السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ألمانيا: وداعاً لدولة الرفاه

ألمانيا: وداعاً لدولة الرفاه
19 يوليو 2010 22:53
تعيش الأم "في لينكر" على امتيازات دولة الرعاية في ألمانيا، فهي عاطلة عن العمل ومع ذلك تسكن في شقة مكونة من خمس غرف بإيجار شهري يصل إلى 1500 دولار، وتطل حديقتها على غابة صغيرة لا تتوقف فيها الطيور عن التغريد. وعن وضعها تقول الأم الألمانية: "ما كنت أستطيع توفير كل ما لديّ الآن بدون مساعدة الحكومة، على الأقل هذه الشقة". وبالإضافة إلى شقتها الواسعة أدخلت"لينكر" أبناءها الثلاثة إلى مدرسة خاصة، معتبرة أنها كأم لثلاثة أطفال تستحق كل هذه الحياة المريحة. ولكن هذه الأيام، في ظل الأزمة الاقتصادية، لا يوافقها على ذلك سوى القليل من السياسيين. وإذا ما صادق البرلمان الألماني على مشاريع القوانين المعروضة عليه ستفقد الأم "لينكر" امتيازاتها السخية بجرة قلم. فالحكومة الألمانية تدرس إمكانية خفض النفقات والزيادة في الضرائب لادخار مئة مليار دولار بحلول 2014. ومع أن الحكومة أقرت إجراءات التقشف في السابع من يوليو الجاري إلا أن العديد من التفاصيل لم يكشف عنه بعد وإن كان مشروع القانون يقترح في خطوطه العريضة خفض 40 مليار دولار من الامتيازات التي تقدمها دولة الرعاية للمواطنين الألمان من خلال منح صلاحيات أكبر لموظفي الشؤون الاجتماعية لتحديد ما إذا كان الشخص يستحق المساعدات الحكومية، أم لا، بدلاً من توزيع الأموال بصورة تلقائية كما يتم حاليّاً. وقد دافعت عن هذه الإجراءات المستشارة ميركل، بصرامة قائلة: "إن ألمانيا لم توافق قط على حزمة من التدابير التقشفية مثل هذه المطروحة اليوم، ولكنها تدابير ضرورية جداً لضمان استقرار اقتصادي مستدام في المستقبل"، مضيفة "إننا لا نستطيع توفير كل ما نرغبه إذا كنا نريد ضمان مستقبل زاهر لشعبنا". وبعد عقود من تخصيص امتيازات مالية سخية للمواطنين الفقراء يخضع الآن نظام دولة الرفاه الألماني لعملية تمحيص ومراجعة لم يخضع لمثلهما من قبل، بحكم أن ألمانيا، التي تعتبر مصنع أوروبا، لم تعد قادرة على دفع الفاتورة الاجتماعية الباهظة، لاسيما في ظل القلق الذي يبديه الخبراء الاقتصاديون من أن الاستمرار في المستويات الحالية من الامتيازات المخصصة لشرائح المجتمع المتقدمة في السن سيضع أعباء ثقيلة على كاهل الأصغر سناً الذين سيكون عليهم في النهاية دفع الفاتورة. هذا بالإضافة إلى الاختلالات بين المناطق التي ينتج عنها تحمل بعض الولايات لأعباء أكبر من غيرها، والاستمرار في دعم المناطق الأكثر فقراً والأقل نموّاً. ففي برلين على سبيل المثال يستفيد 15 في المئة من العائلات و20 في المئة من الأطفال من المساعدات الحكومية، فيما يستفيد شخص واحد فقط من كل عشرين شخصاً من تلك الإعانات في الولايات الألمانية الغنية مثل بافاريا. ومن بين المقترحات التقشفية التي طرحتها الحكومة الألمانية للنقاش إلغاء 15 ألف وظيفة في القطاع العام وتشديد المراقبة على المساعدات المخصصة للأشخاص من غير ذوي الاحتياجات الخاصة، أو تلك الموجهة للبطالة طويلة الأمد، هذا بالإضافة إلى خصخصة بعض خطط التقاعد. وتشمل الإجراءات التقشفية أيضاً تقليص المساعدات المقدمة للأسرة من أب، أو أم واحدة، والإعانات الخاصة بفاتورة التدفئة وإجازات الولادة بالنسبة للأمهات، كما سيرتفع سن التقاعد بواقع شهر واحد كل سنة بين 2012 و2035، كما يدعو اقتراح آخر إلى تسريح 40 ألف جندي في الجيش الألماني الذي يبلغ تعداده حاليّاً 250 ألف عسكري. وعن هذه الحزمة يقول "هيلموت راينر"، أستاذ الاقتصاد بجامعة ميونيخ: "أعتقد أن حزمة التقشف متوازنة بصفة عامة، إنها فقط تستجيب لمتطلبات الأزمة الاقتصادية التي شهدت تزايداً في الإنفاق العمومي، وهو الأمر الذي يجب القيام به الآن". ولكن منتقدي التقشف يرون أن الخطة الحالية لن تكتفي بتحميل الفقراء أعباء إضافية بحرمانهم من الامتيازات التي يستفيدون منها، بل إنها لن تنجح في تقليل النفقات والحد من العجز، ولاسيما أنها تصاحب خفض الضرائب على الأغنياء بعدما تراجعت نسبتها منذ عام 2005 من 52 في المئة إلى 42 في المئة. وفي هذا الإطار يقول "أوليخ شنايدر"، المدير التنفيذي لإحدى المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال مساعدة الفقراء: "لقد خفضنا الضرائب من قبل ولم يجلب ذلك أية فائدة للاقتصاد"، متوقعاً أن الإجراءات التقشفية التي اقترحتها الحكومة وتسببت في انحسار شعبيتها إلى أرقام قياسية لن ترى النور أبداً، وحول ذلك يقول: "إن التخفيضات المقترحة لا تلقى أي قبول لدى الألمان، وما زال أمامها امتحان البرلمان للمصادقة عليها". ويرى المدافعون عن خفض النفقات والحد من الإنفاق العمومي أن الألمان لا يدركون وضعهم الجيد بالمقارنة مع باقي الدول، فوضع الفقراء في ألمانيا أفضل بكثير من نظرائهم في الولايات المتحدة. ويشبه النقاش المحتدم بين المدافعين عن التخفيض والرافضين له في ألمانيا الصراع الجاري بين الليبراليين والمحافظين في أميركا، حيث يصر "شنايدر" على أن ألمانيا لن تستطيع الحد من عجزها المالي برفع الضرائب على الأغنياء، على رغم أن تقليصها الذي بدأ منذ 2003 كلف الدولة 25 مليار دولار سنويّاً. ولكن الوضع في ألمانيا يختلف بعض الشيء عما يجري في أميركا، إذ ما زال السياسيون يتحدثون عن العدالة الاجتماعية والمسؤولية، وغيرهما من المفاهيم التي فقدت حضورها في الولايات المتحدة، وبالإضافة إلى أعباء مساعدة الفقراء ما زال الالتزام مستمراً لدى الطبقة السياسية بمساعدة ولايات ألمانيا الشرقية بعد عشرين عاماً من الوحدة. بورزو دراجاهي - ألمانيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©