الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أفريقيا... ودور الأعمال الخيرية

7 مايو 2013 22:30
توني أو. إيلوميلو خبير نيجيري في العمليات المصرفية لفترة طويلة اعتمدت المقاربة التقليدية في حل مشكلات القارة الأفريقية على تقديم الدعم المالي والانخراط في العمل الخيري، وهو ما يعني مالًا سهلاً يتدفق على القارة، لكن وفيما أسهم العمل الخيري في توفير عدد من الخدمات المهمة والأساسية للشعوب الأفريقية، سواء تعلق الأمر بالأمن الغذائي، أو الرعاية الصحية، أو الاستجابة للطوارئ، أو التعليم، تبقى نقطة ضعفه الكبرى أن نتائجه غير قابلة للاستدامة. أفريقيا تجد نفسها باستمرار مطالبة باللجوء إلى المانحين فقط للحفاظ على الوضع الراهن والحؤول دون الانزلاق أكثر، والحال أن ما تحتاجه أفريقيا فعلاً هو خلق البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتحقيق الاكتفاء الذاتي والاعتماد على نفسها بدل اللجوء إلى المانحين. وفي هذا السياق تُعلمنا التجربة أن ربط القطاع الخاص بالتنمية الاقتصادية يمثل الطريق الأفضل لخلق الثروة والموارد في الاقتصادات المحلية وضمان التنمية المستدامة. ويمكن للمانحين والمنظمات غير الربحية والمشرفين على الأعمال الخيرية من المحسنين مساعدة أفريقيا على بلوغ الاكتفاء الذاتي، إذا سخروا مواردهم لتثوير القطاع الخاص وتغير طريقة اشتغاله. وليس أدل على هذا الترابط بين القطاع الخاص والتنمية المستدامة من تجربتي الشخصية كمؤسس لبنك «ستاندارك تراست»، الذي أصبح لاحقاً بنك أفريقيا المتحد، حيث انطلقنا برأس مال متواضع بالنسبة لبنك لا يتجاوز 5 ملايين دولار في عام 1997 بتمويل جزئي من المساعدات التنموية، لكن بحلول 2010 وهو العام الذي تقاعدت فيه كان البنـك قد توسـع ليتحول إلى مصرف يغطي أفريقيا كلها بعدد عملاء تخطى 7 ملايين شخص، وبعدد أفرع وصل إلى 750 فرعاً، موزعة على 18 بلداً أفريقياً، بل وموفراً وظائف مباشرة وغير مباشرة لأكثر من 20 ألف شخص. هذا البنك يسهم في خلق الوظائف وتطوير المهارات، وتوسيع القاعدة الضريبية للاقتصادات المحلية التي تستفيد منها الدولة، فضلاً عن توفير الخدمات المالية الضرورية، التي تسهل عمليات التجارة والاستثمار، وبالطبع تفوق أموال الدعم والمساعدات التي تتدفق سنوياً على أفريقيا المبلغ المتواضع الذي بدأنا به مشروعنا. لكن السؤال المطروح هو ما إذا كانت لتلك المساعدات الأثر والقيمة الفعلية نفسها على أرض الواقع، وفيما إذا كانت تسهم في دفع عجلة التنمية المستدامة، فلا شك أن العمل الخيري والمساعدات التنموية يجب أن تكون جزءاً من استراتيجية النمو الأفريقية، لكن من المهم أيضاً مراجعة طريقة توظيف تلك الأموال والتركيز أكثر على الحلول التي يقدمها القطاع الخاص. ولنأخذ المياه على سبيل المثال، بحيث يمكن للعمل الخيري أن يدفع نفقة حفر بئر ما، غير أنه إذا لم يبدِ أحد اهتماماً بصيانة البئر، ولم تكن له مصلحة في ذلك، فإنها ستتعرض للتلف والتعطيل مع مرور الوقت، لذا فإن توجيه الأموال إلى منظمة ربحية لها مصلحة في نجاح المشروع واستمراره، يوفر الحوافز والموارد الضرورية للحفاظ عليه، وتحسين قدرة المشروع على الاستدامة والنجاح، وهو ما يفسر التقدم الذي تحرزه المشروعات التجارية الصغيرة، مقارنة مع نظيرتها الخيرية ليناقض ذلك التصور الخاطئ لدى البعض من أن المجتمعات الأفريقية أصبحت مدمنة على المساعدات الخارجية. والحال أن تدفق المال المجاني على أفريقيا يحرمها من تطوير القطاع الخاص، بحيث لا يمكن للشركات الخاصة منافسة الرأسمال المدعوم، والنتيجة أن العمل الخيري يوفر فقط حلولاً مؤقتة لمشكلات مستعصية على حساب الحلول طويلة الأمد لتبقى المقاربة الأمثل عقد شراكات مع المجتمعات المحلية لتوظيف دعم المانحين لتقليص مخاطر الاستثمار، وتشجيع المستثمرين على دخول الأسواق النامية. فالمستثمرون الخواص غالباً ما يبدون استعداداً للمخاطرة والمجازفة بأموالهم، إلا أنهم أيضاً حذرون جداً من تحمل مسؤولية التنمية في البلدان الناشئة، لذا يمكن للدعم الخارجي والمساعدات المالية أن تتدخل لتقليص المخاطر، إما من خلال الدخول في شراكات استثمارية مع القطاع الخاص، أو التمويل الجزئي لعمليات الشركات حتى تقف على رجليها وتبدأ في تحقيق الأرباح، أو بتوفير التمويل للإدارة لمساعدة الشركات على اكتساب المهارات الضرورية لتحقيق النمو. وبالاعتماد على تجربتنا وتجربة العديد من رجال الأعمال الخيرية، أعتقد أن الوقت قد حان لتحقيق نقلة نوعية وفلسفية في طريقة تقديم المعونة لأفريقيا. وهنا يمكن اعتماد ثلاث مقاربات حتى يكون للدعم الخارجي أثر فعلي على واقع التنمية في القارة، أولاها: الاعتماد على خلق الثورة الاجتماعية، من خلال تقديم خدمات للمجتمع مقابل عائد يمكنها من الاستمرار، لا سيما في ظل الفشل الذي يلاحق المشاريع غير الربحية التي تعجز عن الاستمرار لفترة طويلة. وثانياً توظيف أموال المساعدات لتحقيق التغيير المستمر، وليس فقط انتظار النتائج على المدى القصير. ولعل السؤال الذي يتعين طرحه في هذا السياق هو ما إذا كانت المساعدات المالية تسهم في خلق قيمة نوعية للمجتمع المحلي، أم فقط توفر حلولاً مؤقتة سرعان ما تتوقف؟ فخلق قيمة مضافة في المجتمع المحلي يجب أن تكون الهدف من وراء تدفق الأموال الخيرية. وأخيراً اختيار المشروعات القادرة على الاستمرار، فإذا كان الهدف من العمل الخيري، هو النمو المستدام وخلق القيمة المضافة، فإن برامج المساعدات عليها أن تختار بدقة وعناية المشروعات الممولة وتتابعها لتضمن نجاحها واستفادة المجتمع منها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان سيانس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©