادة أو تكون حالة عابرة تقابلنا، تعترض طريقنا نحو السعادة او تمنع السعادة في لحظة معينة وظهر ذلك في مذكرات إحدى الممثلات، التي كانت سعيدة وفجأة أصيبت بمرض سرطان المبايض، عاشت فترة من الرعب والحزن وانتابها شعور بفقدان الذات والأهمية لكن عادت البهجة اليها ثانية وأخذت تضحك، رغم وجود هذا المرض، فقد أدركت انه حالة عابرة، ومن ثم اعتبرت المعاناة في حالتها جزءاً من السعادة أو خطوة في طريق السعادة. السعادة قد تتحقق عند البعض في حسم الاختيار بين أمرين يصعب الحسم بينهما، مثل اختيار وظيفة ما قد يترتب عليها ان يفقد صاحبها بعض العلاقات الاجتماعية أو صداقاته، هذا النوع من الاختيار اطلق عليه «جان بول سارتر» الخيار الصعب الحسم ولكن لابد ان يحسم صاحبه وهنا تتحول الحياة كلها إلى نوع من الاختيار، ويترتب على ذلك أمور كثيرة في حياة الإنسان، وحين نتحدث عن الاختيار الصعب، فهذا يفترض ـ أصلا ـ ان يتمتع الإنسان بالحرية.. حرية الإرادة والتفكير وكذلك حرية المعرفة ومن ثم حرية الاختيار واتخاذ القرار، وهنا تصبح السعادة مرادفا للحرية وللاختيار، كان ذلك هو شاغل الفلسفة الوجودية كلها، وبقى منها إلى اليوم قيمة الحرية وحق الاختيار. السلام الداخلي السعادة قد تعني عند البعض حالة من التوافق والسلام الداخلي، وهذا يقتضي عملية مراجعة دائمة لسلوكنا، لمعرفة كيف تحيا حياة سعيدة، المعنى هنا ان ننظر للخلف ليعرف الإنسان كيف أمضى حياته وهل هناك أشياء قام بها تدعوه للندم او ارتكب أخطاء كان يمكن تجنبها.. هذا النوع من الفهم للسعادة ينطلق من مقولة الفيلسوف الانجليزي الأشهر ديفيد هيوم «يعتبر الشعور بالسلام الداخلي والوعي بالتكامل والمراجعة لأنماط سلوكنا من الأمور المهمة للسعادة ومحل تقدير من قبل كل من يشعر بأهميتها». الكتاب متخصص وعميق وهو يتعلق من بدايته إلى نهايته بالثقافة الغربية، وهو أمر يذكرنا بالثقافة العربية وهل للسعادة مكان فيها؟ لاحظ المترجم ان لدينا كتابا واحدا للأمام الغزالي هو «كيمياء السعادة»، لكن طبقا لمفاهيم السعادة ومعانيها العقلية والنفسية فإن ثقافتنا العربية بها العديد من الكتابات والدراسات حول السعادة، خاصة مفهوم «الرضا» هذا المفهوم شغل الكثير من الباحثين والدارسين العرب قديما وحديثا، أيا كان الأمر فقد صارت السعادة هدفا للإنسان وواجبا تقوم به الحكومات الأوروبية تجاه مواطنيها ويوم أن يحدث ذلك عندنا سوف نجد الدراسات العربية تهتم بالسعادة.. سعادة الإنسان العربي. هناك يمكن لمريض السرطان ان يكون سعيدا، لأن العلاج متاح له والطب متيسر أمامه ويبقى على المريض ان يتعامل هو مع نفسه، أما عندنا فلن يجد المريض العلاج ولا الدواء، فضلا عن الاهتمام به، وهنا تصبح السعادة أو الرضا في مجرد العثور على الدواء. الكتاب: الفلسفة والسعادة اعداد: ليزا بورتولوتي * ترجمة وتقديم: د. أحمد الأنصاري * مراجعة: د. حسن حنفي *الناشر: المركز القومي المصري للترجمة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©