الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منى ظاهر: أقرأ ما ترسّب في مياه التاريخ

منى ظاهر: أقرأ ما ترسّب في مياه التاريخ
11 مايو 2011 20:12
منى ظاهر شاعرة وكاتبة فلسطينية تقف في الخنادق الأولى بمواجهة سياسات لخنق الهوية العربية في فلسطين قابضة على الجمر. تحفر على الدوام في العمق للوصول وتغرد بأسلوبها الخاص. نصوصها تطرح تساؤلات وعلامات استفهام وتتحرك باتجاه الإنسان المرتبط بالأرض وتضيء ما اسمته “عتبات المنسي والعادي”. ترى أن الكتابة مقاومة وتحليق للرغبة. عندما تكتب تمارس الحياة وترقص جنوناً، لتخلق مرايا ملونة وتعزف سيمفونيّة الإنسان الوسيط الخارج من السرب، وتؤكد أنه لا تابوهات في الكتابة إلا قوانينها. في كتابها “يوميّات شفق الزّغلول” الذي سيصدر قريباً تجسد واقع الحياة في الاحتلال، كما في مجموعاتها الشعرية السابقة: “شهريار العصر” و”ليلكيّات” و”طعم التّفّاح” ونصوصها: “حكايات جدّتي موفادّت” و”أصابع” و”خميل كسَلها الصّباحيّ- خزفيّة نصّيّة لرفسة غزال”، “الاتحاد الثقافي” حاورها في العاصمة الأردنية عمّان، وفيما يلي تفاصيل الحوار. حُفَر الذاكرة المفتوحة ? “يوميّات شفق الزّغلول”.. كتابك قيد الطّبع ماذا عنه؟ ? بعد ما يقارب الخمس سنوات الّتي استغرقتها كتابة العمل جاء “يوميّات شفق الزّغلول” مرتكزًا على وجوه وأحداث حقيقيّة، وصور وحكايات مستوحاة من الواقع، مقتفيًا أثَر الحُفَرِ المفتوحةِ في الذاكرة، معنيًّا بالمشاهد الّتي حَرص على التقاطها من نسيج الواقع.. بالإضافة إلى مزاولة التّلصّص الشّفيف على تفاصيل تقتضي الرّجوع إلى مجسّات استشعار الّذي حدث ويحدث في آن، وأيضاً ما كان من مواد ونحاس الأشياء المترسّبة في مياه التّاريخ. في هذه اليوميّات الّتي بلون الشّفق يتحرّك الضّوء صوب الإنسان والشّخوص المرتبطة بأرض فلسطين أو الّتي في تماس مع هذه الأرض مع محاولة حثيثة لتدوين الموجود والمُغيَّبِ في المكان بما فيه من نبات وطير وحجر. ويعيد الكتاب الذي سيصدر عن دار فضاءات بعمان قريبا نسج الكينونة المتمزّقة بفعل الحدود وألعاب السّياسة والجغرافيا، بالإضافة إلى محاولته تأريخ هذه الكينونة بكلّ ثقلها الماديّ والرمزيّ بأسلوب استعاري لا يُلغي البُعد التسجيليّ الوظيفيّ. ودون الادعاء أنّ هذا العمل جاء ليغطي مساحات كبيرة من المكان وحراك الإنسان فيه، بل ليضيء بعض عتمات المنسيّ والعاديّ، ويكشف عن سيرورة حدث وموقف، ويجلو حديث النفس واختلاجاتها، بفعل توصيف أو تبئير أو سخرية سوداء وغيرها. وقد بدأتْ أصابعي تنزّ رؤيتها ووجعها وموقفها من حرب تمّوز 2006 مرورًا بالذّاكرة الجمعيّة والفرديّة، وبالمكان هنا وبالأرض كلها وما مرّ ويمرّ عليها من ويلات ونكبات إلى يومنا هذا، ليكون لهذا العمل فِعْل قُبلة مندغمة في سماء هذه الهويّة. أنا أكتب في هذه اليوميّات نصًّا بملامح الإنسان في الداخل الفلسطينيّ والمنفي قسراً والأراضي المنتفضة للآن، مع إطلالة على الآخَر أينما وجد. هذه الملامح تصوّر وتكشف وتطرح تساؤلات وتضع علامات استفهام على القارئ الحصيف أن يتتبّعها ويتأمّل فيها ويفكّر. هيمنة العبرية ? كيف هي علاقة العربي الفلسطيني بتراثه ولغته في ظلّ الاحتلال؟ ? في ظلّ الظروف التي تحاصر ثقافتنا خصوصًا، في الداخل الفلسطيني بإسرائيل وتسعى لتهميش لغتنا العربيّة ومحو تراثنا الفلسطيني بكلّ جوانبه، وتشويه ذاكرتنا الحية أرى أنه من الضروري العمل على الإبداع بكلّ أشكاله من فن وموسيقى وأدب وشعر بصورة تُظهِر هويّتنا ولغتنا العربية السليمة وانتماءنا المتجذّر فيها. ولأننا حافظنا على ما تبقّى لنا من وطننا، فلنا دور إيجابي كبير ومهم للغاية في توحيد الأدباء والكتّاب الفلسطينيين للعمل على توظيف ذاكرتنا وواقعنا اليوميّ المعيشي في إبداعنا، في خضمّ واقعٍ صارخٍ بالتمييز ضدنا على كافة الصعد وحتى التفكير في اتخاذ خطوات وتدابير لترحيلنا أو ما يعرف بمصطلح “الترانسفير” وتضييق الحال دون أن نرضخ لما يقال بأن دور المثقف هو دور مهمّش، لذلك من المهم العمل على تطوير وعينا ومداركنا في هذا الشأن بالغ الأهمية.كما أن من مسؤوليتنا الاهتمام بنشر الإبداع العربي المحلي في الدول العربية وترجمته ليصل العالم الغربي للتعريف بإبداع الفلسطينيين في الداخل وما يحمله من مكوّنات شخصيته وواقعه وهمّه الذي يصعُب على الآخر البعيد عن المنطقة أن يفهمه. لهذا فإن الكاتب الّذي يساهم بالكتابة في مواضيع معيشيّة وحياتيّة وثقافية يساهم في عكس واقع يعيشه ومن ثمّ يسعى للتأثير عليه وفيه وكلّنا نحمل أكثر من وجهٍ فينا.. فمسارح الوجه الواحد كثيرة. وباختلاف الوقت والزمن والتجربة الحياتيّة، فإنّك قد ترى وجهك مختلفًا في المرآة التي تعكس ملامحه ويراه الآخرون وجهاً مغايراً أو مشابهاً في مرآتهم. وكوننا أقلّية فلسطينية، فإنّ هذا الأمر بحدّ ذاته يشكّل صعوبة على جميع الأصعدة إن كان ذلك في الدّعم الأدبي أو الاقتصادي أو الاجتماعي. فالإبداع لا يمكن أن يكون إبداعاً دون أن يكون موصولاً وطارحاً لقيم وقضايا مجتمعيّة نعيشها وهو أيضاً صوتنا ولكلّ واحد فينا هويّته، أيّ أسلوبه في طرح هذه القضايا.. المبدع الحقيقيّ غير منفصل عن قضايا وهموم وآمال شعبه لأنّه جزء من هذا الشعب ومن هنا فإنّه ينزاح إلى الإبداع شعرًا ونثرًا أو أي جنس أدبي آخر. في كتابي صورت تأثير اللغة العبرية على الأشخاص وأعتقد أن سيطرة اللغة العبريّة وهيمنتها على لغتنا لم يأتِ بمحض الصّدفة، بلْ هو مخطَّط ومدروس وله أبعاد سياسية لا تخفى عنا، وظاهرة اندثار اللغة عمومًا هي ظاهرة موجودة منذ القِدم، فقد بات الأمر جلياً وواضحاً في كلّ مرافق الحياة، خصوصاً في المدن والأحياء المختلطة التي يسكنها يهود وعرب. ومن الضروري أن نعترف بأنّ تلك الهيمنة للغة العبريّة تعكس الغَلَبة والسّيادة لليهود على هذا الحيّز الذي يسمّونه (إسرائيل)، هذا الحيّز هو نفسه فلسطين، لأنّ الهيمنة هي لأصحاب اللغة. النشر وهمومه ? أزمة النشر؛ ما هي المنافذ الّتي تتيح نشر الإنتاج الأدب العربي وكيف تتعاملون معها؟ ? تعتبر أزمة نشر الكتب وتسويقها والتكلفة المادية من التحدّيات والصعوبات التي تواجه الكتّاب والكاتبات عمومًا، وفي الداخل الفلسطيني نواجه هذه الأزمة بشكل أكثر حدّة بالإضافة إلى عدم دعم المؤسّسات المحليّة، مّا يضطرّ المبدع والمبدعة للسفر إلى الدول العربيّة المتاحة لنا لطبع الكتاب ونشره لشعورنا بأن دار النشر العربيّة ستقوم بتسويق الكتاب من خلال معارض الكتاب العربيّة من جهة، ومن أجل خرق حاجز الجغرافيا والسياسة من جهة ثانية. علماً بأن المؤسسة الوحيدة التي يمكن أن تدعم الكتاب الذي يؤلفه كاتب عربي هي دائرة الثقافة العربيّة التابعة لوزارة الثقافة الإسرائيلية. وحديثاً انبثقت دار راية للنّشر وهي دار عربيّة بإدارة الشاعر بشير شلش ومقرّها في مدينة حيفا. وبرأيي أن عملي كمنسّقة لدار فضاءات للنّشر والتوزيع في عمّان الذي بدأ منذ أكثر من عامين في الداخل الفلسطيني، يسهم في ربط كتّابنا في الداخل مع الكينونة الفلسطينية ككل من خلال الأعمال الأدبية التي تخرج إلى أفق عربي أوسع. المبدع ودوره ? كيف تنظرين إلى دور المبدع؟ ? المبدع الحقيقيّ غير منفصل عن قضايا وهموم وآمال شعبه، لأنّه جزء من هذا الشعب، لكن كلُّ له أسلوبه في طرح هذه القيم ومن هنا فإنّه ينزاح إلى الإبداع شعرًا ونثرًا أو أي جنس أدبي آخر.. وما تميّز من تجارب الشعر الماضية والحاضرة هو ما جاء بتماسّه الحقيقي مع الهمّ الإنساني والعربي وارتكز على شعريّة اللغة والأسلوب الفني المرتبط بالمضمون. من هنا يمكن أن نتتبّع الصدق الفني والمرجعيّة الواقعيّة للنص الأدبي التي تتكشف بعد تجربة مختمرة تتأتى من تذويت في لب المبدع باشتغال متمرّس وذكي. وأعتقد أنّه حان الأوان لأن نعيد النظر في كلّ ما نعنيه حين نطلق أحكامنا سواء على النظريات أو على الموجود وكلّ الثوابت ولو تلك التي تبدو مسلّمة وبديهيّة، بمعنى أنّه علينا إعادة النّظر في المسلّمات الرسمية المجتمعية والمنعكسة في التجربة الإبداعية النصّية. “إنّ شقاء التّجديد المتعثِّر أَفضل من سعادة التّقليد المتحجّر” كما يقول الشاعر محمود درويش. وأرى أن الكتابة هي في حدّ ذاتها مقاومة ووسيلة للثّورة أيضاً. الكتابة عندي هي تحليق الرّغبة.. هي مرحلة اللذّة في الهذيان، هي الكلامُ الجديدُ، الوطنُ الغرامُ. إضافة لما ذكرت فقد يكون للجينات دور في هذه المقاومة الّتي أجدها منبثقة من اختيار التعبير عن دواخلنا. أسباب للكتابة ? لماذا الكتابة؟ ? لأنها التي توصل اللاواعي مع الواعي... هي سيمفونيّة الإنسان الوسيط الخارج من السّرب، الذي يريد لنصّه أن يبقى مفتوحاً على قراءات متواصلة، هو النص المحمل والمشحون شعورياً ولا شعورياً بمجموع رؤى الشاعر/الكاتب وتجاربه وثقافاته. عندما تكتب أنت تمارس الحياة وترقص جنوناً، أنت تخلق عوالم طبيعة ومرايا ملوّنة، أنت ترسم خطوط أجنحة الفراشة وقد يكون هدف الكتابة أيضاً التفريغ من أجل إعادة البلورة والخلق أو أنّها الالتفات للهامشي اليومي بأسلوب مغاير مستوقف لتحمله في غرائبيّة هذا الوجود. أظنّ بأن المكوّنات التي تخلق الشاعر هي مكوّنات تنتمي بانحياز حادّ للطبيعة، لجينات بيولوجية وروحيّة لعوالم خاصّة فيّ، ولطبيعة فيها من الشراسة والتمرّد اللاواعي لتكون خارج السرب، لتغرّد بأسلوبها الخاص. وتخطّ طريقًا فردانيًّا يميّزها عن غيرها.. الكتابة هي التعبير الجوّانيّ عن الأعماق ورؤية للعالم وعلاقتها مع الأشياء والآخر دون ابتذال، بلّْ بكلّ الشفافيّة والتّحليق. الكتابة عندي هي ولع الليلك، هي التي اللا تقبل المساومة هي بداية منبعثة من الحفر والنّقش في الذات غير المنفصلة عن البيئة والعالم، بمعنى أنّ الكتابة ليست آتية من فراغ لكن قد تكون من عوالمي التي أكتب منها/ خلالها مختلفة: حلميّة/ عشقيّة/ علائقيّة بين الواعي واللاواعي/ منبثقة من واقع تتجاوزه لتفكّكه وتعيد تشكيله من جديد وهنا أتحدّث عن الشاعر أو الكاتب الذي يملك رؤية خاصّة للعالم ويؤسّس لعلاقات خاصّة بين لغته والأشياء وتقنية فنية وجماليّة أو لغة شعريّة خاصة. هذا يذكرني بقول نيتشه: “إذا أردت أن تجني من الوجود أسمى ما فيه، فعِش في خطر”. لا تابوات في الكتابة إلا قوانيني أنا الكاتبة رغم شقاء ما سيكون. كتابتي تمرّ بماكينة حفر جوّانية غير منفصلة عن واقع هذا الوجود بما ينعكس من وعي جمالي وتخييلي لديّ. ونصّي بلا شك مارّ بمسار وعر وشائك وشائق من أول، هو مسار تطوّر وبحث ونقش واشتغال متواصل وتحدّ للوصول للعناصر الأولية الّتي تشعّ عميقاً في النفس والكينونة. وككاتبة أسعى لسبر أغوار النفس والحفر فيها أكثر لهذا فالأهمية عندي هي في دواخل الشخصيّة حيث صراعاتها النفسية الداخلية ومشاعرها الدفينة، وبذلك أكون أسعى للاقتراب من الذات البشرية التي تعايش شرذمتها الجوانية وأرتكز على الاشتغال على بواطن شخصية المرأة المركّبة في النص الذي اكتبه مهما كان تجنيسه.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©