الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فراغ الحقيقة

19 يوليو 2010 00:07
عندما يعود الأمر إلى تحديد ما هو المناسب لإعلام حرّ أن يقدمه وينشره، فإن التشريع الحكومي، بغض النظر عن التسمية التي تطلق عليه، يُشكّل رقابة. والرقابة، خاصة في نظام ديمقراطي، تشكّل منحدراً زلقاً بالتأكيد. ويبدو أن هذا هو السبيل الذي تتبعه الحكومة الباكستانية ضمن جهودها لمنع التغطية الإعلامية للحوادث الإرهابية ونتائجها. تقدَّم بخطة منع التغطية الإعلامية للإرهاب في الإعلام الباكستاني سياسيون يعتقدون أن التغطية الإذاعية والتلفزيونية لنتائج الإرهاب، وخاصة في المناطق الحدودية الشمالية الغربية، مبالغ فيها وغير مسؤولة. وقد قامت لجنة برلمانية باتخاذ إجراء يمنع مثل هذه التغطية أو بالأحرى "أي قدح أو ذم ضد أجهزة الدولة". سوف يتطلب القانون، الذي يتوقع أن يُطرَح أمام جلسة برلمانية كاملة في فترة لاحقة هذا الصيف، معاقبة المخالفين بغرامات تصل إلى 117,000 دولار أو ثلاث سنوات سجناً. واجهْتُ خلال سنوات عملي الأربعين كمراسل ومحرر ومعلّق في أكثر من ستين دولة، الكثير من جهود الحكومات لفرض القوانين على ما ينقله الإعلام. لم تخدم أعمال كهذه بتاتاً مصالح مواطني الدول أو أمنهم. ومن المؤكد أن الإعلام القوي هو في أحيان عديدة أفضل عوامل الضبط وأكثرها فعالية على سلطة الحكومة الجامحة التي تسيء للحريات الشخصية أو تلجمها. وهناك العديد من الوقائع التي فشلت حكومة باكستان في أخذها بالاعتبار، وهي تسعى لوضع غطاء على نشاطات المتطرفين التي تهدد بالهيمنة على الأمة وخدماتها الأمنية. وأول هذه الوقائع قضية أن الإرهابي عند أحدهم هو مقاتل من أجل الحرية عند الآخر. فأية محاولة لتعريف الإرهابي تخاطر بعزل العديد من الناس الذين تحتاج الحكومة لأن تكسبهم إلى جانبها، إذا ما أريد لها أن تستعيد السيطرة على مجموعات كبيرة من الأمة أصبحت أكثر انعزالاً عن التيار الرئيسي للمجتمع الباكستاني. إضافة إلى ذلك فإن غياب الأخبار يشكّل فراغاً سرعان ما تملؤه الإشاعات والإيماءات. وفي هذا العالم المرتبط والمترابط، سوف تتقدم وبسرعة مجموعة كبيرة من مصادر المعلومات الأخرى لتملأ الفراغ. وسوف تبدأ مجموعة من الإذاعات الخاصة ومواقع الإنترنت، الخارجة عن سيطرة إسلام أباد، بإرسال طراز خاص بها من الأخبار والأحداث إلى الأقاليم الأكثر اشتعالاً، وخاصة المناطق الشمالية الغربية الحدودية، وهذا أمر لا مناص منه. وقد تكون هذه الوسائل نفسها تحت سيطرة المتمردين والمتطرفين أنفسهم، الذين تحاول الحكومة جاهدة منع الشعب من اعتناق سياساتهم. اقترحت شبكات التلفزة الباكستانية الثماني الرئيسية، كحل وسط لإبعاد الإشراف الحكومي الصارخ على نقلها للأخبار، اقترحت نظاماً من الرقابة الذاتية، من الأرجح أنه سيولّد نتائج مماثلة. لكن الثقة بين الإعلام وجمهوره ربما تكون أكثر قضية حاسمة تواجه الإعلام الإخباري اليوم، وهذا أمر لا يمكن تقويته عن طريق الرقابة. لكن الحقائق، مهما كان قبولها صعباً ومهما كانت مثيرة عاطفياً، تسيطر في نهاية المطاف. وفي حالة باكستان، فإن طمر أحداث كهذه بالمنع والرقابة سوف يثبت على الأرجح ضعف الحكومة وخوفها. وإذا نظرنا إلى الأمام فإننا نجد سبيلين محتملين: التعاون أو المجابهة. يمكن للتشاور المشترك أن يساعد الحكومة على فهم الدور الذي يلعبه إعلام حر وعادل من ناحية، وأن يساعد الإعلام على فهم الأثر المحتمل لعرض صور قاسية للدم والفوضى. تُتَخَذ هذه القرارات في كل يوم في غرف التحرير في وسائل الإعلام العالمية الكبرى، ولكن يجب أن يحفّزها الذوق العام ووثاقة العلاقة، وليس الخوف من عصا الرقابة الحكومية الغليظة. ديفيد أدلمان محرر مجلة "وورلد بوليسي" ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند" الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©