الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حي الحسين ذاكرة الحارة القديمة والمقاهي العتيقة

حي الحسين ذاكرة الحارة القديمة والمقاهي العتيقة
13 يونيو 2018 19:48
أشرف جمعة (أبوظبي) في ليل بعيد تغوص فيه الذاكرة لترى العصور الماضية تنهض في لوحة الزمن البعيد، وبمجرد أن تخطو الأقدام إلى حي الحسين في القاهرة في الليالي الرمضانية العتيقة تدنو صورة العصور الفاطمية والمملوكية والأيوبية والعثمانية، فتلمسها القلوب بحب وشغف، فتظهر المعالم الأثرية والإسلامية القديمة من بين الأزقة حين تتزاحم الوفود، وهي تمر بين الدهاليز لترى الحوانيت العتيقة والبازارات التي تتدلى منها الأواني المنقوشة وتعلوها الفوانيس الرمضانية بأنوارها الساطعة، وفي اللوحة ذاتها يطل مسجد الحسين ببهائه التاريخي وخان الخليلي بدكاكينه التي زادها الزمن صلابة وجمالاً ويطل في اللوحة ذاتها الجامع الأزهر الذي يضج بالمصلين، أما مقهى الفيشاوي الذي أنشئ في القرن الثامن عشر لصاحبه فهمي الفيشاوي، فالمقهى ملتقى الوجوه العربية والأجنبية والحياة بمعناها الكامل. وفي حي الحسين لا شيء يجيء مصادفة سوى البهجة التي تسكن الأرواح التي تتحلق في ذاكرة المكان ليس بحثاً عن تاريخ قديم، ولكن ليرى الغرباء وأصحاب المكان وجوههم في مكان آخر على إيقاعات رمضانية قلما يجد البشر مثيلاً لها في كل بلاد الدنيا. الأنوار التي تحلق في كل مكان في حي الحسين بفضل الفوانيس الضخمة التي تعلو الحوانيت والدكاكين القديمة والمقاهي العتيقة والتي تزين السقوف مبعث فرح للقادم من كل محافظات مصر وللقادم من الدول العربية والإسلامية ومختلف الدولة الجنبية، إذ تأتي هذه الوفود لتشهد مظاهر تلخص عصوراً مضت وبقى منها رائحة العطر الذي ينبعث من دكاكين موغلة في القدم ورائحة التاريخ المشع من النقوش التي تزين الأطباق الكبيرة والفنجانين والتماثيل الفرعونية والمسلات وبقايا القدماء المصريين، حيث ورق البردي بزخارفه المتداخلة وفي هذا المشهد المكتظ بالرجال والنساء والأطفال وكبار السن والشعراء والرسامين والكتاب والإعلاميين وهواة قراءة التاريخ ومحبي الحياة بألوانها البهيجة تحلو ليالي السمر على وقع الفلكلور والأناشيد القديمة والتنورة التي يلفها بذراعيه أحد المهرة، وهو يخطف القلوب بحركاته السريعة، فتزداد العيون لمعاناً على تناغم هذه الإيقاعات التي لا يشرف على تنظيمها أحد أو يتدخل إنسان فيما شكلته الطبيعة، والوجوه المصرية الباسمة التي تستقبل العربي والأجنبي بالإشراق والترحيب المبالغ فيه لا يشعر حين يراها أنه غريب الوجه واليد واللسان. في حي الحسين يمضي الناس في نزهة مطلقة لا تحدها حدود ولا تسيرها خطوط، فالناس تسير بين دهاليز خان الخليلي تلتقط من واحة الفنون المعروضة التحف والهدايا الفوانيس تهز النفوس بأضوائها المشعة، فيقبل عليها الصغار والكبار ويقتنون أحجامها برغبة جياشة، فالمكان يفرض حضوره الطاغي والجمال الذي تشكل على راحته ورسم خطوط الزمن تحدث بلغة الماضي واحتضن القادمون دون سؤال عن هوية وفي هذا الصخب الليلي السامر لا يجد سكان حي الحسين وقتاً للنوم، فالضجيج الحلو يهز أرجاء المكان، وفي كل جانب من جوانبه حكايات يستعيدها الذين يأكلون على الطاولات في المطاعم والمقاهي ويرويها العارفون بالتاريخ وهم يتبادلون الحديث في شهية مفتوحة، فكل شيء متاح للبهجة وقضاء الوقت من دون هدر فاللحظة محسوبة والزمن كله لهؤلاء الذين اختاروا المغامرة في أجواء حي الحسين. يقول نعيم الخالدي: في حي الحسين في القاهرة أثناء زيارتي لها في هذه الأيام المباركة رأيت وجوهاً من مختلف الجنسيات يتناغمون في بساطة ولهفة ويتنادمون على ابتسامة رائقة، فالمكان بسحره وجلاله قصة من الأساطير الفانية تستحضرها القاهرة لتضم إليها كل محب يرى الجمال بعين بصيرة ويري الخالدي أن هذا المكان الذي يبتكر حضوره، والذي احتوى عباقرة الأدب الحاصلين على جائزة نوبل، مثل نجيب محفوظ هو ذاكرة الزمان الذي يأبى الضياع ويأبى أن تتوه معالمه وأنه جلس في المكان الذي قيل إن نجيب محفوظ كان يجلس فيه وأنه شعر بعطر الحكاية في الأصداء التي تهمس مستدعياً الذكريات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©